تفقد المشير محمد حسين طنطاوي -رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة- أمس ميدان التحرير، وجاب شارع محمد محمود من أجل الاطلاع على مجريات الأمور، إثر فتح الميدان، والشارع المذكور أمام المارة. المشير طنطاوي شاهد بأم عينيه، الأماكن التي شهدت تساقط عشرات الشهداء، ومئات الجرحى، على أيدي قوات الشرطة المدنية والعسكرية، والتي من المفترض أن النيابة بدأت التحقيقات فيها، والتي نتمنى أن تشمل القادة الذي أمروا قوات الأمن بقتل الثوار.
ونتمنى أن يجري حسم تلك التحقيقات في أقرب وقت ممكن، ولا تكون مثل المحاكمات التي لا تزال تدور حول قتل الثوار، ولم تنتهِ بعد.
كان المشير طنطاوي، وهو يتفقد الميدان، على بعد أمتار من الثوار الذين يحاصرون رئاسة الوزراء؛ لمنع الدكتور كمال الجنزوري من دخول هذا المكتب، بعد أن أعلنوا رفضهم له ونصحوه بتقديم استقالته.
وجاءت زيارة المشير للميدان بعد ساعات من انخراط أم أحد الشهداء، في وصلات من العويل والبكاء الهستيري بهذا الميدان، عقب صلاة جماعة أداها الثوار على روح نجلها، حيث أعرضت أم هذا الشهيد عن التحدث للإعلاميين، بعد أن خيم الحزن الشديد على كافة أفراد الأسرة.
وبعد أن خيم هذا الحزن أيضا على رفاق الشهيد من الثوار، والذين كانوا قد تجمعوا بالآلاف أمس الأول أمام مشرحة مستشفى القصر العيني لتسلم جثمان نجل السيدة المشار إليها، الشهيد أحمد صالح -21عاما- أحد المصابين في أحداث شارع محمد محمود، والذي كان يرقد منذ أكثر من شهر في مستشفى القصر العيني، بعد أن أصابته رصاصات عناصر أمنية في الرقبة والرأس.
يتمكن الأطباء من استخراج رصاصة الرقبة التي مات هذا الشاب بسببها، وجاء تجمع الثوار أمام المشرحة بعد أن ترددت أنباء تفيد أن تقرير الطب الشرعي زعم أن الوفاة جاءت بسبب هبوط في الدم.
وكان الثوار قد أصروا على الذهاب برفيقهم إلى ميدان التحرير، وأدوا على روحه الطاهرة صلاة الغائب، وهم يهتفون "يا صالح نم وارتاح واحنا نكمل الكفاح"، قبيل أن يصطحبوه مع أسرته إلى مثواه الأخير.
وبذلك يكون عدد شهداء الموجة الثانية من الثورة المصرية، قد ارتفع إلى 49شهيدا؛ بخلاف العشرات من الجرحى الذين فقدوا نظرهم، أو أصيبوا بعاهات مستدامة، والذين قام وزير الصحة الجديد بزيارتهم في عدد من المستشفيات المصرية التي يعالجون فيها الآن، حيث يصر الثوار على مواصلة حصار مكتب الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء بالقصر العيني، حتى يتم تلبية المطالب التي استشهد من أجلها رفاق لهم.
وتفاعلا مع الثوار، ومع مطالب الشعب المصري تقدمت أمس اللجنة القومية للدفاع عن شهداء الثورة، ومركز هشام مبارك، ولجنة الحريات بنقابة المحاميين ببلاغ للنائب العام بخصوص حماية شاهد الإثبات في جرائم القتل التي ارتكبتها عناصر أمنية بشارع محمد محمود، وهو المجند إبراهيم فتحي عدلي السيد المجند بوزارة الداخلية -قطاع الأمن المركزي بطرة رقم 39- الكتيبة الرابعة، كأحد أهم شهود الإثبات على الجرائم التي ارتكبتها عناصر أمنية ضد الثوار، واستخدمت خلالها الرصاص الحي والخرطوش، وقنابل الغاز الأمريكية القاتلة.
وكان المجند البطل إبراهيم فتحي في قلب الأحداث في إحدى تشكيلات قوات الشرطة المدنية المشتبكة مع المتظاهرين، وشاهد بأم عينيه سقوط الشباب أمامه برصاصات عناصر الغدر المنتمية للشرطة المدنية والعسكرية، بدون أي ذنب ارتكبوه.
