تأكيد وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون على أن منطقة الحظر الجوي هي واحدة من الخيارات التي تدرسها الولاياتالمتحدة للتصدي لسفك الدماء في سوريا لا يعني أن هذه الخطوة أصبحت وشيكة. في الواقع، قد يكون الإعلان عن هكذا اقتراح يهدف إلى جعل الحاجة إلى مزيد من التدخل الأميركي في الحرب الأهلية في سوريا، مسألة أقل احتمالاً.
يقول مايكل أوهانلون، المتخصص في قضايا الأمن القومي وسياسات الدفاع في معهد بروكينغز في واشنطن، إن كلينتون "قصدت من هذا الإقتراح أن يكون الضربة الأخيرة باتجاه روسيا والقوى الأخرى التي تدعم نظام الرئيس بشار الأسد".
وأضاف: "إنها تحاول القول إن بلادها تحاول تجنب شيء لا تريدون حدوثه، وهو أنه (مع أو بدون الأممالمتحدة) سوف نعمق تأثيرنا ومشاركتنا في الأزمة السورية في حال بقي الأسد في السلطة، ما سيؤدي إلى استمرار الحرب".
تحدثت كلينتون عن منطقة حظر الطيران وغيرها من الخيارات الممكنة لمساعدة الثوار في سوريا في قتالهم للإطاحة بالرئيس الأسد، وذلك بعد لقائها يوم السبت في إسطنبول مع وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو. وقالت كلينتون إنها ونظيرها اتفقا على أن منطقة حظر الطيران وغيرها من المساعدات للثوار "بحاجة إلى مزيد من التحليل المتعمق وأنه لا يمكن اتخاذ قرارات عقلانية من دون تحليل وتخطيط مكثف".
واعتبرت صحيفة ال "فورين بوليسي" أن ما أعلنته كلينتون في كلامها هو أنه من المبكر اتخاذ قرارات في الأيام القليلة المقبلة. لكن مجرد ذكر منطقة حظر الطيران قد يوحي بأن الغرب يقترب من هذا النوع من التدخل العسكري، أسوة بما حدث في ليبيا في العام الماضي، عندما ساعدت قوات الناتو الثوار على إسقاط العقيد الليبي معمّر القذافي.
ويقول محللون إن "التدخل العسكري بدعم من الولاياتالمتحدة في سوريا في هذه المرحلة سيكون أكثر شبهًا بالتدخل الغربي في البلقان في العام 1990، والذي أعقب شلل الأممالمتحدة في البحث عن حل لإنهاء النزاع".
في العام 1999 قامت الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي بحملة قصف في حرب كوسوفو - من دون تفويض من الأممالمتحدة - والتي حولت الصراع في نهاية المطاف إلى مصلحة المتمردين.
لكن حتى يومنا هذا تبقي الأممالمتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي قوات حفظ السلام في كوسوفو، "للتذكير فقط، في حال احتاجت كلينتون ومسؤولين غربيين آخرين للتذكر"، كما يقول العديد من المحللين الإقليميين، الذين يعتبرون أن التدخلات العسكرية ليست دائمًا سهلة لهذه الغاية.
وأشارت الصحيفة إلى أن كلينتون لديها قائمة طويلة من العوامل، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في "تحليل" خيار منطقة حظر الطيران، وفقاً لأوهانلون، "لأن أحد هذه العوامل يمكن أن يفتح الباب لتدخل عسكري يؤدي إلى مشاركة أعمق".
وأضاف: "لا بد من الانتباه إلى المنحدر الزلق، وكيف يمكن أن تتطور منطقة حظر الطيران إلى منطقة محظورة، كما حدث في ليبيا"، مشيراً إلى أنه في حال فشل حظر الطيران في وقف الهجمات الأسد، فسيكون هناك الكثير من الضغط لضرب الدبابات والمدفعية السورية.
تدخّل الغرب في ليبيا لم يؤد سوى إلى احتجاجات من روسيا وغيرها من القوى المعادية للتدخل، وذلك لأن مصالح تلك القوى الكبرى في بقاء نظام القذافي لم تكن كبيرة جدًا.
لكن الولاياتالمتحدة، القلقة من أن يؤدي الصراع في سوريا إلى ارتفاع وتيرة الحرب بالوكالة عن المصالح الإقليمية المتنافسة، تدرك جيدًا أن روسيا وإيران، وغيرها من الدول لن تقف مكتوفة الأيدي لتتفرج على تدخل الغرب في سوريا.
إضافة إلى هذه العوامل، أشارت ال "فورين بوليسي" إلى أن الولاياتالمتحدة يجب أن تأخذ في الحسبان الحملة الرئاسية الأميركية، فالرئيس أوباما يرغب في تجنب تعميق تورّطه في سوريا.
"لكن إذا كان البقاء خارج الصراع السوري سيصبح مستحيلاً، سيفضّل أوباما أن يبدو التدخل العسكري، وكأنه الملاذ الأخير، وليس الخيار الأول" كما يقول أوهانلون. الوضع قد يكون مختلفاً لو أن أوباما لم يستخدم الطائرات بدون طيار لمهاجمة قيادة تنظيم القاعدة، وقتل أسامة بن لادن، إضافة إلى زيادة عدد القوات في أفغانستان، وليبيا.
لكن أوهانلون يقول إن "تلك الإجراءات تركت لأوباما سجلاً يحفل ب "الإنتصارات" ليستخدمه خلال الحملة الرئاسية، بحيث لا يشعر بأنه مرغم على التدخل في سوريا".