أكد وزير الخارجية محمد عمرو أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير المجيدة، ستظل ملتزمة بقضايا أمتها العربية ، داعمة لكافة أشقائها العرب، وحاضرة في القلب من كل جهد يحقق المزيد من التضامن العربي وتوحيد المواقف، من أجل وطن عربي مزدهر ومستقر، يحظى بالسلام والاستقرار، ويحقق الطموحات المشروعة لكل شعب عربي. جاء ذلك في كلمة مصر أمام مؤتمر القمة العربي المنعقد حاليا في العاصمة العراقية بغداد ، وأكد الوزير فيها أهمية ما يمثله انعقاد الاجتماع في بغداد من إعلان عن عودة العراق لممارسة دوره الطبيعي في طليعة العمل العربي المشترك ، كما تأتي في ظل تحديات عصيبة يواجهها وطننا العربي على كافة الأصعدة.
وقال "المشهد لم يكن في كل مكان باعثا على نفس القدر من التفاؤل، فالتطورات التي تشهدها سوريا في الأشهر الأخيرة، اتخذت منحى خطيرا، يستوجب معالجة شاملة ومتوازنة لها الوضع السياسي الحرج قبل أن يفوت الأوان".
وأضاف "ومن ناحية أخرى، فإننا نعلم جميعا المنعطف الحرج الذي تمر به أم القضايا العربية ، قضية فلسطين، في ظل تعنت واضح من الحكومة الإسرائيلية يجمد عمليا كل جهد لتحقيق السلام الشامل والعادل، وانقسام بين الأشقاء يعمق من الاختلال الواضح في موازين القوى ، ويعرقل إمكانية التفاوض على سلام شامل من موقع الحق المعزز بقوة الوحدة".
وتابع الوزير: "المرحلة الحالية مليئة بالفرص والتحديات ، وليس مبالغة القول بأن مستقبل العرب في القرن الحادي والعشرين يتوقف على قدرتنا ، مجتمعين ، على بلورة استراتيجيات مشتركة لتعظيم الاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات".
وفيما يلي نص الكلمة "فخامة الرئيس جلال طالباني رئيس العراق الشقيق.. أصحاب الفخامة والسمو والدكتور نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية..الأخوة الحضور.. أود ابتداء أن أهنئكم ، فخامة الرئيس جلال طالباني على توليكم رئاسة القمة العربية الثالثة والعشرين وكلي ثقة في أن العمل العربي المشترك سيشهد دفعة كبيرة في ظل قيادتكم كما أود أن أعرب لكم ، ومن خلالكم للشعب العراقي الشقيق ، عن خالص شكري لحسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي حظينا به منذ وطئت أقدامنا أرض العراق الشقيق .. ولا يفوتني هنا التأكيد على أهمية ما يمثله انعقاد هذا الاجتماع في بغداد، العاصمة العربية العزيزة على قلوبنا جميعا، من إعلان عن عودة العراق لممارسة دوره الطبيعي في طليعة العمل العربي المشترك ، وهو الدور التاريخي الذي قام به العراق الشقيق على مر العصور والذي لا يكتمل عقد التعاون العربي بدونه.
كما يسعدني أن أنقل لفخامتكم تحيات أخيكم سيادة المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لم تسمح ظروفه وارتباطاته بالمشاركة في اجتماعنا اليوم ، وقد حملني رسالة إلى هذه القمة اسمحوا لي أن أقرأ عليكم نصها...... فخامة الأخ الرئيس جلال طالباني رئيس جمهورية العراق الشقيقة أصحاب الفخامة والسمو، معالي الدكتور نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية، السادة الحضور، يسعدني أن أهنيء جمهورية العراق الشقيقة قيادة وحكومة وشعبا على انعقاد القمة العربية في بغداد.
إن انعقاد القمة العربية في هذه العاصمة العربية العريقة التي يمتد تاريخها لعشرات القرون هو في اعتقادي إعلان لا يحتمل اللبس عن عودة العراق لممارسة دوره الهام في العمل العربي المشترك.
وأضاف أنه لا يشك في أن هذه العودة العراقية المحمودة تأتي في وقتها تماما، فليس بخاف عليكم جميعا الظرف الدقيق الذي تنعقد فيه هذه القمة العربية ، في ظل تحديات عصيبة يواجهها وطننا العربي على كافة الأصعدة .. فمن ناحية شهدت عدة دول عربية في مطلع العام الماضي تطورات سريعة باتجاه تحقيق الطموحات المشروعة للشعوب العربية في الحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم.
