رغم الأحداث الجسام التي تمر بها البلاد العزيزة وحجم عمق المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها مصر من الحلف الصهيوني الأمريكي الذي يقاتل في معركة حياة أو موت من أجل إبقاء مصر أسيرة للنفوذ الصهيوني الأمريكي على غرار ما فعلة المخلوع حسنى مبارك إلا أن كل ذلك لم ولن يمنعني من الوقوف أمام ذكرى وطنية عزيزة على نفس كل مواطن أبى وهى ذكرى عيد النصر المجيد في 23 ديسمبر 1956. وهي ذكرى تم تجاهلها على مدار 40 عاما بلا سبب أو مبرر سوى الرغبة في نسيان وتجاهل أول انتصار تحققه مصر ومعها شعوب العالم الثالث ضد الاستعمار الغربي، ذلك لأنه انتصار غير مجرى التاريخ، ولأنه أنهى إمبراطوريتين استعماريتين وهما بريطانيا وفرنسا، وفتح الطريق أمام شعوب العالم للتحرر واسترداد ثرواتها الطبيعية.
إنه انتصار لجميع شعوب العالم المقهورة، انتصار كانت مصر هي الطليعة والسباقة في تحقيقه، ولكنه انتصار تعرض للطمس والإخفاء والتجاهل المتعمد طيلة 40 عاما كاملة.
ومن حق الأجيال الجديدة أن تعرف طبيعة هذا النصر العظيم؛ لأنه وانتصار أكتوبر من أبرز وأهم انتصار مصري وعربي في العصر الحديث؛ خاصة وأن الأجيال الحديثة مظلومة؛ لأنها ظهرت في عصور خيانة ولم ترى في حياتها أعمال بطولية أو تضحيات، أجيال عاشت في مرحلة هي عبارة عن مسخ مشوه مرحلة خالية من أية إنجازات وطنية أو أعمال أخلاقية تدل على الانتماء.
ظهرت هذه الأجيال وترعرعت على أجواء فاسدة ومصالح مادية ومناخ بالغ الفساد ومسمم، ما يسهل وقوعهم في الاختراقات واللخبطة واختلاط المفاهيم برغم الثورة العلمية والتكنولوجيا التي لم تتوافر للأجيال السابقة.
عموما لقد أصبحت الحاجة ماسة لكي نسترجع كل انتصار وطني ونحتفل به ونذكر الأجيال الحديثة به ونربط ماضينا بحاضرنا ونعيد روح الانتماء والصدق الوطني، وأذكر بأن نصر 1956 كان بتأميم عبد الناصر لقناه السويس كمطلب للحركة الوطنية المصرية ولاستعادة مرفق مصري هام لكي يساهم في معركة التنمية وبناء السد العالي بعد أن رفضت أمريكا إقراض مصر لبنائه؛ بحجة أن مصر تنتهج سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز وترفض سياسة الأحلاف الاستعمارية وتصر على عدم الانضمام لحلف بغداد الذي كان يعمل لحساب أمريكا وحلف الأطلنطي.
ومن هنا قامت انجلترا وفرنسا اللتان كانتا مغتصبتان للقناة بالهجوم على مصر ومعها إسرائيل التي كانت تريد تصفية الثورة الجزائرية ووجدت أن تصفيتها تتم بضرب قاعدة الدعم والإمداد التمويني في مصر.
وهكذا تم العدوان وتصدت مصر ومعها الشعوب العربية للمقاومة المصرية وتم إلحاق خسائر بشرية فادحة بصفوف القوات الغازية، ووجه الاتحاد السوفيتي إنذاره الشهير لدول العدوان الثلاثي وامتنعت أمريكا عن تأييد العدوان؛ لأنها كانت ترى ضرورة تصفية الاستعمار التقليدي القديم، وأن ترث حق العالم من انجلترا وفرنسا وتقوم بدور الدولة الاستعمارية الكبرى وهو الدور الذي تلعبه بامتياز حتى الآن.
وهكذا فشل العدوان الثلاثي وأعلنت هزيمته وانسحابه في 23 ديسمبر 1956 ليكمل انسحابه النهائي في مارس 1957 وتحقق لشعوب العالم الثالث أول انتصار في العصر الحديث.
هذه قصة أحكيها للأجيال الصاعدة وما أحوجنا إلى عودة روح 1956 و1973 ونحن نواجه التحديات الخارجية الممثلة في العدوان الأمريكي الإسرائيلي، والداخلية الممثلة في أصابعهما القذرة وسط التجمعات السياسية وما يطلق عليهم النشطاء، ومن يسمون بمجتمعات المجتمع المدني وغيرهم.ٍ