القاهرة: شدد د.جعفر عبدالسلام، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، على استمرار الحملة الغربية على المجتمعات الإسلامية لتذويب ذاتيتها وسلخ هويتها وصولا إلى تفتيتها وصبغها بالصبغة الغربية، لافتا إلى أن التمسك بأصول الدين الإسلامي هو الكفيل بريادة وسيادة المسلمين وتشخيص ما ألم بهم من أمراض سلوكية وفكرية واجتماعية، ودافع بشدة عن أهمية استمرار جولات حوار الأديان باعتبارها أداة للدفاع عن الإسلام وإبراز صورته السمحة، مطالبا الدول العربية برمي الكرة في الملعب الآخر من خلال التقدم بمشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة لتجريم كل مظاهر الإساءة للأديان والمقدسات.. مزيد من التفاصيل في سياق الحواركما ورد عن دار الإعلام العربية كالتالي:
*يعول كثيرون على رابطة الجامعات الإسلامية كقناة من قنوات الدعوة في الدفاع عن الإسلام وإبراز صورته الصحيحة.. فما تقييمك لهذا الدور؟ - بفضل الله الرابطة لا تألو جهدا في الدفاع عن الإسلام، حيث تنفذ حاليا العديد من البرامج والفعاليات لتحقيق هذا الهدف، كما شاركت الجامعات الأعضاء، بل الجامعات والمؤسسات الدولية غير الإسلامية في كثير من الأعمال العلمية التي قامت بها، بالإضافة إلى عمل دءوب لتطوير مناهج تدريس العلوم الإسلامية، وكذا العلوم الأساسية والاجتماعية؛ لكي تواكب العصر، ولكي تتحرك الجامعات الأعضاء لتبني رؤى التجديد والتطوير التي يعكف على دراستها علماء الرابطة، أيضا نعمل على نشر سلسلة "فكر المواجهة"، ووصل عدد الكتب التي صدرت في هذه السلسلة خمسة وعشرين كتابا تعالج شتى الملفات الشائكة في علاقة الإسلام بالغرب.. كذلك سلسلة الدراسات الحضارية، وسلسلة مركز دراسات الأسرة.
* على ذكر علاقة الإسلام بالغرب.. ألا ترون أن أمتنا الإسلامية عانت طويلا من محاولات غربية لسلخ هويتها كمرحلة أولى لتفتيتها ثم السطو على مقدراتها؟ - لقد تعرض الإسلام منذ مدة طويلة لحملات تغريبية شديدة ترمي إلى سلخ المسلمين من هويتهم وصبغتهم بالصبغة الغربية في شتى مظاهر الحياة، وهو مخطط يسعى إليه الغرب سعيًا دءوبا ويهدف إلى فرض الثقافة الغربية بكل ما فيها من عيوب ومميزات على حد سواء، ولقد جرف الطغيان المادي تقاليد أمتنا وأعراف مجتمعنا نتيجة للاحتكاك بالغرب، ولم تقف محاولاته المستميتة لتفتيت وحدة الأمة، وإنهاك تماسكها وضربها من الداخل، لتصير أمتنا بلا هوية، وليدغدغ خصائص الذات الإسلامية وسماتها.
* لكن تقليد النموذج القيمي الغربي غدا داء عضالا تعانيه مجتمعاتنا؟ - الأمر لا يتوقف على التقليد الأعمى للنموذج القيمي الغربي فقط، بل إن هناك داء خبيثا مازلنا نعانيه ويتمثل فيما حذر منه المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي وهو خطورة نزعة قابلية الاستعمار المنتشرة في ثقافة الشعوب العربية والإسلامية، والتي يشاطرها كذلك وجود حالة إعجاب لا متناهي بمنظمة القيم الغربية، وهي ظاهرة مرضية يجب إخضاعها لدراسات وافية بدلا من أن نستيقظ يوما وقد تعرضت ذاتيتنا الثقافية للذوبان.
