"بلاها لحمة" و"72 ضد الغلاء" وحملات أخرى انتشرت خلال الفترة الأخيرة لمقاطعة شراء كل المنتجات التي ارتفعت أسعارها بشكل ضخم مؤخرا، كوسيلة وتحرك شعبي ضد الغلاء بعد انفلات الأسواق وعدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار ومراقبة التجار، فهل ينجح المصريون في محاربة الغلاء بالاستغناء؟. ومن الحملات التي تنشط خلال الفترة الحالية هي حملة "بلاها سمك"، لمقاطعة الأسماك بعد الارتفاع الجنوني في أسعارها ووصول سعر كيلو سمك البلطي في بعض المناطق إلى أكثر من 30 جنيها، والتي دعت لمقاطعة شراء الأسماك بدءا من أول إبريل الجاري وحتى عشرة أيام ردا على ما وصفوه بجشع التجار. جشع وقال شعبان عمر منسق الحملة الشعبية لمحاربة الغلاء في القاهرة، إن الحملة نجحت نسبيا، فبعض المحال أغلقت والشراء انخفض بشكل كبير، مؤكدا أن الهدف من الحملة هو توعية الشعب بعدم شراء السلع المبالغ في أسعارها، متسائلا: لماذا ارتفعت أسعار السمك مؤخرا؟، ليس هناك جديد، وإرجاع السبب إلى غلاء الأعلاف كذب خصوصا وأن كل مزارع الأسماك تتغذى على أحشاء الدواجن. وتساءل لماذا يُصرح نقيب الصيادين أن سعر السمك سيصل إلى مائة جنيه في ظل أن سعر تصديره للخارج دولارا واحدا أي نحو 18 جنيها فكيف يشتريه المواطن المصري ب 35 و40 جنيها، مرجعا السبب في موجة الغلاء مؤخرا إلى الجشع، لاسيما الأسماك كانت أكل الغلابة في ظل غلاء أسعار الدواجن واللحوم والأمر نفسه ينطبق على الطماطم وبقية الخضروات. وطالب بتفعيل الدور الرقابي للحكومة في ضبط الأسعار وتطبيق فكرة منافذ البيع المتحركة داخل القرى والشوارع، والتي لها دور كبير في تخفيف العبء على المواطنين والبيع بسعر أقل نسبيا عن الأسواق. ولم تكن المقاطعة سلاح الأسر الوحيد بل لجأ البعض لطرق أخرى خلاف تقليل النفقات وتعديل قوائم المشتريات وأولويات البيت، فكانت شراكة بعض الأسر لشراء المتطلبات بالجملة مثل أجولة الأرز، والمكرونة، والمساحيق، والمنظفات، حتى اللحوم لجأ عدد منهم للتشارك في الماشية من أي من القرى وتقسيم كل محتوياتها بالتساوي فيما بينهم. رقابة ورأى الدكتور صلاح هاشم أستاذ التخطيط بجامعة الفيوم، أن المقاطعة هي إحدى وسائل الشعب للضغط على التجار للحد من معاملات الاحتكار والغلاء على مر التاريخ، مضيفا أن الحملات تأتي نتائج إيجابية بشكل كبير عندما تجد مساندة من الدولة ومراقبة منها على الأسعار، وعندما تكون موجهة ضد سلعة واحدة لها بديل. وأضاف أن فشل تلك الحملات يعود لأسباب عديدة منها حين يكون الاحتكار أو العجز لأكثر من سلعة أساسية فلا يجد الشعب البديل غير الشراء، قائلا: "كلما انعدمت فرص البدائل وزاد عدد السلع كلمات كانت فرصة الفشل أعلى من فرصة النجاح لأن الشعب حينها يضطر لشراء أي من تلك السلع وهو ما حدث حاليا". ونوه بأن الحملات تفشل حينما يكون الغلاء بسبب ندرة السلع وليس احتكار التجار وتكون نسبة الطلب أكبر من العرض، مؤكدا أن زيادة حملات المقاطعة تؤدي لفشل كل منهما الأخرى بسبب غياب التنسيق فيما بينهم وهذا يضعف المقاطعة وقوة تأثيرها لكن توحد فئات الشعب يؤدي لتأثير أكبر. وأرجع هاشم مشكلة الغلاء في مصر بشكل أساسي إلى الدولة وسياساتها المتعلقة بالدعم ومعدلات التشغيل وارتفاع البطالة والإنتاج والتصنيع والتصدير والاستيراد من الخارج وكل تلك السياسات تؤثر على السلع وقيمة العملة بشكل أساسي وبالتالي أسعار السلع، مضيفا أن الدولة تتعامل مع المقاطعين بأنهم المتضررين الوحيدون من المشكلة وأنها خاصة بهم فقط. وأشار إلى أن فكرة الحديث عن دعم الفقراء لم تعد صالحة بسبب ارتفاع معدلات الفقراء بعد انخفاض قيمة الجنيه، مضيفا "الحديث عن دعم الفقراء سيؤدي إلى زيادة نسبتهم، فنسبة الفقراء تجاوزت ال60% بسبب الإجراءات الاقتصادية الأخيرة واحتكار التجار فالحديث عن دعمهم نوع من العبث لأن الشعب غالبيته حينها يستحق الدعم". سياسات دولة وأوضح أنه يجب وضع سياسات عامة تتعلق بتحسين معيشة الشعب المصري وليس الفقراء فقط في كافة المجالات، مضيفا أن الحكومة الآن تعمل في جزر منعزلة ما يجعل الشعب في مواجهة مع التجار فيبدأ بتقليل الاستهلاك أو الحملات أو المقاطعة التي تفشل بسبب زيادة الطلب وقلة العرض والخطوة التالية للمقاطعة لن تستطيع الدولة مواجهتها لأنها ستكون ضدها حين ذلك. وقال أستاذ التخطيط بجامعة الفيوم، إن الدولة يجب أن تستفيد من تجارب مثل الصين والهند وهي دول تمكنت من تخفيض نسبة الفقراء إلى النصف بسياسات عامة وليس برامج خاصة بالفقراء، مؤكدا أنه لم ير سياسات عامة في الدولة تحاول جادة في محاربة الفقر باعتباره القضية الأساسية الموجودة لا لدى الحكومة أو البرلمان المصري أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني الذي يعاني من محاذير شديدة تشل حركته في أن يدلي بدلوه في مواجهة هذه المشكلة. وأشار إلى أن نحو54 ألف جمعية في مصر شلت حركتها والدولة لا تساعدها أو تقوم بما هو مطلوب منها بمفردها فيجب تفعيلها في ممارسة دورها مع وضع أجهزة رقابية حقيقية لمراقبة التمويلات وخلافه مما يثير القلق، فيجب تشجيع التطوع وليس قتله، مضيفا "إذا كان الفساد أخطر من الإرهاب فإن تجويع الشعب وتضييق معيشته أخطر عليها من الفساد والإرهاب فهناك 147 ثورة وانتفاضة للجياع قامت على مدار التاريخ فيجب على الدولة أن تستعين بتجارب الدول الأخرى في القضاء على الفقر".