تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل يواصل كشف الأسرار: مبارك يعتبر الصحفيين "لَبَطْ " ومنع ضباطه من قراءة مقالاتي
نشر في محيط يوم 22 - 01 - 2012

يعرض الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى الحلقة الرابعة من سلسلة كتاباته التى تصدر عن دار الشروق أولى لقاءاته مع الرئيس السابق حسنى مبارك فى منزله، وفيه يتحدث هيكل عن شعوره بهذا اللقاء.

فيقول بحسب ما نقلته صحيفة "الشروق" : " كان اللقاء مع «مبارك» وديا، ولا أستطيع أن أقول حميما، ولم تكن الحميمية متصورة بعد متابعتى له من بعيد، منذ ظهر أمامى فى «الخرطوم» ثم نائبا للرئيس فى ظروف تشابكت فيها العلاقات بينى وبين الرئيس «السادات» ما بين سنة 1974 وسنة 1975، ثم انقطعت فى نفس الظروف التى أصبح هو فيها نائبا للرئيس، ومسئولا عن الأمن والتأمين، ثم رئيسا للدولة فى ظروف عاصفة!!

وصباح يوم موعدنا السبت 5 من ديسمبر وصلت إلى بيته فى الموعد المحدد وعبرت باب البيت من ردهة إلى صالون فى صحبة ضابط برتبة عميد، ولم أنتظر أكثر من دقيقة فى الصالون، حتى دخل «مبارك» مادا يده ومرحّبا بابتسامة طيبة وملامح تعكس حيوية شباب وطاقة!!

وقال على الفور وهو ما زال واقفا: «لابد أنك جائع فأنا أعرف أنك تستيقظ مبكرا».

وقلت: «بصراحة سيادة الرئيس إننى أفطرت فعلا، ولكنى سوف أجلس معك وأنت تتناول إفطارك»، وضحك قائلا: الحقيقة أننى أيضا أكلت شيئا خفيفا، وقلت له: «إذن فلا داعى لإضاعة وقت على مائدة الإفطار، فلدىَّ الكثير أريد أن أسمعه منك»، وأبدى موافقته بعد تكرار سؤاله عما إذا كنت لا أريد أن آكل أى شىء مما جهزوه لنا، وكررت الشكر، وقال: إذن نطلب فنجانين من القهوة ونجلس.

قدم لى الرئيس «حسنى مبارك» دون أن يقصد من ناحية، ودون أن أقصد أيضا مفتاحا لم أتوقعه من مفاتيح شخصيته، ولسوء الحظ فإن ما قدَّمه لى فات علىَّ فى وقته، مع أنه استوقفنى فعلَّقت عليه!!

قلت للرئيس «مبارك» فور أن جلسنا: «إننى فكرت بالأمس أن أطلب مكتبه، راجيا تغيير موعدنا، لأنى قرأت فى الصحف عن مشاورات يجريها لتعديل وزارى أعلن عنه، وقد خطر لى أن موعدى معه اليوم قد يُحدث التباسا وخلطا لا ضرورة له، بين لقاءاته فى إطار التعديل الوزارى، وبين لقاءاته العادية الأخرى وضمنها موعدى معه، وأول الضحايا فى هذا الخلط والالتباس سوف يكون فريق الصحفيين الذين يغطون أخبار رئاسة الجمهورية».

ورد «مبارك» وهو يبتسم بومضة شقاوة فى عينيه: وماذا يضايقك فى ذلك.. «اتركهم يغلطوا!».

ويوضح الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رؤية مبارك للصحافة والصحفيين خلال تبادل أطراف الحديث مع الرئيس السابق، فيقول هيكل.

