الصحفيون لايحبسون "إحتياطيا" فى جرائم النشر , حتى ولو كانت الجريمة هى "إهانة الرئيس".. هذا هو حكم القانون السارى ,وما قرره الرئيس الدكتور محمد مرسى بهذا الشأن ,لايضيف أى جديد أو مغنم أو مكسب للصحفيين , إذ أنهم يتمتعون أساساً ب"الحصانة" فى عملهم الصحفى من "الحبس الإحتياطى" , ومن هنا فقد كان مثيراً للدهشة والإستغراب , ذلك الفيلم الردئ الذى جرت صناعته تأليفا وًإخراجاً وإنتاجاً , بمعرفة رجال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين , أو أعضاء جماعته , أو المنتمين لحزب "الحرية والعدالة" , الذراع السياسى للجماعة.. هو بالتأكيد واليقين فيلم هابط وسخيف منَّفِر ومُمِلْ , بل و يثير الإشمئزاز من فرط سذاجته وإستخفافه بالعقول , سواء كان أبطاله تابعين للمرشد أو الرئيس أو الجماعة أو الحزب , إذ لافرق بينهم جميعا من الناحية العملية والواقعية. أعنى بهذا الفيلم قضية الزميل الصحفى إسلام عفيفى رئيس تحرير جريدة الدستور , عضو نقابة الصحفيين .. فقدلايعلم الكثيرين أن محكمة جنايات الجيزة , لاتستند إلى أى قانون فيما قررته بحبس "عفيفى" إحتياطيا على ذمة القضية المتهم فيها ب"إهانة الرئيس" , ونشر إشاعات وأكاذيب من شأنها تكدير السلم العام والإضرار بالمصلحة العامة , اللهم إلا أن تكون المحكمة ,قد أرتأت أن عفيفى شخص مجهول غيرمعلوم محل إقامته ويخشى هروبه , رغم قرار النائب العام بمنعه من السفر على ذمة هذه القضية , أو أن تكون المحكمة "إخوانية" أرادت مجاملة الرئيس , بمنحه فرصة "العفو عند المقدرة" , التى ظلت الميليشيات الإليكترونية للجماعة على مواقع التواصل الإجتماعى , تعيد وتزيد فيها منذ صدور قرار الرئيس مرسى , الموصوف بأنه بمنع الحبس الإحتياطى فى جرائم النشر الصحفى "..
حيث جرى إدخال الغش والتدليس على الشعب وتسويق "القرار" على أنه يمنع "حبس" الصحفيين فى مثل هذه الجرائم الصحفية , بينما هو متعلق ب"الحبس الإحتياطى" , لغير الصحفيين فى جريمة إهانة الرئيس .. أى أن القرار الرئاسى , لاعلاقة له بالصحفيين أصلاً , والأسوأ هو الترويج له , كما لو كان مِنَة أو مكرمة من الرئيس على الصحفيين الأوغاد المتطاولين على ذاته "نصف الإلهية", بعد أن هل َ علينا الشيخ احمد المحلاوى بمقولته الأسبوع الماضى التى يُنبأنا فيها , بأن حكم مرسى هو حكم الله ,وخرج آخر لا أتذكر أسمه يُفتِينا بان قصر الإتحادية الذى يسكنه مرسى الآن هو "مكان مقدس" , ناهيك عن هؤلاء الذين يتوعدون مَنْ لايطيع مرسى أو يعترض عليه ب"جهنم وبئس المصير" و" العذاب الآليم" خلودا فى النار , وإستحلال قتل مثل هؤلاء الكفرة والعياذ بالله لمجرد انهم يعارضون حكم الإخوان المسلمين , أو مرسيهم .
من المناسب تفكيك قضية إسلام عفيفى إلى تفصيلاتها وأبعادها القانونية , كى نتيقن أن رئاسة الجمهورية تنزل بمكانتها كثيرا بالتورط فى مثل هذه المهاترات, , والحيل المكشوفة .. وإبتداءً فإن الذى لاشك فيه هو أنه وبعد "ثورة 25 يناير" المختطفة والموؤدة , فإن للجميع سواء جريدة الدستور أو غيرها , أو إسلام عفيفى رئيس تحريرها , أو غيره , ولكل الإعلاميين , الحق فى ممارسة حرية الرأى والتعبير والصحافة والنشر والإعلام , والنقد , بالقول والكتابة أو التصوير , وبالصوت والصورة , إعمالاً للرقابة الشعبية على السلطات العامة , وهى رقابة تتم لحساب المواطن ومن أجله , ضماناً لسلامة البناء الوطنى .. أو هكذا نفهم من المادتين 12 , و13 بالإعلان الدستورى الصادر يوم 30 مارس 2011 , وهذا الإعلان لايزال قائماً , ولم يتم إلغاؤه مثل "الإعلان المكمل" , بغض النظر عن "عدم شرعية" قرار إلغاء المكمل .
