حالة من الحنق أصابت الوسط الثقافي المصري، جراء المعايير التي تم بناء عليها تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والتي استبعدت مبدعي ومثقفي مصر؛ أدباء ومثقفين وفنانين عن تشكيل الجمعية، حيث اعتبرها البعض احتقار للثقافة، وإقصاء متعمد من قوى الظلام، "محيط" رصدت حالة الغضب واستطلعت آراء المثقفين. قال الكاتب الكبير بهاء طاهر أن "أسوأ ما يحدث فى المجتمع الآن هو الاستغناء عن المثقفين الذين أسسوا الدولة المدنية الحديثة"، مؤكدا أن "الإقصاء كان متعمدا"، قائلاً: "قوى الظلام تريد إحلال الواعظ بديلا للمثقف".
من جانبه قال وزير الآثار دكتور محمد إبراهيم أن الجمعية التأسيسسة للدستور لم تعلن بعد عن اختيارها، ويجب أن يتم تمثيل المثقفين بها بكافة أطيافهم تمثيلاً جيداً، وليس مجرد تمثيلاً رمزياً، ويجب أن يكون الآثاريين ضمن الاختيار حتى ينص في الدستور على بنود من شأنها ضمان الحفاظ على التراث الحضاري والمادي.
الكاتب الكبير أحمد الخميسي وصف إجراء استبعاد المثقفين من الجمعية التأسيسية للدستور بأنه إجراء "مؤسف"، يشير إلى نظرة قديمة كانت تسود المجتمع المصري حين كان يستهين بالثقافة ويحتقرها.
ويدلل الخميسي على ذلك قائلاً: في مطلع العشرينيات كان الصحفي علي يوسف رئيس تحرير جريدة "المؤيد" قد تزوج من إحدى بنات العائلات الكبيرة، وأصرت عائلتها على أن تطلقها منه، وحكمت لها المحكمة بذلك فعلاً، وجاء في حيثيات الحكم أنها تنتمي إلى عائلة كبيرة في حين أن الزوج يمتهن مهنة حقيرة وهي الصحافة!.
ويرى الخميسي أن استبعاد المثقفين من "التأسيسية" تكرس لتلك النظرة القديمة، وتعود بالمجتمع المصري إلى عهود رفض الأعيان دخول الموسيقيين إلى منازلهم.
تابع الكاتب قائلاً أن انضمام المثقفين إلى الجمعية لم يكن ليغير الشئ الكثير، لكن المؤسف أن وراء هذا الاستبعاد هذه النظرة المؤسفة التي تتم في عصر اعتقدنا فيه أننا تجاوزنا الاستهانة بالثقافة، واعتبارها عملية ترفيهية، كذلك تم استبعاد الفنانين التشكيليين والموسيقيين وغيرهم، ليصبح الأمر وكأنه نظرة احتقار عميقة للإبداع والفن والثقافة.
أكد الشاعر سعد عبدالرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن تهميش المثقفين في تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور يعكس نظرة الدولة ومؤسساتها التشريعية إلى الثقافة والمثقفين باعتبارهما هامشيين وثانويين ولا وزن لهما.
وأضاف أن الأمم تفتخر بما لديها من ثقافة ومثقفين وهم ثرواتها المعنوية، ورغم ذلك عندما تتشكل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في مصر يتم تجاهلهم.
الناقد الدكتور صلاح فضل قال أن اتحاد الكتاب أرسل ترشيحاته، لافتاً إلى أنه يدخل ضمن النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وفي حالة تجاهل تمثيله ستكون خسارة فادحة لللجنة لأن المثقفين يمثلون الأسماء الأولى التي اشتركت في كتابة الدساتير المصرية الماضية، كما أن الأدباء يتميزون بسمات لا تتوافر في غيرهم، فهم الأقدر على استشراف المستقبل عكس باقي الفئات الأخرى التي تنظر للواقع الحالي باعتباره أقصى ما يستطيع أن يصل إليه المجتمع، كذلك يتميزون بالقدرة على استحضار الأماني البعيدة، بينما باقي الفئات محصورين في نظاقهم الجيلي، كذلك الأدباء هم أكثر اطلاعاً على أحوال المجتمعات الأخرى المتقدمة وتجارب الأمم بحكم انشغالهم بالقراءة والمعرفة، وتابع قائلاً أن قيادة الرأي إذا كانت محصورة في العمل الحزبي والنقابي أصبحت محدودة، لكن القيادة الخلاقة يملكها المثقفين.
الشاعر فريد أبو سعدة وصف استبعاد المثقفين من "تأسيسية الدستور" بأنها "مأساة" لأن المثقفين هم ضمير الأمة، والتعسف في استبعاد المثقفين يجعل الدستور رهن لقوى معادية للثقافة، قوى تجعل الثقافة معلقة "بما لا يخالف شرع الله" تلك المقولة التي تتشدق بها تيارات الإسلام السياسي، رغم أن مصر لا تملك حالياً سوى قوتها الناعمة، قائلاً أنه ليس من حق جماعة ما أن تصادر على حق الأمة في تحقيق مصالحها، ويجب التصدي لهذا.
دكتور عبدالواحد النبوي الأستاذ المساعد بقسم التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر قال أنه لا يجب استبعاد المثقفين هكذا، لأن لديهم القدرة على صياغة بنود الدستور والمشاركة في وضعه، ورغم التعلل القائل بان هناك شخصيات عامة تشارك في اللجنة، إلا أن هناك إغفال للمثقفين وكأنهم سقط من متاع، أو سقطوا من ذاكرة هؤلاء الذين يديرون اللجنة التأسيسية.
