نقاد في مناقشة ديوانه : أحمد حسن شاعر بحثنا عنه طويلاً محيط – شيماء عيسى أحمد حسن يقرأ من ديوانه القاهرة : شهدت دار "وعد" للنشر ندوة احتفالا بفوز ديوان "مدينة شرق الوريد" للشاعر المصري أحمد حسن بجائزة البابطين المرموقة للإبداع، وأجمع النقاد أن القصائد تضع صاحبها في مكانة خاصة، مؤكدين أن فوزه مؤخرا أيضاً بالجائزة الأولى لمسابقة "شعراء بلا حدود" كان عن استحقاق، ولكن ذلك يضع على عاتقه مسئولية ما سيكتبه لقرائه فيما بعد. وخلال الندوة رأى الشاعر عماد الغزالي الذي أدار الندوة، أن موهبة أحمد حسن كانت مفاجأة للوسط الثقافي وقد لفت الأنظار إليه بعد الجوائز الكبرى التي حازها ، وقبلها ظل الشاعر في قريته بمحافظة الشرقية سعيدا بالبعد عن الأضواء، لا يسعى للتعريف بكتاباته بل يتركها لتقييم القراء الذين يعرفهم أو الذين يتواصل معهم عبر منتديات الإنترنت. أما الشاعر الفلسطيني محمود النجار رئيس تجمع "شعراء بلا حدود" فأشاد بالشاعر وتنبأ بأن يكون من أبرز الشعراء المصريين في الشعر الدرامي، وقال أن لغته جميلة وصوره ممتدة وبين قصائده وحدة عضوية. وفي كلمته التي لفتت الحضور، قال الناقد الأكاديمي د. حسام عقل أن أحمد حسن من أحسن مفاجآت المشهد الشعري المصري، وقد بحثت عنه طويلا بعد قراءتي لأشعاره ومعرفتي أنه الفائز بالجائزة الإبداعية المرموقة، وقد أثبت لي أنني لم أكن مخطئا حينما قلت في دراستي عن الشعر المصري المعاصر، أن كل زمن له رموزه ، وليس كما قال لي "الحرس القديم" في النقد الأدبي أن جيل المبدعين المجددين تلاشى. جانب من الندوة ورأى "عقل" أن ديوان "مدينة شرق الوريد" ثري وصاحبه ذو نفس طويل؛ فقد كتب ديوانا من 250 صفحة ويحوي 55 قصيدة، وهذا النفس الشعري الملحمي يعد سباحة ضد التيار. في قصيدة "أغنية مصرية" توجد رومانتيكية من طراز خاص؛ فمحبوبة الشاعر التي يبحث عنها مراوغة، ولكن هذه المحبوبة يمكن النظر إليها على أنها مصر التي استولت عليها فئة معينة من أصحاب المال، ويمكن كذلك النظر لها ضمن سياق الرغبة والشوق التي تربط الذات الشعرية بالآخر المحبوب، يقول في مطلع القصيدة : " مَشْغُولَةٌ بِمُرُورِهَا رِيحٌ تُدَلِّكُ خُضْرَةَ الأشْجَارِ مِنْ حَرِّ النَّهَارِ بِأُصْبُعَيْ نَسَمٍ.. تَشِي -لِلْعُشْبِ وَالنَّخْلِ الْفُضُولِيِّيْنِ لَيْلاً- مَا يَدُورُ بِقَرْيَتِي مِنْ وَشْوَشَاتِ النَّاسِ فِي أُذُنِ الْبُيُوتِ الصُّمِّ.. لَيْسَ يَرَاهُمُو إِلا السَّمَاءُ وَعَيْْنُ مِصْبَاحٍ تُعَانِي مِنْ نَحَافَةِ ضَوْئِهِا الْقَرَوِيِّ شَاكِيَةً إلى الْجُدْرَانْ وَأَنَا أُدَلِّكُ وَحْدَةَ الأَوْرَاقِ بِالْكَلِمَاتِ بِالنَّظَرِ الْمُثِيرِ لِدَمْعَةٍ أُخْرَى عَلَى خَدِّ الْحُرُوفِ.. " والناقد يرى أن القصيدة والتي تبدو فيها سمات القرية من نخل وسماء وطين، والقيمة التي تبدو بالقصيدة هي رغبة الشاعر في تحويل الكلام