قرار الرئيس يتناول المادة 41 بقانون سلطة الصحافة , هذه المادة تمنع "الحبس الإحتياطى" الجرائم التى تقع بواسطة الصحف , ماعدا جريمة "إهانة رئيس الجمهورية ", فإنه "يجوز" فيها الحبس الإحتياطى , وهنا نلفت نظر القارئ الكريم بأن المقصود هنا جرائم النشر بالصحف سواء كان مرتكبها "صحفيا" أى عضو بنقابة الصحفيين , أو مواطن عادى أو باحث أو خبير أو سياسى وما شابه , وجاء قرار الرئيس وحذف الإستثناء , بمعنى أنه لم يعد جائزا حبس أى مواطن إحتياطياً فى جريمة إهانة الرئيس بواسطة الصحف, سواء كان هذا المواطن صحفياً أو غير ذلك , وهذا فى حد ذاته شئ جيد .
ولكن ماعلاقة هذا كله بقضية إسلام عفيفى ؟ .. عفيفى كونه رئيس تحرير الدستور فهو عضو بنقابة الصحفيين , ولدينا القانون رقم 76 لسنة 70 , الذى ينظم شئون النقابة ومهنة الصحافة , و يسرد حقوق الصحفيين وواجباتهم , وجاءت المادة 69 بهذا القانون , تمنع تماما وقطعيا "الحبس الإحتياطي" لأعضاء النقابة فى جرائم النشر , بل إنها أوردت حصريا جريمة " إهانة الرئيس" ,و جرائم السب والقذف بالنشر,والتى يمنع فيها الحبس الإحتياطى .. أى أنه كون إسلام عفيفى عضو بنقابة الصحفيين , فلا يجوز قانونا حبسه فى الإتهامات الموجهة إليه , بإهانة الرئيس , ونشر شائعات وأكاذيب , من شانها تكدير السلم العام .
إن قضية إسلام عفيفى تحوى الكثير من المغالطات وبها قدر كبير من التلاعب والتحامل عليه وعلى جريدة الدستور , والهدف منها هو القمع وتكميم الأفواة وقطع الألسنة وقصف الأقلام الناقدة لجماعة الأخوان المسلمين وأتباعهم رؤساءً ومرؤسين ..إذ أن البلاغ المقدم ضد عفيفى هو من مواطن "إخوانجى" , فإن لم يكن كذلك , فقد فعل هذا لحساب الجماعة , والنائب العام بمجرد تلقيه للبلاغ سارع بمنع "عفيفى" من السفر, فى سابقة فريدة , وكأنه متورط فى حرق أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة وفتح السجون وتهريب مساجين حماس ,وحزب الله , وليس مجرد "متهم"فى جريمة نشر , ولم تنتظر النيابة حتى مثول عفيفى أمامها , وسماع أقواله , فربما لايكون هو مقترف الجريمة , أو مسؤل عنها .
تبقى الإشارة إلى أنه ليس من إختصاص أى مواطن , أن يقطع بأن الاخبار أو الآراء المنشورة موضوع البلاغ , هى أشاعات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام , فهذه أمور تقررها وتُقَدِرها أجهزة أخرى مختصة بهذا الشأن ,وتستبان من التحقيق , وأما إتهام عفيفى أو الدستور ب"العيب فى الذات نصف الإلهية لمولانا الدكتور مرسى عليه السلام " ..عفوا .. أقصد "إهانة الرئيس " , فهذه التهمة تحديداً ترتبط بجريمتى السب والقذف وجوداً وعدماً , وبالتالى فلابد وان يكون البلاغ مقدم من الرئيس شخصياً ,أو "محاميه" الخاص , وهذا هو حكم المادة 3 بقانون الإجراءات الجنائية.
إن قضية إسلام عفيفى وجريدة الدستور تحتاج وقفة قوية من الجماعة الصحفية , بل ومن الشعب كله , لان الصحافة الحرة , هى من أهم الكوابح التى تلجم شطط الحكام , وتمثل حائط صد منيع أمام الفساد والإستبداد حتى ولو كان هو "الإستبدادً الدينى" , الذى تقف مصر الآن على عتباته .