تواجه الحكومة الأردنية الانتقالية برئاسة الدكتور فايز الطراونة - بعد أن نالت ثقة مجلس النواب منذ أيام -أزمات سياسية تتمثل في استكمال منظومة القوانين الناظمة للإصلاح السياسي وتهيئة البلاد لانتخابات برلمانية قبل نهاية العام الجاري وسط رفض لقوى المعارضة والحراك للقوانين التي صدرت حتى الآن . كما تواجه حكومة الطراونة أزمة اقتصادية خانقة ومتفاقة عكسها وزير المالية الأردني سليمان الحافظ بالتحذير من وصول العجز في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الحالية إلى نحو ثلاثة مليارات دولار ووصول مديونية البلاد إلى أكثر من 24 مليار دولار إذا استمرت الظروف الاقتصادية على النحو الذي تشهد البلاد حاليا مما ينذر بصيف ساخن قد تشهده الأردن على ايقاع تظاهرات ومسيرات واعتصامات أسبوعية تطالب بتسريع وتيرة الإصلاح الشامل ومكافحة الفساد ومحاكمة المفسدين.
وباتت حكومة الطراونة رغم عمرها القصير تعمل بين مطرقة الإصلاح السياسي ومطالب المعارضة والحراك الشعبي واتهاماتها بالتباطؤ في مسيرة الإصلاح الشامل بالأردن وبين سندان الأزمة الاقتصادية الخانقة والضغوط على المواطن الأردني الذي أصبح يكتوي بنيرانها خاصة بعد إعلان الحكومة الأردنية أول أمس"السبت" وبعد يومين فقط من حصولها على ثقة مجلس النواب عن رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء وهو ما سيزيد الأعباء على المواطنين المثقلين أصلا بالأعباء الحياتية اليومية.
ورغم أن رد أغلبية أعضاء مجلس النواب الأردني على بيان الحكومة الأردنية كان لاذعا وأشبع حكومة الطراونة نقدا وتحذيرا من رفع الأسعار إلا أنه لم ينعكس على تصويتهم بالثقة في الحكومة حيث منحها المجلس الثقة ب75 عضوا مقابل حجب 31 آخرين للثقة وامتناع أربعة عن التصويت وغياب عشرة أعضاء من أعضاء المجلس المكون من 120 نائبا وهو ما أفقد المجلس نفسه الثقة لدى الشارع الأردني حيث لم تخل تظاهرة أسبوعية من المطالبات بحل المجلس بعد أن فقد دوره من وجهة نظرهم .
ومن المتوقع أن تكون حكومة الدكتور فايز الطراونة هي الأخيرة التي تطلب الثقة من مجلس النواب الحالي ،الذي صوت على الثقة بأربع حكومات خلال عمره القصير الذي لم يتجاوز 18 شهرا، على وقع أزمة سياسية تعيشها البلاد حيث يتوقع أن يحل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني البرلمان بعد إقراره قانون الانتخاب المثير للجدل قبل أن يعلن موعد الانتخابات النيابية المتوقعة قبل نهاية العام الجاري ، وينص الدستور الأردني على استقالة الحكومة التي تحل البرلمان لتحل محلها حكومة جديدة تجري الانتخابات ، وبذلك يسجل الأردن تبديل خمس حكومات خلال أقل من عامين.
ويرى المراقبون أن اتساع ظاهرة العنف المجتمعي إنما يؤكد على عمق الأزمة وفشل السياسات الرسمية في احتوائها في وقت تقف فيه البلاد أمام منعطف تاريخي وقلق أصبح يساور الأردنيين من مستقبل قاتم إن لم يتم تدارك الموقف مبكرا وسط تحذيرات من جانب القوى الوطنية والحراكات من اتخاذ اجراءات انكماشية تسهم بتوسيع دائرة الفقر وزيادة معدلات البطالة، واستمرار حالة الركود الاقتصادي بسبب تآكل الاجور الفعلية وتراجع قيمتها الشرائية.