وكانت مصر من طليعة هذه الدول ، وها هي الآن تستكمل تحولها الديمقراطي ، بعد أن تم انتخاب السلطة التشريعية انتخابا حرا ونزيها ، وبعد أن بدأت خطوات أول انتخابات رئاسية تعددية حقيقية في تاريخ مصر الحديث .. لم يخل الأمر بطبيعة الحال من بعض الصعوبات ، خاصة على الصعيد الاقتصادي ، وهى صعوبات متوقعة في مجتمع يشهد تغيرا عميقا وسريعا ، غير أن قناعتنا بمتانة الأسس التي يقف عليها الاقتصاد المصري ، وإيماننا بقدرات الشعب المصري المبدعة ، التي تجلت بأوضح صورها خلال الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير من العام الماضي ، تجعلنا على يقين لا يتزعزع بقدرتنا على تجاوز أية صعوبات وعلى ثقة بتجاوب الأشقاء والأصدقاء لتبدأ الانطلاقة الكبرى التي تحقق كل غايات ومقاصد ثورة 25 يناير المجيدة.
غير أن المشهد لم يكن في كل مكان باعثا على نفس القدر من التفاؤل ، فالتطورات التي تشهدها سوريا في الأشهر الأخيرة ، اتخذت منحى خطيرا ، يستوجب معالجة شاملة ومتوازنة لها الوضع السياسي الحرج قبل أن يفوت الأوان.
ومن ناحية أخرى ، فإننا نعلم جميعا المنعطف الحرج الذي تمر به أم القضايا العربية ، قضية فلسطين ، في ظل تعنت واضح من الحكومة الإسرائيلية يجمد عمليا كل جهد لتحقيق السلام الشامل والعادل ، وانقسام بين الأشقاء يعمق من الاختلال الواضح في موازين القوى ، ويعرقل إمكانية التفاوض على سلام شامل من موقع الحق المعزز بقوة الوحدة.
المرحلة الحالية مليئة إذن بالفرص والتحديات ، وليس مبالغة القول إن مستقبل العرب في القرن الحادي والعشرين يتوقف على قدرتنا ، مجتمعين ، على بلورة استراتيجيات مشتركة لتعظيم الاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات.
وأضاف "السادة الحضور،، أثق في أنكم ستتفقون معي في أن قدرتنا كعرب على مواجهة تحديات المرحلة تتوقف بشكل كبير على قدرتنا على تطوير آليات العمل العربي المشترك .
ولعلي في هذا السياق، أضع أمامكم رؤية مصر لمبدأين أساسيين لا غنى عنهما لأي جهد عربي جاد لإصلاح وتطوير منظومة العمل العربي المشترك، هما: أولا ضرورة التحرك السريع والمنظم لتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه في إطار منظومة العمل العربي المشترك منذ قمة تونس 2004 والقضية هنا ليست مجرد استحداث آليات جديدة أو مسميات جديدة لأجهزة العمل العربي المشترك .. فالمطلوب هو البناء على الإرث الغني لعملنا العربي المشترك طوال العقود الماضية، مع إدخال عناصر جديدة، وحقيقية، لتطوير أداء جامعة الدول العربية، سواء من حيث المضمون أو الاختصاصات، لتتجاوز قضية "تطوير العمل العربي المشترك" مرحلة الشعار والغاية النبيلة ، لخطوات عملية وملموسة وقابلة للتطبيق.
ثانيا: إن تطوير منظومة العمل العربي المشترك يجب أن ينطلق من مبدأ تعزيز التعاون العربي مع المجتمع الدولي في كافة منظوماته ودوائره الإقليمية المتفرعة والمرتبطة معه.
والخطوة الأولى في هذا الطريق هي بلورة رؤية عربية موحدة تجاه دول جوارنا، وتصور لآليات عملية وواقعية للتعامل معها.
وبطبيعة الحال فإن هذه الرؤية يجب أن تقوم على معايير واضحة وشفافة ومتفق عليها للتعامل مع دول الجوار وتحديد أولويات تحركنا تجاهها.
وقال السادة الحضور، إن اجتماع اليوم يأتي في لحظة فارقة تعيشها سوريا الشقيقة فالمطالب التي ينشدها الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية هي مطالب لاشك في شرعيتها .. إلا أن تطور الأوضاع في سوريا على مدار العام الماضي بدأ يتخذ منحى مؤسفا يستوجب تحركا سريعا لتصحيح المسار والوصول إلى المقاصد المشروعة التي يبتغيها الشعب السوري بدون المزيد من الخسائر.
