المعلوم أن البدع مهما بلغت منافعها فهي جديدة علي الشرع وكما قال المصطفي صلي الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" ، ولكن ليست الضلالة هنا لكونها بدعة فحسب ، بل أيضا لأنها قد تؤدي إلي إلغاء سنة نبوية متداولة. فمن ذلك ما يقوم به البعض من زخرفة للمساجد، وإسراف في البناء، والسنة خلاف ذلك، ولو أن هذه الأموال بُذلت في إعانة فقير، أو إغاثة محتاج لكان أولى .
ومن ذلك السلام على المصلين بعد الفراغ من الصلاة مباشرة، والسنة أن يذكر الله ويلتزم بالأوراد التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم، وهو بسلامه على المصلي بعد الفراغ مباشرة يقطع عليه هذه العبادة التي ثبتت في السنة.
ومن ذلك أيضاً ما يقام في المساجد ليلة القدر ( على القول بأنها في السابع والعشرين منه )، من أناشيد وذكر جماعي، والسنة أن يختلي المسلم بنفسه ويعكف قلبه على ذكر الله، ولا بأس بأن يروح عن نفسه قليلاً، لا أن يحيي جلَّ ليله بهذه الأمور التي فيها مخالفة للهدي النبوي.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله الكثير من المسلمين اليوم من زيارة القبور بعد صلاة العيد مباشرة، ولا يخفى ما يجرُّ هذا الفعل على قلب المسلم من الأحزان، والأصل أن يدخل المسلم على أهله الفرح والسرور والابتهاج في العيد، لا أن يقلبه عزاءً والله المستعان.
ومن ذلك ما يقوله المعزُّون لأهل الميت ( يسلم رأسك ) ولن يسلم رأس من الموت، والأصل أن يلتزم الألفاظ الشرعية عند العزاء، وخير هديٍ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أيضاً ما يقوم به الكثير من العوام من توسُّلٍ بالأموات، وهم بذلك قد هجروا سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتوسل بأسماء الله الحسنى و صفاته العليا.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعضهم عند وقوع شدة أو حادث عظيمٍ من اللِّياذِ بأصحاب القبور والاستغاثة بهم، والسنة أن يلجؤوا إلى ربهم، لا أن يشركوا به أحداً في الدعاء والاستغاثة.
هذه بعضٌ من البدع التي حلَّت مكان السنن، والكثير منها منتشر بين المسلمين، ولا يتسع المقام لذكرها، وهذه الكثرة مع سَعةِ الانتشار يدلُّ على خطورة الابتداع، و يخطِّئ القول القائل بوجود بدعة حسنة في الدين، ولقد بيَّن الصَّحابة خطأ هذا القول الخطير، يقول ابن عمر رضي الله عنه ( كلُّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ، وإنْ رَآها النَّاسُ حسَنةً )[12]، وكلُّ خيرٍ في اتباع من سلف، وكل شرٍّ في ابتداع من خلف.