كمال القاضي تفرض نتائج الإنتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الدكتور محمد مرسي قراءة جديدة في المشهد الثقافي لكون فوز المرشح الإخواني يمثل صعوداً لتيار الإسلام السياسي ، وهو الأمر الذي من شأنه ترجمة أشياء كثيرة قد يترتب عليها تغيير البنية الأساسية للمنظومة الثقافية برمتها لو لم يكن هناك نوعاً من المرونة في التعامل مع الطبيعة المختلفة للمجتمع الثقافي وما بها من إختلافات تحتم إستقلاليتها وإفساح المجال أمامها للتعبير عن نفسها في أجواء غير قمعية ولو صدقت وعود الرئيس في عدم الإخلال بمبدأ الحريات العامة وعلي رأسها حرية الإبداع ، سيصبح لا محل من الإعراب لمخاوف الصدام المحتمل بين مؤسسة الرئاسة والنخبة المثقفة - لأن الأصل هو الإتفاق علي عدم العودة إلي زمن الديكتاتورية السابقة وحرمان المواطن من ميزة إبداء الرأي بالقول أو الفعل أو الإشارة . وقد دفع المصريون وبصفة خاصة المثقفين منهم علي إختلاف توجهاتهم ومشاربهم ثمناً باهظاً في مواجهات عديدة مع النظام البائد لقاء حصولهم علي حريتهم وتمتعهم بالحد الأدني من المناخ الصحي الملائم للتنفس خارج أجواء السلطة الغاشمة ، ومثلما زُج بالآلاف من العناصر الإخوانية والجماعات الإسلامية في السجون كان لمثقفي اليسار والناصريين نفس المصير في مراحل كثيرة من حكم مبارك علي مدي ثلاثين عاماً . ولأن التيار اليساري كان حريصاً طوال أيام الثورة علي منع الفلول من القفز علي السُلطة فقد إمتنع عن دعم ومساندة المرشح الجنرال وفضل الوقوف بجانب المنافس الأقوي بإعتباره محسوب علي الثورة وليس علي النظام القديم لذا فإن نصيباً وفيراً مما حصل عليه رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي من أصوات أودعته القوي الليبرالية في الصناديق نكاية وكرهاً في رمز الدولة القديمة " السلم " ، وعلي هذا حقق "الميزان" التوازن المطلوب ووصل بصاحبه إلي قصر الرئاسة متكئاً علي جهود أنصاره وأسهامات الثوار من خصوم الجنرال ، حيث شكلت الإسهامات النسبة الطفيفة الفارقة في النتيجة الكلية ومكنت د. محمد مرسي من أن يكون رئيساً لمصر في أول مباراة ديمقراطية حقيقية في تاريخها الحديث ، وهذا في حد ذاته إمتيازاً جديراً بالإعتبار . وعلي ضوء ما أوصلتنا إليه النتائج لابد لنا أن نرفع القبعة ليس للرئيس ولكن للديمقراطية ، ومن ثم فعلي الجانب المنتصر أن يُفعّل سلطاته في إتجاه إحترام الشعب بكل طوائفه وألوانه السياسية وألا ينظر بإزدراء لمن لم ينتخبوه فلا زالت هناك فترة رئاسية أخري لابد أن يقيم لها وزناً ويكون علي دراية بمتغيراتها فهي الأقدر علي حسم المعركة النهائية بعد أربع سنوات تالية للفترة الرئاسية الأولي ، ومن هنا يتوجب الإلتزام بما قطعه مرشح الأمس ورئيس اليوم علي نفسه من تطمينات تعطي الأقلية حقها الكامل في العيش الكريم بالوطن الكريم ، كما يستدعي العهد والوعد أيضاً تهيأة الأجواء لممارسة حرية التعبير بأفضل مما كانت عليه وليكن الخلاف في الرأي بين الطوائف حافزاً علي الإبتكار لا مثبطاً للعزائم . وأتمني علي الرئيس المصري الجديد ترسيخ مبادئ المساواة والعدل وعدم الإستقواء بالسُلطة في مواجهة المعارضين كما كان الحال من قبل في زمن النفخ والسحل والسجن... إلي آخر معطيات السقوط ونُذر الخلع التي تبدت في سماء التغيير قبل 25 يناير وأودت بعرش الرئيس السابق وبطانته ووريثه المزعوم وحلت بهم ضيوفاً علي الزنازين ليتبؤا المكانة اللائقة مع الحاشية ، حيث يحشر المرء مع من أحب . نقولها وبصدق إن التاريخ سيكون بالمرصاد لمن ينحرف عن جادة الصواب ويعتبر نفسه في مأمن من غدر الجماهير الثائرة الهادرة فالإمعان في الثقة يفضي إلي الخطر ، وكذا تَحسُب الخطر يطيل عمر الإستقرار .