ولقد بني الموقف المصري منذ بداية الأزمة على ثلاثة ثوابت لم تحد مصر عنها هي أولا: الوقف الفوري وغير المشروط للقتل والعنف ضد المدنيين هو الأولية القصوى، مع الحفاظ على الوحدة والسلامة الإقليمية للدولة السورية، وعلى وحدة الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته.
ثانيا: أن الحل الوحيد المقبول للأزمة هو الحل السياسي، الذي يحقن الدماء، ويجنب الدولة السورية خطر التقسيم أو التدخل الخارجي الذي ترفضه مصر .. وتكون الترجمة العملية لهذا الحل السياسي، عبر حوار شامل في إطار جامعة الدول العربية، يجمع كافة ممثلي أطياف الشعب السوري، للتوافق على رؤية الانتقال إلى نظام ديمقراطي يحقق كل الطموحات المشروعة لهذا الشعب العربي العظيم.
ثالثا: أن المبادرة العربية هي الطريق الأمثل لحل الأزمة، والمطلوب هو دعم هذه المبادرة، وأن يكون كل جهد دولي داعما ومكملا لها لا بديل عنها.
وفي هذا الخصوص، فإن مصر تدعم بشكل كامل تحرك السيد كوفي أنان المبعوث المشترك للسيد أمين عام جامعة الدول العربية والسكرتير العام للأمم المتحدة، وترحب بإعلان الحكومة السورية قبول النقاط الست التي طرحها المبعوث المشترك، وتتطلع إلى التنفيذ السريع والكامل والأمين لهذه النقاط كمقدمة لكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الأزمة السورية منذ أشهر.
وفي نفس الوقت، فإننا نشدد على أهمية أن تتحمل الدول العربية والمجتمع الدولي المسئولية تجاه توفير الحل السلمي على أساس المبادرة العربية، لتحقيق طموحات الشعب السوري الشقيق، وحقن دمائه وحفظ كرامته.
ومن هذا المنطلق فإن مصر تدعو جامعة الدول العربية للتحرك، تنفيذا لقرارات مجلس جامعة الدول العربية، باتجاه توجيه الدعوة، وفي أقرب وقت ممكن ، لمؤتمر جامعة لكل فصائل المعارضة السورية.
فلا معنى لأي حديث عن تغيير سياسي حقيقي في سوريا، ما لم تتوافق المعارضة السورية في الداخل والخارج، على رؤية للمستقبل تكون واضحة الأركان ، وديمقراطية التوجه وجامعة لكل أطياف الشعب السوري بمختلف مكوناته وطوائفه.
السادة الحضور، إن الأحداث المتلاحقة التي يشهدها عالمنا العربي، لا يجب أن تنسينا قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية التي تبقى المعيار الأساسي لبناء السلام العادل في المنطقة والشرط الضروري لتحقيق الاستقرار الذي لا تتحقق تنمية أو نهضة لأمتنا العربية بدونه.
وفي هذا السياق فإن علينا جميعا واجبا مزدوجا، فالمطلوب من ناحية هو التحرك الحثيث لاستعادة وحدة الصف الفلسطيني وتجاوز خلافات الأشقاء التي تمثل ترفا لا نملكه في هذه الظروف الدقيقة، إن مصر ملتزمة التزاما كاملا باستكمال الجهود التي بدأتها لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتنفيذ كافة بنودها بما يوفر الظرف الموضوعي لتحقيق التقدم المطلوب لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يفوتني التأكيد على أهمية التحرك العربي المنظم والقوي مع كافة الأطراف الدولية المعنية لتحقيق السلام العادل والشامل القائم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
كما أنني أثق أيضا في أنكم تتفقون معي في أن تحقيق السلام الشامل في المنطقة والاستقرار الذي يمكن دولنا وشعوبنا من إنجاز المهام التنموية الملحة التي تطمح إليها ، لا يمكن أن يتحقق إلا بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل.
وفي هذا السياق، فإن مصر تتطلع لمشاركة عربية قوية ومثمرة في المؤتمر الخاص بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط والذي سيعقد في أواخر هذا العام.
السادة الحضور،، إن مصر ما بعد ثورة 25 يناير المجيدة ، ستظل ملتزمة بقضايا أمتها العربية ، داعمة لكافة أشقائها العرب ، وحاضره في القلب من كل جهد يحقق المزيد من التضامن العربي وتوحيد المواقف، من أجل وطن عربي مزدهر ومستقر، يحظى بالسلام والاستقرار، ويحقق الطموحات المشروعة لكل شعب عربي.