أبدى عدد كبير من المراقبين تفاؤلا حذرا إزاء القمة المرتقب عقدها بين الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت خلال الأسابيع المقبلة للتوقيع النهائي على التفاهمات التي وقعت بالأحرف الأولى خلال جولة المفاوضات بين الجانبين، التى أختتمت الثلاثاء الماضي في أديس أبابا، لاستكمال المباحثات حول القضايا العالقة وعلى رأسها النفط. وكانت الجولة الثالثة من مفاوضات الجانبين قد بدأت في السادس من مارس واستمرت أسبوعا، بعد الاتفاق على عقد قمة في جوبا بين البشير وسلفاكير ميارديت خلال الأسابيع القادمة، وكانت هذه الجولة مخصصة لمناقشة عدد من القضايا العالقة بين الطرفين مثل الخلاف حول ترسيم الحدود وتقسيم عائدات النفط والنزاع على منطقة أبيي، ونتج عن تلك الجولة توقيع عدد من الاتفاقيات منها اتفاق خاص ببدء عملية ترسيم الحدود وتكوين لجنة مشتركة لتوفير إمكانيات الترسيم إلى منطقة "قوز نبق" بين ولايتي سنار وأعالي في مدى زمني لا يتجاوز "45" يوما، ونجحا في تعريف المناطق المختلف عليها وتحديدها ولكن دون التوصل إلى اتفاق حول آليات لحسم النزاع حولها. ورغم المناخ الإيجابي الذي ساد مفاوضات أديس أبابا إلا أن هذا الفريق من المراقبين رأي أنه لا يجب التعويل كثيرا على قمة البشير وكير - في حال انعقادها- للعديد من الأسباب منها أنه لكي يتم التوصل إلى اتفاقات حاسمة وملزمة بشأن قضايا شديدة الأهمية، مثل النفط وأبيي، ينبغي أن تسود روح من الثقة والتفاهم والمرونة بين الأطراف المعنية وهو الأمر الذي يصعب توافره بين قيادة دولتي السودان وجنوب السودان، فلا يزال كل طرف يقف متربصا للآخر، فالرجلان يقفان على طرفي نقيض، يختلفان في كثير من الأشياء ولكن يتفقان في اعتقاد كل منهما أنه يقف في المكان الصحيح.
كما أن نشوب التوترات الحدودية من حين لآخر بين الجانبين يساهم في تغذية أجواء انعدام الثقة والاضطرابات وينذر بإمكانية العودة إلى خيار الحرب في أي لحظة وانزلاق البلدين إلى نزاع مفتوح. يذكر أن الطرفان توصلا إلى تفاهمات بشأن قضيتى الجنسية والمواطنة ووقعا اتفاقا يسمح لمواطني كل منهما بحرية الحركة والإقامة في أراضي الآخر وذلك بعد شهرين من تهديد السودان بمعاملة مواطني جنوب السودان معاملة الاجانب ابتداء من 8 أبريل، حيث يوجد ما بين 300 و500 ألف من أبناء الجنوب مقيمين في السودان وكانت حكومة الخرطوم أمهلتهم حتى 8 أبريل المقبل لمغادرة أراضيها أو توفيق أوضاعهم.
اتفاقيات للتعاون في السياق ذاته وقعت وزارتا التعليم والبحث العلمي بدولتي السودان وجنوب السودان اتفاقا لدعم التعاون بين الدولتين في مجال التعليم والبحث العلمي، وهو ما اعتبر انفراجة لحل مشكلات طلاب تم استيعابهم في جامعات البلدين قبل انفصال الجنوب، وحسم الارتباك الذي صاحب عملية فك ارتباط الجامعات الجنوبية عن السودان بتسهيل حصول طلابها على شهادات من تلك الجامعات، كما عمل الاتفاق على تعزيز فرص التعاون للحصول على المزيد من المنح الدراسية للجنوبيين في الجامعات والمعاهد العليا بالسودان. أما فيما يتعلق بقضية النفط، التي تمثل دائما حجر عثرة في طريق علاقات الدولتين، فلم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن قيمة الرسوم التي يجب أن تدفعها دولة الجنوب لضخ النفط شمالا عبر الأراضي السودانية، ولكن اتفق الطرفان على استمرار التفاوض حول هذه القضية في وقت آخر وفق منهج جديد يكفل عدم تضرر جميع الأطراف. وكان السودان قد أعلن خلال جولة المفاوضات استعداده لخفض قيمة تلك الرسوم من 36 إلى 32 دولار للبرميل غير أن الجنوب اعتبر ذلك غير كافيا حيث أن المعايير المقترحة تتجاوز المعايير الدولية بأكثر من عشرة أمثالها. وأعلن وفد الجنوب عدم ممانعة بلاده معاودة إنتاج البترول، وتصديره عبر المنشآت النفطية السودانية، بشرط موافقة السودان على توفير "ضمانات كافية" ومشاركة طرف ثالث كضامن لتنفيذ الاتفاق مثل الصين، أو ماليزيا، أو الهند. كما اشترط التوصل لاتفاق تجاري يتضمن رسوم عبور نفط الجنوب وتصديره وفقا