لم يتضح لى قصده، وسألته، وجاء رده بما لم أفهمه فى البداية حين قال (يقصد الصحفيين): دول عالم «لَبَطْ»، وأبديت أننى لم أفهم المعنى، واستنكر بُطء فهمى فقال: «لا تعرف معنى «لَبَطْ» هل أنت «خواجة»؟!، وأكدت له أننى أبعد ما أكون، وراح يشرح معنى «لَبَطْ»، ثم واصل شرحه: «اتركهم يغلطوا» حتى يتأكد الناس أنهم لا يعرفون شيئا».

ومرة ثانية لم يتضح لى قصده، ومرة ثانية سألته، ورد، وعلى شفتيه ما بدا لى «ابتسامة من نوع ما»: «إن الصحفيين يدَّعون أنهم يعرفون كل شىء، وأنهم «فالحين قوى»، والأفضل أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم، وأنهم «هجاصين» لا يعرفون شيئا».

قلت: ولكن سيادة الرئيس هذه صحافتك، أقصد «صحافة البلد»، ومن المفيد أن تحتفظ لها بمصداقيتها، ولا بأس هنا من جهد لإبقاء الصحفيين على صلة بالأخبار ومصادرها.

ورد بقوله: «الدكتور «فؤاد» (يقصد رئيس وزارته وقتها «فؤاد محيى الدين») يقابل الصحفيين باستمرار، ويطلعهم على الحقائق، لكن بلا فائدة، هم «يخبطوا على مزاجهم» ولا يسألون أحدا!».

وقلت: «إنه ليس هناك صحفى يحترم نفسه تصل إليه أخبار حقيقية ويتردد فى نشرها».
وظل على رأيه: «المسألة أنهم لا ينشرون، إما أن لهم مصالح خاصة، وإما أنهم لا يفهمون».

وأحس أننى لم أقتنع، وتفضَّل بما ظن أنه مجاملة قائلا:«محمد بيه» أنت تقيس الصحفيين الحاليين بتجربة زمن مضى، ليس هناك صحفى الآن له علاقة خاصة بالرئيس (وكانت الإشارة واضحة)، وقلت إن «جمال عبدالناصر» كان متصلا بكثيرين من الصحفيين، ثم إن هذا لا يمنع قيام صداقة مع أحدهم بالذات، ولكن المهم أن يكون أصبع رئيس الدولة على نبض الرأى العام طول الوقت».

وانتقل والدهشة عندى تزيد قائلا:«على فكرة نحن كنا نتصور أنك تجلس على حِجْر الرئيس الرئيس «جمال»، لكنه ظهر أن الرئيس «جمال» كان هو الذى يجلس على حِجْرك، واستطرد: لم أكن أعرف أن العلاقة بينكما إلى هذا الحد حتى شرحها لى (أشار إلى اسم الأستاذ «أنيس منصور)»!!

ويشير هيكل إلى دهشته من حديث الرئيس السابق حول العلاقة بين الكاتب الكبير والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فيستطرد هيكل، قائلاً:

استهولت ما سمعت، وبان ذلك على ملامحى، وربما فى نبرة صوتى حين قلت له:«سيادة الرئيس أرجوك لا تكرر مثل هذا الكلام أمام أحد، ولا حتى أمام نفسك، أولا لأنه ليس صحيحا، وثانيا لأنه يسىء إلى رجل كان وسوف يظل فى اعتقادى واعتقاد كثيرين فى مصر وفى الإقليم وفى العالم قائدا ورمزا لمرحلة «مهمة» فى التاريخ العربى».

أضفت: «فيما يتعلق بى فقد كان يمكن أن يرضى أوهامى أننى كنت «كل شىء» وقت «جمال عبد الناصر»، ولكن ذلك غير صحيح، لأن «جمال عبد الناصر» كان هو «جمال عبد الناصر»، وقد أسعدنى ولا يزال أننى كنت صديقا له وقريبا منه ومتابعا لدوره وهو يصنع للأمة كلها تاريخا يمثل على الأقل لحظة عز وقوة لها فى عالمها وعصرها، وأنا أقول ذلك بعيون مفتوحة، مدركا أن تجربة «عبد الناصر» كانت إنسانية قابلة للخطأ أحيانا كما للصواب، كما أنها ليست أسطورية معصومة بالقداسة، لأن ذلك غير إنسانى، وهذه هى الحقيقة»!.