لأياد، أي لفعل، وهو يريد التحرر ، فيقول متابعا في قصيدته : " بِأُصْبُعَيْ حِبْرٍ مُجَرَّحَتَيْنِ مُنْذُ أَرَادَتَا أَنْ تَنْبُشَا بَيْنَ السُّطُورِ فُرَبَّمَا تَجِدَانِ لِي وَجْهِي، وَيَطْلُعُ لِلْكَلامِ يَدَان" فالشاعر هنا محرض على الفعل ، كما أكد الناقد حسام عقل أن الوطنيات التي كتبها أحمد حسن ستتعب من يكتب بعده، فالكتابة الشعرية الوطنية تغري بالمباشرة والخطابة، وهو ما يضعف النصوص كثيرا ،ولكن وطنيات الشاعر نابعة من أمسيات قريته، وصورته الشعرية مشدودة إليها، فهو يرى كما لو أن الكون مختصرا في قريته . فيقول بنفس القصيدة : " وَنَظَمْتِ مِنْ شُهَدَاءِ حُبِّكِ عِقْدَ قَمْحٍ طَارِحٍ فِي صَدْرِكِ الْعَرَبِيِّ نَصْرًا بَعْدَ عُسْرٍ.. حِضْنُكِ الْمِصْرِيُّ نَهْرٌ مِنْ أَمَانِ النُّورِ -يَا بَلَدِي- لِنَسْلِ النُّورِ.. نَارٌ لِلّذِينَ تَلَوَّنَتْ أَرْوَاحُهُمْ بِدَمِ الظَّلامِ وَشَهْوَةِ النِّيرَانْ " ويقول الناقد أن معجم أحمد حسن يحتاج لدراسة فهو يبذل فيه جهدا كبيرا، فهو ينزل للكلمات الدارجة مثل " شوفي، ذوقي ، حسي"، ولكنه يستخدم كذلك كلمات ليست معاصرة بل تراثية مثل كلمة "ضغث" أي الإلتباس، كما أنه يتناص أحيانا مع الشعراء ومع القصص القرآني، فمثلا يقول مخاطباً بلاده مصر التي تخوض مجاعة بسبب جشع الكبار : " يا بِنْتَ يُوسُفَ تَخْرُجِينَ مِنَ الْمَنَامِ رُؤًى تُغَسِّلُ مِنْ دِمَاءِ الذِّئْبِ قُمْصَانَ الشُّعُوبِ.. وَتَمْنَحِينَ نَسِيجَهَا الْمَظْلُومَ حُكْمًا بِالْبَيَاضِ لِمَرَّةٍ أُخْرَى.. وَلَوْ حَبَسُوكِ فِي بِئْرٍ مُعَطَّشَةٍ.. وَبَاعُوا فِي سُجُونٍ مِنْ دُجًى نَفَسَيْنِ مِنْ رِئَتَيْكِ.. وَاغْتَنَمَتْ نَوَاطِيرُ البَلاطِ سَذَاجَةَ السُّلْطَانِ وَاتَّهَمُوا بُكَاءَكِ بالسَّحَابِ الْحُلْوِ وَاعْتَقَلُوا سَنَابِلَكِ الأَخِيرَةَ فَي جُيُوبٍ خُيِّطَتْ مِنْ ضِغْثِ قَانُونِ الْمَصَالِحِ.. " الناقد حسام عقل والشاعر هنا يختلف عن جيله في أنه يركز على الناس وعلى البعد الجماعي، ولا يكتب شعرا يوميا فرديا يركز فيه على ذاته وحدها، وأهم الشعراء العرب عرفوا على نطاق كبير حينما فكروا في البعد الجماعي وليس عن ذواتهم فقط ، فمثلا الشاعر امل دنقل يقول " حدقت في الصخر وفي الينبوع .. رأيت وجهي في سبات الجوع" ، كذلك الحال مع أحمد حسن الذي يتنبأ لمصر بالرجوع لسابق عهدها متناصا مع ما فعله نبي الله يوسف عليه السلام في أعوام الرخاء حينما وزع الخير على الشعب. كما يميل الشاعر أحياناً للشكل العمودي، فمن أمتع قصائد الديوان واحدة بعنوان " تباً يدا قاطف العصفور" والشاعر هنا تخيل نفسه فارسا يريد أن يصل لليلى، وهي في القصر حولها حراس، وطوال الوقت يحاول الوصول إليها عبثا، ولكن لا يمكن أن ننظر لها على أنها المحبوبة فقط؛ فحينما اتهم نزار قباني بالبعد عن المسئولية لأن الدبابات الإسرائيلية كانت بقلب بيروت، وهو يكتب عن فاطمة ، فتاة في باريس، فسألهم ، ومن أدراكم من تكون فاطمة؟ ألا يمكن أن تكون الحرية السليبة والعروبة التي نبحث عنها، كذلك الحال مع أحمد حسن الذي تحدث عن مصر التي سيطر عليها الانفتاحيون ولا تحن لشعبها الفقير، فيقول : لَيْلَى، يَقُولُونَ: "لَيْلَى فِي الْقُصُورِ، ولَنْ تَحِنَّ لِلرِّيفِ فِي صُبْحٍ وَلا غَسَقِ فَكَيْفَ حَالُكُ يَا لَيْلَى، وَقَدْ نَسِيَتْ عَيْنَاكِ طَعْمَ الْقُرَى الْمَتْبُولَ بِالشَّفَقِ؟! تَرَكْتِ طِفْلَكِ فِي أَحْشَاءِ قَرْيَتِهِ يَغْذُوهُ حَبْلُ الثَّرَى السُّرِّيُّ بِالْعَرَقِ وَطِفْلُ "وَرْدٍ" عَلَى لَحْمِ الْحَرِيرِ، وَمِنْ نَهْرَيْكِ فِي فَمِهِ عَطْفُ الْحَلِيبِ نَقِي" ولكن الشاعر بعد طول نداء يخاطب حراس القصر الذين يحولون بينه وبين محبوبته ، فيؤكد لهم أن جده هو الذي أسس القصر ودفن فيه، وكأنه يؤكد أحقية الشعب الأصيلة في الأمجاد والتي اختطفت منهم، فيقول في ختام قصيدته : "والْقَصْرُ عَالٍ، وَصَوْتِي صَدَّهُ حَرَسٌ مِنْ حَوْلِ سُورِكِ مَبْذُورِينَ فِي أُفُقي لَوْ أَنَّهُمْ كَشَفُوا عَنْ جِذْرِ قَصْرِكِ لَمْ يَرَوْا سَوَى قَبْرِ جَدِّي أَخْضَرَ الْعَرَقِ سَاقَاهُ أَطْوَلُ مَا فِي الْقَصْرِ مِنْ عَمَدٍ لَوْلاهُمَا لَمْ يَدُمْ قَصْرٌ.. وَلَمْ يَلِقِ وَصَدْرُهُ السَّقْفُ، فِيهِ نَبْضُهُ نَجَفٌ وَالْقَصْرُ مِنْ ضَوْئِهِ طُولَ العَطَاءِ سُقِي حَتَّى النَّوَافِذ مَا زَالَتْ بِهَا صِفَةٌ مِنْ وَجْهِ جَدِّي خُصُوصًا عِزَّةَ الْحَدَقِ " ويرى عقل أن الشاعر حداثي ايضا في بعض قصائده التي صورت الواقع اليومي المألوف ويفجر منه شعرا، ولفت من جهة أخرى إلى أن قصيدة "موسم الكلام" تحمل رومانتيكية غير مألوفة، فيقول لحبيبته: " أنا الوحيد الذي يحييك من ألمي بإذن ربي، ويشفي نفيك العسرا عملت فلاح أحلام لدى قلمي .. في موسم الحبر نجني الضوء والفكرا غرست طعم عذاب الناس في كلمي وكنت أرويه حبرا فاستوى خضرا" وهو حتى في ذروة استلهام وجده بمحبوبته، لا ينسى الهم الجماعي فيذكر عذاب الناس، ثم يعود الشاعر فيستلهم تراث الشعر العربي الذي يرى العشق ذنب . من قصيدته التي أثنى عليها النقاد "شبابيك صمتي" يقول أحمد حسن : وَتَبْقَي سُطُورِي لِلسُّؤَالِ (لِوَحْدِهِ) شَوَارِعَ؛ مِنْ أَعْصَابِ عَجْزِي مُطَوَّلَهْ بَنَيْتُ عَلَى الأَوْرَاقِ ضَوْءَ عُرُوبَتِي فَأَسْقَطَهُ مِنْ صَرْخَةِ الْقُدْسِ زَلْزَلَهْ وَعَزَّيْتُ نَخْلِي فِي الْعِرَاقِ، وَشَيَّعَتْ صَغِيرِي -لِقَبْرٍ فِي فِلَسْطِينَ- أَرْمَلَهْ وَأَطْعَمْتُ أَحْلامِي سَنَابِلَ كِلْمَتِي عَلَى كَفِّ ليْلٍ كَمْ سَهِرْتُ لأَسْأَلَهْ أَمدُّ ذِرَاعِي، لامِسًا بِمَوَاجِعِي سَمَاءً بِأَحْلامِ الْعِبَادِ مُوَكَّلَهْ شَبَابِيكُ صَمْتِي -يَا حَقِيقَةُ- قُلْنَ لِي بِأنَّكِ -فِي شِعْرِي- عَرُوسٌ مُؤَجَّلَهْ