ولعل رئيس الحكومة الأردنية الدكتور فايز الطراونة كان واضحا في تلخيص الأزمة الاقتصادية التي تمر البلاد بالقول " إننا وصلنا الى السقوف في المديونية الداخلية والخارجية ولا بد من اجراءات سريعة محليا كي نطمئن الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة إلى أننا نقوم بواجبنا في ترتيب أوضاعنا الداخلية ماليا واقتصاديا" وهو مايعكس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردن حاليا مما سيلقي المزيد من الضغوط على الحكومة الانتقالية.
وترى العديد من القوى ومن بينها الجبهة الوطنية للإصلاح أن الأزمة السياسية في الأردن عميقة وعنوانها الرئيسي التراجع عن مشروع الإصلاح الوطني وإغلاق ملفات الفساد وترحيل الأزمات من حكومة الى أخرى بعد تداول اربع حكومات منذ بدء الحراك الشعبي وفشل هذه الحكومات في مواجهة استحقاقات المرحلة ومواجهة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وتحميل أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة أعباء الأزمة.
ويرى الخبراء والمراقبون أن الأزمة الاقتصادية وصلت إلى حالة لا يمكن تجاهلها وتقتضي اجراء معالجة جذرية غير مجتزأة لموضوع العجز المالي وتنطلق اساسا من تحقيق إصلاحات سياسية وسد منابع الفساد ومعاقبة الفاسدين واسترداد أموال الشعب وضمان تحقيق الحماية الاجتماعية للمواطنين وتضييق الفجوة الاجتماعية وإخضاع كافة نفقات الدولة للرقابة والمحاسبة وتحقيق الشفافية لكافة القرارات الإدارية والمالية.
ويجمع سياسيون ومراقبون على أن مهمة الحكومة الأردنية الانتقالية برئاسة الدكتور فايز الطراونة حاسمة جدا للأردن بعد أن تعثر مشروع الإصلاح السياسي في ظل أزمة اقتصادية عاصفة وسط تحذيرات من أزمة خطيرة إذا فشلت مهمة هذه الحكومة.
ولا يخفي الطراونة نفسه أن حكومته غير تقليدية وفق ما صرح به أمام أعضاء مجلس النواب الأردني لكن المعارضة أبدت تشككا في قدرته على الإصلاح خاصة وأن وصفه لديها يتراوح بين "المحافظ" و"المعادي للإصلاح".
ولاشك أن الحكومة الأردنية الانتقالية في مهمة ليسة سهلة خاصة مع عمرها القصير حيث أن المرحلة الراهنة لا تحتمل تأجيل الاستحقاقات في وقت يشهد فيه الأردن زيادة في نشاطات وفعاليات الحراكات الشعبية والشبابية المعارضة التي تنتقد تباطؤ الإصلاح وكذلك ترى في الخطوات التي قُطعت حتى الآن في ملف الإصلاح السياسي غير كافية بل ترى فيها عودة إلى الخلف ومنها مشروع قانون الانتخاب الذي أقرته الحكومة السابقة برئاسة عون الخصاونة وأحالته إلى مجلس الأمة.
ولا تتوقف انتقادات المعارضة الأردنية عند هذا الحد بل تطال الصعيد الاقتصادي بعد إعلان الحكومة منذ يومين عن رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء مما سيؤدي إلى رفع أسعار العديد من السلع والمواد الأساسية والاستهلاكية التي سترهق كاهل المواطن الأردني.
ولعل الشارع الأردني يترقب ثمار حكومته الانتقالية رغم عمرها القصير والذي اعتبر رئيسها فايز الطراونة في بيانه الوزاري الذي ألقاه أمام مجلس النواب الأردني أن أهمية أي حكومة ليست في عمرها الزمني بل في المهمات التي تقوم بها وتنجزها .. فهل تستطيع الحكومة تحقيق الإنجازات المأمولة والتعامل مع التحديات الراهنة ومعالجتها بطريقة تساهم في تحقيق الإصلاح الشامل المنشود في الأردن؟.