وقاطعنى: «أنا أعرف كم كان الرئيس «جمال» شخصية عظيمة، وما قلته لك كان كلام (أعاد الإشارة إلى اسم «أنيس منصور»!)، وهو لم يقله لى فقط، وإنما نشره أيضا، أما أنا فلم أقل من عندى إلا ما قلته أنت فى وصف علاقتك به، من أنك كنت صديقا له وقريبا منه هذا ما قصدته، وقصدت أنك كنت تعرف كل شىء، بينما الصحفيون الآن لا يعرفون».

وقلت: «إن علاقته هو (أى «مبارك») بالصحفيين فى عهده اختياره، وله أن يوصفها كما يرى، لكنى أتمنى لو استطاع أن يسهِّل على الصحافة أن تعرف أكثر، لأن تلك مصلحة الجميع، وأولهم هو شخصيا».

وظل على رأيه لم يغيره، وأكثر من ذلك فإن رده علىَّ كان بقوله: «أنه إذا عرف الصحفيون أكثر، فسوف يتلاعبون به».

وقلت فى شبه احتجاج: «سيادة الرئيس أنت تسىء الظن بإعلامك، وأنا أعرف بعضا من شيوخ المهنة وشبابها، وأثق أنهم لن يتلاعبوا فى أخبار، فضلا عن أسرار».

وشرحت لمحات عن مهنة الصحافة فى مصر وتاريخها ورجالها، ومع أنى أسهبت إلى حد ما فى الحديث عن تاريخ الصحافة المصرية، فقد أحسست أنه يتابع، وكانت له عدة أسئلة واستفسارات عن الأشخاص وعن الوقائع.

ثم آثرت أن أنتقل من هذا الموضوع إلى غيره مما يعنينى فى أول لقاء مع رئيس الدولة الجديد فى مصر، وفى ظروف عاصفة يندر أن يكون لها مثيل هبت على مصر نارا ودما!!

ويوضح هيكل، أن الحوار انتقل بينه وبين الرئيس مبارك إلى مرحلة تبادل الأدوار.. بمعنى أدق أن الكاتب الكبير طلب الاستماع إلى مبارك، إلا أن الرئيس السابق طلب أن يستمع هو إلى هيكل فى هذه المرة، باعتبار أن الرئيس السابق مازال فى مرحلة استكشاف.. فيقول هيكل.

وكذلك عُدت بالحديث إلى مدخله الطبيعى، فقلت للرئيس: إننى متشوق إلى سماعه.
ورد قائلاً: ولكن أنا أريد أن أسمعك هذه المرة وأن أسألك، وفى المرة القادمة أنت تسألنى أضاف بتواضع أنه يعتبر نفسه هذه الفترة فى «مهمة استكشاف»، يتعرف فيها على «الجو» الذى يتعين عليه العمل فيه!».

وأضاف: «أنا طلبت منك أن تتكلم يوم جئت إلى قصر «العروبة» بعد الإفراج عنكم، ولكنك لم تتكلم». وقلت: «إننى اعتذرت لأن اتفاقنا قبل المجىء إلى عنده كان أن يتكلم واحد منا بالنيابة عنا جميعا، وقد اخترنا «فؤاد سراج الدين» لأنه أكبرنا سنا، وأسبقنا جميعا إلى ممارسة العمل السياسى».

وقاطعنى بسؤال: هل عرفت «سراج الدين» وأنتم فى «طرة»؟!! وقلت: إننى أعرفه من قبل ثورة 1952، وحين كان سكرتيرا عاما لحزب الوفد ووزيرا للداخلية، وقتها (فى أواخر العشرينيات من عمرى) كنت رئيسا لتحرير «آخر ساعة»، ومديرا لتحرير «أخبار اليوم»، وعلى علاقة بمعظم الساسة فى مصر، وكان «فؤاد سراج الدين» من أبرزهم، ولم تتغير علاقتى به أو بهم، بل توثقت مع مرور الأيام، وحتى بعد ثورة يوليو.

