يحتفل الجزائريون اليوم الأحد بعيد الفطر عبر مختلف ولايات البلاد ال48 لإظهار فرحتهم بإتمام الصيام وتأكيد تمسكهم الدائم بالعادات والتقاليد الأصيلة التي تميز ربوع وطنهم في مثل هذه المناسبات. وتتشابه عادات وتقاليد الاحتفال بعيد الفطر المبارك بين مختلف مناطق الجزائر التي تزيد مساحتها على المليوني كلم مربع مع الاختلاف في بعض التفاصيل تبعا لخصوصية كل منطقة لكن رياح التكنولوجيا أيضا غيرت الكثير من العادات والتقاليد بسبب الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة "فيس بوك" الذي حرم العائلات من دفء تهاني العيد بصورة حية. "العيد في العاصمة بين الحنين إلى الماضي وإغراءات العصر" تمد بصرها الشاخص إلى السماء من شرفة أعلى "عمارة" في حي القصبة العتيق بالعاصمة الجزائر ...تتجول بعينيها الغائرتين بين أحيائه وأزقته وكأنها تبحث عن شيء ما هارب، تحاول على أنغام الأغنية الشعبية الجزائرية التي لا يحلو العيد إلا بها "ما زينو نهار اليوم.. صح عيدكم" أن تسترجع ذكريات العيد أيام زمان وفي صوتها غصة حنين لما مضى من الزمن وهي تقول بلكنة عاصمية حرة: "إيه يا وليدي وين رآهم أيامات زمان لي كنا نشموا فيهم حلوة العيد في كل دار.. وين رآهم اللمات"..بهذه الكلمات استقبلتنا المواطنة الجزائرية "خداوج" التي تجاوزت عقدها الثامن بقليل وهي تتحدث عن عيد الفطر في الجزائر بين الماضي والحاضر. كل شيء تغير عند "خداوج" التي طارت بنا إلى الماضي الجميل عبر حكايات شيقة عن عادات وتقاليد حي القصبة العتيق الذي تفوح كل أرجائه بعبق التاريخ، بعيون تترقرق بالدموع حينا وتشع بالفخر حينا آخر. تقول الحاجة "خداوج" أيام زمان كنا نبدأ التحضير لعيد الفطر مع بداية العشر الأواخر لشهر رمضان وكلنا فرح وبهجة وغبطة، خاصة عند تحضير حلويات العيد التي تعد أحلى وأهم هذه المحطات، كل ربة بيت تحضر أشهى وأطيب الأنواع من "المقروط المعسل إلى الصامصة المعسلة إلى التشاراك العريان إلى الغريبية إلى البقلاوة إلى مختلف الحلويات الجافة"، حسب إمكانيات كل عائلة فالجميع يحضر حلويات العيد الغني وحتى الفقير، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان نكون قد أنهينا إعداد الحلويات وتهيئتها في العلب الخاصة بها لتوزيعها على الجيران لاحقا يوم العيد. ويمنح الزوج زوجته ما يسميه الجزائريون ب"ملح اليد" وهو مبلغ مالي يختلف من رجل إلى آخر ويتراوح بين 5 آلاف دينار جزائريا إلى 20 ألفا، كما للأطفال أيضا النقود لتبدأ بعدها الزيارات بين العائلات والجيران على أن تخصص الزيارة في المساء إلى بيت العائلة الكبيرة. وتتوقف بعدها "خداوج" للحظات مردفة بالقول "أما اليوم فكل شيء تغير، النساء لم يعدن كما في السابق أصبحن يقتنين حلوى العيد جاهزة ويطلبنها من المحلات عوض طهيها في البيوت"، "غابت جماعات النسوة وهن على مائدة واحدة لصنع حلوة الطابع والغريبية والتشاراك"، مؤكدة أن الكثير من الحلويات التقليدية المعروفة غابت واندثرت وحلت مكانها أنواع جديدة جاءت بها قنوات الطبخ ونتج عن كل هذا أن صلة الرحم تحتضر ولم يعد الأهل يتزاورون حتى في العيد. "(باش جراح) عادات وتقاليد تصارع من أجل البقاء" ببلدية أخرى من بلديات شرق العاصمة وبالضبط "بباش جراح" تبدو الأمور أحسن بالمدينة التي تصارع الزمن للحفاظ على هذه العادات والتقاليد من الاندثار حتى وإن كان بدرجة اقل مما كانت عليه قبلا، فالعائلات كما تقول الحاجة "باية"ما زالت حريصة على تحضير الحلويات التقليدية والشورى الجديدة والحنة الدائرية الشكل للنساء وفي أصبع الشاهد للرجال والجميل أن كثيرا من العائلات خاصة العريقة يفضلون ارتداء الملابس التقليدية والاستماع لأغنية "مازينو نهار اليوم صح عيدكم" التي تبث على أمواج الإذاعة والتليفزيون. وتضيف قائلة "الجميل أيضا أن أهل الحي يقومون بوضع طاولة في الحي تزين بمختلف الحلويات التي تساهم بها كل عائلة في الحي حتى يأكل منها المارون وعابرو السبيل أيضا بعد تعب رمضان وإعداد أشهى الأطباق في شهر رمضان ويتم مكافأة المرأة بالمال الذي يهديه له زوجها حتى تتزين يوم العيد وتظهر بطلة أخرى فالزوج لا يكتفي بشراء ملابس العيد لها ولأطفاله فقط بل يهديها مبلغا محترما من النقود..فالعيد مناسبة سعيدة جدا للفتاة المخطوبة التي يزورها أهل زوجها محملين بكسوة العيد والحلويات ومواد التجميل وتعرف محليا ب "المهيبة". (حي باب الواد ..