الفنان الكبير مصطفى حسين قال أن المثقفين ليسوا مستبعدين، فاتحاد الكتاب رشح أسماء ونقابة التشكيليين فعلت ذلك، الأمر لا يزال في طور الترشيح ولم تعلن الأسماء بعد.
من جانبها رفضت جبهة الإبداع الصيغة والمعايير التي تم بناء عليها تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وأعلنت مقاطعة المشاركة فيها، واعتبارها كيانًا غير شرعي، وأكدت الجبهة، في بيان لها عقب اجتماع طارئ، دعت إليه أعضاءها لبحث هذا الأمر، أنها ستلجأ للقضاء لوقف عملها.
وقالت الجبهة في بيانها: "لا فرق على الإطلاق بين أسباب رفض تأسيسية الدستور في تشكيلها الأول والأخير؛ فكلاهما يعبر عن استئثار قوى الإسلام السياسية بصياغة الدستور المصري القادم، وما حدث من تغيير يصب في خانة الشكل لا المضمون، ويعتبر المشاركين فيه مجرد ديكور يمنح الشرعية لدستور تتم كتابته في مكتب المرشد العام للإخوان، بعد اعتماده من مجلس شورى جماعته لا الشعب المصري".
وأضاف البيان: "كما ضمنت جماعات الإسلام السياسي أغلبية في البرلمان بغرفتيه، سعت لضمان فرض إرادتها على تأسيسية الدستور، عبر امتلاكها لأغلبيتها قبل حتى أن تبدأ أعمالها".
وتابع البيان: "إذا كان مجلس الشعب الحالي مطعونًا في شرعيته، وقد يصدر أي حكم بحله، وحال حدوث ذلك فإن ما اتخذه من قرارات وما شرعه من قوانين يظل ساريًا، فيكون الأولى تأجيل تشكيل الجمعية التأسيسية، لحين الفصل في شرعية المجلس وانتخاباته، وليس تأزيم الوضع الحالي بصياغة دستور، تحت وصاية المجلس المطعون في شرعيته".
وأضاف أن: "معايير المشاركة في تأسيسية الدستور تمثل جورًا حقيقيًا على حقوق العمال والفلاحين الذين تقل نسبة تمثيلهم عن النسبة التي حصل عليها حزب واحد مثل "الحرية والعدالة"، وفي ذات الوقت هناك مشاركة لأحزاب تعلم الأغلبية البرلمانية أنها لا تمثل إلا شخوصها وفي المقابل فإن كنائس مصر الثلاث تم تمثيلها بأربعة أشخاص فقط، وهو ما يعطي دلالة لطبيعة المشاركة التي يسعى الإخوان إليها".
وانتقد البيان إقصاء مبدعي مصر؛ أدباء ومثقفين وفنانين عن تشكيل الجمعية، معتبرًا أن هذا الأمر يعبر عن إرادة حقيقية من قوى الإسلام السياسية، لتهميش دور الوعي المصري، وإسكات صوت الأمل فيه، ووأد ضميره الحي وصبغة الوطن بلون واحد، لا يرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صوته".
كان اتحاد الكتاب برئاسة الكاتب محمد سلماوى قد أصدر منذ أيام بيانًا بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، ينتقد خلوها من الأدباء والكتاب الذين هم ضمير الأمة وعقلها المفكر، وذلك بعدما نص التشكيل الأخير الذى توصلت إليه القوى السياسية مع الأغلبية البرلمانية على الاتحادات النوعية والنقابات المهنية التى ستشارك فى اللجنة ولم يكن من بينها اسم اتحاد كتاب مصر.
وعبر البيان عن رفض رئيس الاتحاد ورفض جميع أدباء وكتاب مصر من أعضاء الاتحاد لهذا التشكيل وللدستور الذى سيتمخض عنه، والذى لن يعبر عن توافق مختلف فئات شعب مصر العظيم، وفى مقدمتهم الأدباء والكتاب والمفكرين الذين هم ضمير الأمة وعقلها المفكر، مع احتفاظ الاتحاد بكامل حقوقه القانونية وبحقه فى اللجوء للقضاء لإبطال هذا التشكيل المعيب.
ولفت البيان إلى أن اللجنة التى وضعت دستور 1954، الذى يعتبر أفضل الدساتير فى عصرنا الحديث، كانت مكونة من خمسين شخصًا- وليس مائة- وكان بها ما لا يقل عن عشرة أسماء للأدباء والكتاب والمفكرين من أمثال الدكتور طه حسين والدكتور أحمد لطفى السيد، وعبد الرحمن الرافعى، وعبد الرحمن بدوى، وفكرى أباظة، ومحمود عزمى وغيرهم، وقد كنت أتصور – يواصل سلماوي في بيانه - أن تضم لجنة المائة الجديدة ما لا يقل عن عشرين اسمًا من أكبر عقول مصر المعبرين عن ضمير هذا الشعب وعن أماله فى المستقبل المشرق الذى نتطلع إليه، إن تلك هى مسئولية الأدباء والكتاب، والإصرار على استبعادهم بهذا الشكل يمثل استمرارًا لعوار سابق يبطل شرعية ذلك التشكيل الجديد.