وقاطعنى «مبارك» بسؤال: هل كان الرئيس «عبد الناصر» يعرف ذلك ويقبل به؟!! قلت له: «جمال عبد الناصر» كان يحب «مصطفى النحاس» مثلا (رئيس الوفد) ويحترمه، وكان يرى مزايا كثيرة ل«فؤاد سراج الدين»، ويعتبره سياسيا ذكيا مجربا، حتى وإن اختلف معه».

وتوقف «مبارك» للحظة مترددا ثم سأل: ولكن ألم يحدث أن الرئيس «جمال» اعتقل «النحاس» (باشا)؟!!

وقلت: بالمعنى الحقيقى لم يعتقله، وإنما أصدر قرارا بتحديد إقامته فى بيته، وكان ذلك سنة 1955، وفى الظروف الخطرة على الطريق إلى حرب السويس، وكانت المعلومات وقتها أن الإنجليز يبحثون عن حكومة بديلة لنظام 23 يوليو، وخشى «جمال عبد الناصر» أن يقوم أحد بتوريط «النحاس» (باشا) فى حديث عن حكومة بديلة، خصوصا وأن المعلومات وقتها كانت أن المخابرات البريطانية M.I.6 تقترح إما «النحاس» (باشا)، وإما اللواء «محمد نجيب» لرئاسة حكومة يستطيعون الاتفاق معها، وأظنه أراد حماية «النحاس» (باشا) أكثر مما أراد الإساءة إليه، وأنا أعرف أن الأسلوب غريب فلا أحد يستطيع حماية رجل يحرص عليه بتحديد إقامته فى بيته، لكن «جمال عبد الناصر» وفى الكلام معى أشار إلى هؤلاء الذين ورطوا «النحاس» (باشا) فى حادثة 4 فبراير 1942)، وأتذكر أننى وقتها استأذنته أن أذهب قبل تطبيق القرار بتحديد إقامة «النحاس» (باشا) وأشرح له دواعيه، وأن «عبد الناصر» وافق، وذهبت إلى مقابلة «النحاس» (باشا) بالفعل.. وكنت وما زلت حتى الآن على خلاف مع الأسلوب، رغم تفهمى لدوافعه».

وقاطعنى «مبارك»: تريد أن تقول إن الرئيس «عبد الناصر» كان يحب «النحاس»؟!!
واستطرد: «لا مؤاخذة الرئيس «أنور» قال لى إن «عبد الناصر» لم يكن يحب أحدا».

وابتسمت وقلت: هذا رأى الرئيس «السادات» – بأثر رجعى كما يبدو لى، لأنه هو من وصفه فى كتاب بأكمله ب «القلب الكبير الذى يتسع لحب كل الناس وللإنسانية كافة».
وقاطعنى: «محمد» بيه أنا أحببت الرئيس «جمال» لا تنسى أننى أسميت أحد أبنائى على اسمه».

وقلت: وكذلك فعل الرئيس «السادات».

وسألنى: هل أسميت أحدا من أبنائك باسم الرئيس «جمال»؟!!
وأجبت بالنفى، بل اخترت لأبنائى أسماء عربية تقليدية وسهلة: «على» و«أحمد» و«حسن».

وسألنى الرئيس «مبارك»: «حيرتنى علاقة الرئيسين «أنور» و«جمال» لماذا اختلفا معا أنت كنت شاهدا على العلاقات بينهما، وكنت قريبا من الاثنين، حتى وقعت الواقعة بينك وبين الرئيس «أنور».