عندما يتكلم التاريخ) ويقول المواطن الجزائري السعيد بركة القاطن بحي باب الواد إن "العيد الصغير للتفرقة بينه وبين عيد الأضحى للعاصميين له طريقة خاصة في الاحتفال به فالتحضيرات له تنطبق مع العشر الأواخر لشهر رمضان إذ تعج الأسواق في مثل هذه الأيام بمختف السلع والمنتجات". ويضيف أن للعاصميين قصة عشق مع الحلويات التي توارثوها عن الأجداد منذ الدولة العثمانية وعبر الزمن وأضافوا عليها لمستهم الخاصة لتصبح علامة جزائرية بامتياز فمن "البقلاوة إلى القنيدلات ومن التشاراك إلى المقروط تتنوع أذواق الحلويات المحضرة". (منطقة القبائل .. عادات لا تموت) وبمنطقة القبائل...تقول الإعلامية حسيبة بلجنات إن العائلات التي ولد لها مولود خلال هذا العام ترسل إلى عائلات القرية زيادة على أطباق الحلوى ما يعرف ب"طعام المزيود"، وتحرص العائلات عند رد الصحن لأهل المولود الجديد على ملئه بالحلوى، كما يتم إرسال قصعة من الطين أو الخشب والمليئة بالكسكسى إلى مسجد الحي أو القرية، أيضا زيارة المقبرة من الحتميات حيث تذهب النسوة أسرابا محملين بالحلوى والبيض للتصدق بها، وما زالت المنطقة محافظة على عاداتها حتى اليوم . وفي حديثها عن الأمور التي تغيرت بين عيد الأمس واليوم ، تضيف "الصحفية بجريدة وقت الجزائر" قائلة إن أطفال القرية أولادا وبناتا كانوا يذهبون إلى وديان وغابات القرى يوما واحدا قبل العيد لجلب الريحان حتى تزين به النساء المقابر. (قسنطينة.. عاصمة الحلويات التقليدية بامتياز) من الشرق تطل علينا مدينة الجسور المعلقة، قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري ولؤلوة الجزائر التي تباهي بحضارتها وبحلوياتها التقليدية التي لا يعلى عليها، والتي يتفنن النساء في تحضيرها بما لذ وطاب من الجوز واللوز ومختلف المكسرات، الحلويات التقليدية تعتبر في قسنطينة فرضا واجبا على كل العائلات القسنطينية الغنية منها والفقيرة. وتقول سيدة المطبخ القسنطيني عفيفة شراونة إن القسنطينيين الأحرار مازالوا متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم أبا عن الجد والمرأة هنا لا تقتني الحلويات الجاهزة إلا نادرا جدا، كما أن العائلات الفقيرة تقتطع من مصروفها طول أيام العام لتوفير مصروف حلويات العيد ويبدأ التوفير لأشهر قبل العيد. وأضافت أنه عكس ما يعتقده الكثيرون من أن "جوزية اللوز" أحد أهم حلويات العيد فإن هذا النوع من الحلويات يغيب كلية عن أطباق العائلات القسنطينية في العيد لأنه خاص بشهر رمضان فقط كما أن المرأة لا تستغني أبدا عن الأواني النحاسية التي تنظف كما ينظف البيت على الكامل ويعاد صبغه. وأكدت أن العادات والتقاليد لا تختلف كثيرا عن باقي عادات الوطن ولم تتغير كثيرا فاستثناء صلة الرحم التي تلاشت مع الأجهزة التكنولوجية مازالت المرأة تحافظ على ملابسها التقليدية. (فرحة العيد في الجزائر تنغصها الظروف الاقتصادية الصعبة) وتستيقظ الجزائر،التي كانت تلقب بالعاصمة النائمة على مدار السنوات الماضية،في ليالي العيد ويومي عيد الفطر المبارك وتسهر حتى الساعات الأولى من الصباح، حيث تنتعش التجارة في ثلاثة أسواق، كما يؤكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج طاهر بلنوار. ويقول بلنوار - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن أولى هذه الأسواق سوق مواد تحضير الحلويات وأيضا محلات بيع الحلويات الجاهزة خاصة التقليدية منها، حيث عرفت الأسعار هذا العام زيادات وصلت إلى 20 دينارا جزائريا في بعض المواد وبالمقابل انخفاض الأسعار في بعض المواد، كما هو عليه الأمر بالنسبة لمادة البيض التي تعد أساسية في تحضير الحلويات، وتعج عشية العيد محلات بيع الحلويات بالمشترين خاصة وأن أغلب العائلات أصبحت تحبذ اقتناءها جاهزة كون المرأة عاملة ليس لديها متسع من الوقت وأيضا بسبب التكاليف الكبيرة. ويضيف أن ثاني الأسواق هي سوق الملابس خاصة الموجهة للأطفال، والتي تشهد زيادة كبيرة في الأسعار كون ما يقارب 80 بالمائة من هذه البضائع مستوردا من الصين وتركيا لأن الإنتاج الوطني لا يغطي إلا 20 بالمائة وأن الكثيرين يشتكون من قلة جودته، مؤكدا أنه مقارنة بالسنوات الماضية فالتجارة ليست مزدهرة بما يكفي بفعل الأزمة الاقتصادية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وانهيار قيمة الدينار، حيث تفضل الكثير من العائلات اقتناء ملبس واحد للعيد وأيضا للدخول المدرسي المقبل شهر سبتمبر القادم. وأوضح أن التجار في السنوات الماضية كانوا يبيعون كل مخزونهم من السلع مع العيد لكن حاليا لا تتجاوز المبيعات في أحسن الأحوال 40 بالمائة فيما يشكل سوق الألعاب بمختلف أنواعها والتي تغزو المحلات وتنتشر عبر مختلف الشوارع والأحياء ثالث هذه الأسواق.