للأعراف الدولية في الأوضاع المشابهة، وألا يكون ذلك قائما على الأزمة الاقتصادية السودانية. واعتبر عدد من المراقبين أن ما تم التوصل إليه خلال تلك الجولة من المفاوضات يعد انفراجا جزئيا بالنظر إلى المواقف المتشددة التي كان يتبناها كل طرف من الأطراف المفاوضة من قبل، بينما اتجه فريق آخر-وهو الأغلب - إلى أن استمرار أزمة النفط بين الجانبين دون التوصل إلى حل حاسم سيساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة واستمرار أجواء التوتر بين الطرفين، خاصة في ظل الجهود التي بذلت من قبل جوبا لوقف اعتمادها على الشمال في تصدير النفط وذلك من خلال توقيعها اتفاقا مبدئيا مع كينيا في نهاية يناير الماضي لبناء خط أنابيب نفط يصل الى ميناء لامو المقرر بناؤه على المحيط الهندي. وتوقع هذا الفريق أن يظل النفط يشكل دائما عنصر خصب لتأجيج الصراع هناك نظرا للأهمية الكبيرة التي يحظى بها النفط فهو يشكل 98 في المائة من الدخل القومي بجنوب السودان، كما أنه يشكل موردا اقتصاديا أوليا للسودان الذي تضرر ضررا كبيرا من إيقاف إنتاج النفط الجنوبي الذي أدى بدوره إلى عدم توافر العملة الصعبة، مما فاقم من الأزمة الاقتصادية وأدى إلى تدهور الأحوال المعيشية، وارتفاع حجم التضخم وانخفاض سعر العملة السودانية أمام الدولار. ولا تقتصر أهمية النفط فقط على دولتي السودان بل تشمل أيضا بعض الاطراف الخارجية من أبرزها الصين التي تعد المستثمر الأول في صناعة النفط في السودان حيث لعبت دورا أساسيا في عمليات التنقيب في حقول نفطية أخرى غير حقول الجنوب مثل منطقة دارفور ومنطقة شرق السودان، ومن ثم فهي تعد من أكثر المتضررين من قرار وقف إنتاج النفط الجنوبي. ورغم أن الولاياتالمتحدة تعتمد في وارداتها النفطية بالأساس على كندا والمكسيك، ومنطقة الخليج غير أنها تولي اهتماما خاصا بواردتها النفطية من أفريقيا والسودان حيث أنها تمثل أهمية كبيرة للشركات النفطية الأميركية العاملة هناك. وإضافة إلى قضية النفط المعلقة، فإن هناك العديد من القضايا الخلافية بين دولتي السودان والجنوب، والتي تساهم في تأجيج أجواء التوتر بينهما من أبرزها الاشتباكات الجارية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي تتهم فيها الخرطومجوبا بتوفير الدعم اللوجستي لمتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال هناك الذين يساندون دولة الجنوب، واعتبرت الخرطوم أن هؤلاء المتمردين يخوضون حربا بالوكالة عن دولة الجنوب ويقومون بهجمات على مناطق داخل حدود جمهورية السودان وهو الأمر الذي جعل الرئيس البشير يهدد باستدعاء قوات الدفاع الشعبي، التي حاربت من قبل إلى جانب الجيش السوداني ضد المتردين الجنوبين، لحماية البلاد من أي عدوان جديد. ونظر كثيرون إلى هذه الخطوة على أنها مؤشر خطير على تصاعد حدة الخلاف بين الطرفين حيث أنها عبرت عن وجود استعداد جدي للعودة إلى لغة السلاح بعد اختفاء هذه النبرة لفترات طويلة وهو ما يثير قلقا بالغا من إمكانية عودة الحرب مرة ثانية بين الطرفين.
وهنا رأى زاخ فيرتين، المحلل في منظمة انترناشونال كرازيس غروب، أن "التوترات الحدودية، يضاف إليها الخطابات النارية، تضيق المساحة اللازمة لتقدم المفاوضات حول تقاسم عائدات النفط" مضيفا أن "كل طرف بحاجة إلى الاتفاق على تصدير النفط ولكن كل استفزاز يؤدي إلى التشدد في المواقف علما أن الثقة جد محدودة أصلا". وتتواصل أجواء التوتر بين الطرفين في ظل اتهام الحكومة السودانية لدولة الجنوب بمساعدة الحركات المتمردة في إقليم دارفور، خاصة بعد التحالف الذي عقدته مؤخرا الحركة الشعبية لتحرير السودان مع ثلاث من الحركات المتمردة في دارفور أو ما يسمى "تحالف الجبهة الثورية" لتنسيق الجهود العسكرية. في مقابل ذلك يتهم الجنوب حكومة السودان بأنها المسئولة عن العديد من الهجمات التي يتعرض لها والتي كان آخرها قصف حقل النار النفطي الواقع على بعد حوالي 20 كلم عن الحدود مع الشمال والذي اعتبرته حكومة جوبا بمثابة إشارة تحذير واضحة من الخرطوم.