ويستطرد هيكل الى العلاقة بينه وبين الرئيسين جمال عبد الناصر والسادات، ومدى معرفته بهما باعتباره أنه كان شاهداً عن قرب، فيوضح هيكل .

قائلاً: «فى علاقتى بالاثنين لم أعرف عن خلاف بينهما، ولم يكن هناك لا موضوع للخلاف ولا مجال لوقوعه، ف«أنور السادات» كان دائما وراء «جمال عبد الناصر»، مناصرا، متحمسا، وبعد رحيله 1970، وحتى بعد حرب أكتوبر 1973، وحين اختلفت معه وابتعدت فإن علاقته ب«عبد الناصر» كانت كما عهدتها، ثم بدأت بعد سنة 1974 أسمع من بعيد بالتلميح أولا وبالتصريح ثانيا عن خلاف كان، وعن مواقف وقع فيها هذا الخلاف «المزعوم» واستفحل، وفى البداية بدا لى ذلك غير مفهوم، أو حتى غير منطقى!!». وتداعى هنا حديث حول العلاقات بين الرئيسين السابقين.

وانتقل الرئيس «مبارك» من هنا إلى خلافى شخصيا مع الرئيس «أنور»، وقال: كثيرا ما أستغربت، فأنا أعرف أنك وقفت معه «جامد» فى أول ولايته، ثم وقفت معه «أجمد» فى معركة مراكز القوى مايو وكنا جميعا نعرف أنك موضع ثقته، وقد رأيت ذلك بنفسى فى القيادة أثناء الحرب وأضاف: «أنه عرف أننى كاتب التوجه الإستراتيچى الذى صدر للمشير «أحمد إسماعيل» بتحديد أهداف حرب أكتوبر، وهذا فى رأيه «قمة الثقة»، ولهذا فاجأه خلافى مع الرئيس حول فك الارتباط، لكنه لم يقرأ ما كتبت عنه هو يعرف أن الخلاف وقع، لكنه لا يعرف لماذا؟!

ويكشف هيكل عن أن مبارك لم يقرا مقالات الكاتب الكبير، بل وصل به الأمر إلى أنه كان يمنع ضباط الطيران من قراءتها، فيكتب هيكل..

ثم استدرك ضاحكا:

«لا تزعل يا «محمد» بيه، إذا قلت لك إننى لم أكن أقرأ مقالاتك رغم «أننى أسمع أن كثيرين يقرأونها»، ولا أخفى عليك أننى كنت أمنع ضباط (الطيران) من قراءتها».

وقلت بعفوية: «ياه... لعل السبب خير».

قال: «ما كان يحدث أن مقالك «بصراحة» يُنشر فى «الأهرام» يوم الجمعة، ثم يجىء الضباط يوم السبت وقد قرأوه، وكلهم متحفزون لمناقشته، وكثيرا ما كانوا «يتخانقون»، وأنا لا أريد فى السلاح «خناقات» ولا سياسة!!».

أضاف: «أما عنى أنا، فقد كنت لا أقرأ مقالاتك لأنى عندما حاولت لم أفهم ماذا تريد أن تقول فى نهاية المقال».

بصراحة (على رأيك أضافها وهو مازال يبتسم «مقالك دائما ينتهى دون أن «نرسى على بر» ولا نعرف بعده نتيجة CONCLUSION، قالها بالإنجليزية).

وقلت: «سيادة الرئيس هناك مدرسة فى الكتابة لا ترى أن الCONCLUSION واجب الكاتب، وإنما واجبه: معلومات صحيحة، واجتهادات فى التحليل واسعة، واختيارات فى المسالك المتاحة للحل مفتوحة، ثم يكون للقارئ أن يختار ما يقنعه، بمعنى أننى لا أريد أن يكون ما أكتبه «مقفولا» على نتائج CONCLUSION «تعلِّبه»، وإنما أفضل أن أترك للقارئ حريته بمعنى أن تبدأ علاقته بالمقال بعد أن ينتهى من قراءته، وليس حين يهم بقراءته، لأن هدفى تحريضه على التفكير وهو يقرأ، ورجائى أن يصل بتفكيره إلى حيث يقتنع. وقال: «يا عم» ما الفائدة إذن أن يقرأ الناس «لكاتب كبير»؟! لابد أن «يرسيهم على بر». وقلت: أنا أريد للقارئ أن يرسو على «بره هو»، وليس على «برى أنا»، وعلق بابتسامة مرة أخرى قائلا: «يعنى عاوز تدوخ الناس يا أخى، قل لهم وريحهم»..

