وسط توالي الإدانات في القاهرة، من جانب الهيئات الدينية المسيحية والإسلامية والأحزاب وأعضاء البرلمان، لاستهداف الأقباط في سيناء، من جانب عناصر إرهابية، أثارت طريقة التعامل الأمني من قبل الحكومة مع تلك الانتهاكات، دهشة واستغراب أوساط سياسية وكنسية عديدة، ولم يصدر عنها معلومات توضح حقيقة ما يجري بالتفصيل. وأكد مراقبون لصحيفة "العرب" اللندنية، أن تنظيمات الإرهاب نجحت حتى الآن، في تضخيم مسألة تهجير الأقباط من مدينة العريشبسيناء ولفت الانتباه لها في الخارج، على الرغم من أن استهداف الأقباط ليس متغيرًا جديدًا في حرب الأجهزة الأمنية ضد الإرهابيين. وذهب آخرون إلى أن الحكومة ظهر عليها الارتباك، فلم تصدر بيانًا يكشف حجم من تمّ تهجيرهم، أو كيف سيتم الرد على تلك الاعتداءات لوقفها، لأن الصورة العامة أشارت إلى قدرة الإرهابيين على إحراج الحكومة المصرية عبر التلاعب بملف غاية في الحساسية. وعلمت "العرب" أن عملية ترحيل عشرات الأسر القبطية من العريش، تمت برغبة من أجهزة الأمن، لتفريغ المنطقة التي يعيشون فيها، ونزع ورقة مهمة من أيدي الإرهابيين، تمهيدا لمزيد من العمليات القتالية ضدهم. وشبّهت بعض المصادر ما يجري مع الأقباط حاليا، بما تم منذ حوالي عامين مع سكان مدينة رفح في شمال سيناء أيضا، عندما تم تهجير مئات الأسر، ضمن عملية أمنية واسعة شملت هدم أنفاق، والحيلولة دون اختباء إرهابيين وسط الأهالي. لكن الفرق بين العمليتين، أن الأولى بدت مفهومة باعتبارها جاءت ضمن خطة أمنية لها هدف محدد، لكن الثانية أثارت استغراب بعض الدوائر السياسية، لأنها وفرت انطباعات تشي بأن الأجهزة الأمنية غير قادرة على حماية عشرات الأسر القبطية، الأمر الذي يوحي بعدم القدرة على حماية الملايين الذين يعيشون في أماكن مختلفة بمصر. وحتى الخصوصية التي تتمتع بها منطقة سيناء، حيث المواجهة المحتدمة بين أجهزة الأمن والجماعات المتطرفة، ليست كافية لتبرير عملية ترحيل الأقباط، فلم يلحق بهم أذى كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية، التي كان الإرهاب فيها أشد تغوّلا، وتعرضهم لأزمة حاليا يسير عكس الاتجاه الذي تروّجه الحكومة المصرية من أنها أوشكت على أن تقضي على التنظيمات المتشددة في سيناء، وتجفيف منابع الإرهاب فيها. وعلى خلاف موقف الحكومة الغامض، جاء بيان الكنيسة المصرية السبت واضحًا، ولافتا إلى حدوث عملية نزوح الأسر المسيحية من سيناء (شمال شرق مصر)، وأكد مسؤول كنسي أن عدد الأسر التي تم تسكينها بمدينة الإسماعيلية (المجاورة لسيناء)، بلغ 35 أسرة، متوسط عدد أفراد كل منها ما بين 3 و10 أشخاص، وأعلن فتح الباب للتبرعات، حتى يمكن استيعابهم وإيواؤهم. وكان المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، قال إن الكنيسة، وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني بابا الأقباط، تتابع وتدين تلك الأحداث، التي وصفها ب"المتتالية"، وتستهدف أبناء الوطن من المسيحيين المصريين، وحرص على التأكيد بأن الاعتداءات، تعمد إلى "ضرب وحدة المصريين الوطنية". وحيال الإحراج المتكرر الذي تتعرض له الحكومة المصرية، وإظهارها ضعيفة وغير قادرة على حماية الأقباط أمام الرأي العام العالمي، طالب مثقفون وقادة أحزاب اتخاذ إجراءات عاجلة ورادعة، لإنهاء ما سموه ب"العبث بسيادة الدولة". وأشار البعض إلى أن نجاح التنظيمات الإرهابية في تنفيذ مخططهم تجاه أقباط سيناء، يطرح سؤالًا حول مدى النجاح الذي حققته الحكومة المصرية في المقابل، في معركتها مع الإرهاب، خاصة مع ندرة ما تعلنه من معلومات في هذا الشأن. وقال خبير أمني ل"العرب"، إن تنظيم داعش يهدف من وراء حملة تهجير الأقباط، تحقيق عدة أهداف، أبرزها ترسيخ فكرة سيطرته على الأرض، وقدرته على فرض نموذجه "أحادي العقيدة" وتصوير الأقباط على أنهم "كفار" على بقعة منها، تمهيدًا لتفريغ منطقة شمال سيناء وحتى وادي العريش، لتصبح مكانًا لتطبيق هذا النموذج. وأضاف الخبير، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الهدف الثاني، بث الذعر في الرأي العام المصري، وصولًا إلى تصدير فكرة أن قوته تتنامى في سيناء، مقابل عجز الدولة. ولفت متابعون ل"العرب"، إلى أن استراتيجية تهجير الأقباط من سيناء، ليست جديدة، وسبق أن اعتمدتها التنظيمات التكفيرية من قبل، لفرض أمر واقع على الدولة وعلى الجميع، وأشاروا إلى أن تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي تحول إلى ولاية سيناء حاليا، كان قد استهدف كنيسة رفح في مارس 2011، واغتال القس روفائيل موسى، كاهن كنيسة "مار غرغس"، في العريش بشمال سيناء في العام 2015. وشدد سياسيون، من أصول سيناوية ل"العرب"، على ضرورة القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب في سيناء، والبدء في اعتماد استراتيجية تصحيحية لمجمل أساليب تعاطي الدولة مع ملفات الإرهاب، وعدم الاكتفاء فقط بالأساليب الأمنية، وطالبوا بضرورة التخلي تمامًا عن سياسة "رد الفعل" التي تتبعها الحكومة في الوقت الراهن. وكان تكفيريون أطلقوا النار على مواطن مسيحي بمدينة العريش مساء الجمعة، ضمن سلسلة الاعتداءات بالقتل التي يستهدفون بها الأقباط في سيناء حاليًا، والتي وصلت إلى قتل سبعة منهم، وبث تنظيم "ولاية سيناء"، شريط فيديو يتوعد فيه الأقباط، وأعلن فيه مسؤوليته عن حادث تفجير الكنيسة البطرسية، بالقاهرة في ديسمبر الماضي. ويميز الإرهابيون أقباط سيناء، بوضع حرف "النون" على منازلهم، في إشارة إلى كلمة "نصراني".