وعندما صدرت الأوامر إلى هذا المجند بإطلاق النار على الثوار رفض تنفيذ تلك الأوامر، ما دفع أحد قياداته لضربه على رأسه بجسم صلب أحدث به إصابة بالغة وأفقده الوعي، ليقوم بحمله أحد الشباب على موتوسيكل لينقذ حياته، ثم دخل به إلى المستشفى الميداني الخاص بالمعتصمين، حيث تم إسعافه على مدى الأيام السابقة، وعاش من بعدها مع المتظاهرين في الميدان.
وعندما بدأ الأمن يسعى وراءه في الميدان، ويحاول اختراق المكان الموجود به هذا البطل الشجاع، تم إخراجه بطريقة سرية، وهو الآن مختبئ لحين حمايته.
ومن هذا المنطلق فإننا نطالب بإصدار قانون لحماية شهود الإثبات؛ لأن معظم الشهود يمكن أن يشهدوا زوراً؛ نتيجة للضغوطات التي تمارس عليهم، وخصوصا هذا الجندي الذي تخطط قيادات وزارة الداخلية لمحاكمته؛ جراء رفضه إطلاق النار، وتهربه من الخدمة، وانضمامه للثوار، وهي جرائم من وجهة نظر الداخلية أخطر من جرائم القتل التي مورست ضد أبناء الشعب.
ويخرج علينا من يدافع عن قتلة الثوار، ويرى أن قتلهم حلال، ويتنكر لتضحياتهم من أجل الوطن، وهذا الكائن الجاهل الذي يتقيأ هذا الكلام، حذاء أصغر ثائر أشرف منه، ومن بيئته النتنة التي علمته أن يتطاول على النبلاء، وأن يتطاول على فلذة أكباد مصر من هذا الشباب.
الفقير إلى الله كاتب تلك السطور، يعتبرهم أهم ظاهرة نبيلة في وطننا الآن، ويعتقد أن من يتطاول على هذا الجيل العظيم "جيل الثورة والثوار" هو إما جاهل وضيق الأفق، وإما أناني لا يرى إلا ذاته ونزواته، وإما خائن لهذا الوطن، أو من فلول نظام مبارك، أو مرتزق أجير لتشويه الثورة والثوار.
وأتمنى من السادة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، بدلا من تأجير المرتزقة، وتشويه سمعة الثوار عبر الدفع بالساقطات وتجار المخدرات والبلطجية، ومن يجلسون على الإنترنت ليشتموا الكتاب الشرفاء، ويقوموا بالاندساس وسط الثوار بميدان التحرير، أتمنى أن يستجيبوا لمطالب الثورة، ويستجيبوا لإرادة الثوار؛ لأن تلك المطالب لا يمكن أن يتنازل عن تحقيقها أبناء شعبنا على الإطلاق.
وعلى سبيل المثال، في مصر تجري الآن انتخابات، وتلك الانتخابات تتم في ظل وجود قانون الطوارئ، ويشارك فيها من أفسدوا الحياة السياسية بمصر!
تتم في ظل إصرار من جانب المجلس العسكري على سحب الشرعية من الشعب، واستمرار مخططاته لفرض أجندة خارجية على من يختارهم الشعب المصري، ومن بينها احترام اتفاقات كامب ديفيد، والالتزام باستمرار العلاقات الاستراتيجية بين مصر وواشنطن.
وللأسف تجاري تلك المخططات جماعة الإخوان المسلمين، رغم اعتراضها على المجلس الاستشاري وانسحابها منه، من خلال تصريحات معلنة، فبالأمس صدر بيان من حزب الحرية والعدالة الإخواني، تتعهد فيه الجماعة بالحفاظ على كامب ديفيد، والحفاظ على سياسات مصر الاقتصادية، التي أرساها الرئيس المتنحي حسني مبارك.
والفقير إلى الله كاتب تلك السطور، إذ يؤكد رفضه على المستوى الشخصي لبيان الإخوان، وتأكيده أن ثورة 25يناير المجيدة قامت لتنهي كامب ديفيد وسياساتها في كافة المجالات، يحذر الإخوة في جماعة الإخوان المسلمين، من أن بيانهم هذا في منتهى الخطورة، ويجعل لا فارق بينهم وبين الحزب الوطني المنحل.
إن هذا البيان يؤكد أن الجماعة تقدم تنازلات لأجل السلطة، وتخرج عن الناحية الشرعية من أجل مكاسب دنيوية رخيصة.
رحم الله الشهداء، وندعوه أن يلهم الثوار الصبر والإرادة والقوة، وأن يحافظ على روح 25 يناير في قلوبهم؛ من أجل إكمال مشوار الثورة، وانتزاع الحرية كما يجب أن تكون، الحرية للوطن، والحرية للمواطن. E-Mail: [email protected]