واختصرت قائلا: «على أية حال فهناك مدارس متعددة فى الكتابة!!».

ويشير الكاتب الكبير إلى أن مبارك عاد مرة أخرى ليسأله عن علاقته بالرئيس السادات، وأعراضه على بعض سياسات الرئيس الراحل، موضحًا أنه عرض ذلك فى أكثر من عشر مقالات ضايقت السادات، فيقول هيكل.

وعاد «مبارك» إلى سؤاله عن العلاقات بين الرئيس «السادات» وبينى فقال:

«الغريب جدا أننى أحسست أن علاقته بك كانت LOVE - HATE COMPLEX، قالها أيضا بالإنجليزية (عقدة محبة وكراهية فى نفس الوقت).

هو بالحق كان يتحدث كثيرا عنك بالتقدير، لكنه يأخذ عليك أنك تريد أن تفرض عليه رأيك».

قلت مستغربا: «سيادة الرئيس كيف يمكن لصحفى أن يفرض رأيه على رئيس الدولة؟!!».

رئيس الدولة عنده السلطة كلها وأدواتها تحت يده فكيف أستطيع أنا أو غيرى من الكُتَّاب والصحفيين أن نفرض شيئا عليه؟! ربما يفرض عليه قائد جيش لديه سلاح، أو رئيس حزب لديه تنظيم، أو وزير داخلية عنده بوليس، أما الصحفى فلا يملك غير عرض وجهة نظره ولا أكثر، وهو يضعها أمام الرأى العام إما أن يأخذ بها أحد أو يعرض عنها، فتلك مسألة أخرى خارج قدرة أى صحفى!!

ثم قلت: العكس هو الصحيح فيما أظن، فرئيس الدولة هو فى العادة من يريد فرض رأيه على الصحفى، وهنا المشكلة!!

أضفت بوضوح يجعل موقفى واضحا أمامه: «وفيما يتعلق بموقفى مع الرئيس «السادات»، فإننى لم أقتنع بما اتخذ من سياسات أثناء أكتوبر وبعدها عندما جاء «هنرى كيسنجر» وأقنع «السادات» وتصرف الرئيس على أساس أن الولايات المتحدة تملك 99% من أوراق حل أزمة الشرق الأوسط، وأن «هنرى كيسنجر» هو من يمسك بالقرار السياسى الأمريكى وكان لى رأى مختلف، وقد تمسكت به وفى ذهنى أن الرئيس الأمريكى بنفسه أو بوزير خارجيته غير قادر على الفعل لأسباب كثيرة، حتى لو أراد، وفى الأوضاع الحالية فإن الإدارة الأمريكية فى شلل بسبب ورطة الرئيس فى فضيحة «ووترچيت».

واستطردت: «ومن جانبى فلم أستطع غير التحفظ على هذه السياسة الجديدة، وقد عبَّرت عن أفكارى فى أكثر من عشر مقالات ضايقت الرئيس «السادات»، واعتبر أننى بكتابتها أعرقل توجهاته، ومن هنا كان ضيقه.

وفى هذا الموضع من الحديث قلت للرئيس إن ذلك الخلاف قصة طويلة، ولا أريد أن أضيع وقته فيها، لكنه طلب أن يسمع، واستدعى أحد سكرتيريه وأمره بتأجيل موعد كان لديه فى الساعة العاشرة والنصف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.