* وكيف نتجاوز هذه المرحلة المفصلية والمعقدة ونحافظ على ذاتيتنا؟ - التمسك بأصول ديننا الإسلامي هو الكفيل بعودتنا إلى الريادة والسيادة واستدعاء حضارة الإسلام التي أنقذت العالم من ظلمات الضلال والجهل والفتنة، ونحن نحتاج إلى مراجعة الذات واستعراض سلبياتنا وإيجابياتنا للخروج من النفق المظلم، وأنا هنا لا أدعو لمعاداة الغرب أو مقاطعته، بل نقدر محمود سلوكهم وتقدمهم، بينما نبتعد عن سلبياتهم وقيمهم التي لا تناسب قيمنا وثوابتنا ومقدساتنا.
هناك إشكالية أخفق كثيرون في تجسيدها أو صهرها وهي علاقة الإسلام بالديمقراطية.. فهل نستطيع حسم هذا الجدل؟ - لقد وضع الإسلام شكلا ناضجا ومتقدما عن الديمقراطية منذ أربعة عشر قرنا متمثلا في «الشورى» بمعنى الأخذ برأي الشعوب في المسائل الرئيسة كافة، والمشاركة في شؤون الحياة كافة، ومن بينها مسائل الحكم والسياسة الشرعية في الإسلام، ومن ثم فالديمقراطية خرجت من رحم الشورى الإسلامية وإن تم ذلك في شكل منقوص، حيث اعتمد الأوروبيون على معيار الأغلبية التي تحققها صناديق الاقتراع دون أي معايير دينية أو أخلاقية.
*هناك من يتحدث عن وجود بعض التعارض بين الديمقراطية بشكلها الحديث ومبدأ الشورى الإسلامي؟ - لا يوجد اختلاف جوهري بين الأمرين إلا باختلاف البيئة التي خرج منها كلٌّ منهما، لكن ثمة فوارق منها أن الديمقراطية تفوض شعوبها في اختيار ممثليهم وفقا لما يرونه مناسبًا للأوضاع السائدة، وتتغاضى عما إذا كان النائب المختار متعلمًا أو عالمًا أو مشرعًا، وهو الأمر المعمول به حاليا في الدساتير العربية، حيث تشدد على إلمامه بالقراءة والكتابة وحسن السير والسلوك دون اشتراط الكفاءة أو القدرة على التشريع، في حين تشترط “الشورى” القدرة على التشريع وتحصره فيما يطلق عليه “أهل الحل والعقد” ليكونوا قادرين على الأخذ بيد شعوبهم، وتذليل أي صعوبات أمامهم، سواء فيما يتعلق بالمسائل الدنيوية أو الأخروية.
* لكن ثقافة الشورى الإسلامية مفتقدة في مناهجنا ومؤسساتنا التعليمية.. فهل تعتقد أن الوقت حان لتنمية هذه الثقافات؟ - حقوق الإنسان والعدالة والحرية تمثل ملامح بارزة في الشورى الإسلامية سواء على مستوى العقيدة أو الرأي، ولا تتحقق إلا في مجتمع صحي في ظل الارتباط الكبير بين حقوق الإنسان والشورى، لكن للأسف نفتقد أدبيات الشورى أو حتى الديمقراطية بشكل كبير، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على حقوق الإنسان، رغم أن الإسلام حسم الأمر منذ عقود طويلة وعززه من خلال نظرية المقاصد في الشريعة، والتي أوجبت الكليات الخمس وعملت على المحافظة عليها، وهي النفس والدين والعقل والمال والعِرض؛ لذا فإن تكريس المحافظة عليها يتطلب أن تتحول إلى ثقافة عامة وعملية في المجتمع عبر محاولة تكريسها في مناهج التعليم وفقا لثوابت أمتنا.
*ركزت كثيرا في مؤلفاتك على مسألة التعامل مع الآخر.. فهل تلقي لنا الضوء على هذه المسألة في ضوء الاتهامات الموجهة للإسلام بمعاداته؟ - التعامل مع الآخر مسألة مهمة في النظرة الإسلامية بشكل عام، وقد أمر القرآن الكريم المسلمين في أكثر من موضع بحسن معاملة الآخر والتسامح معه، قال تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} لكن هذا التسامح والبر والقسط والعدل مع الآخر لا يعني أن نمسخ أو نخرج من عقائدنا وأصول شريعتنا، ولا ينبغي أن نتبع الغرب في كل ما يقوله لنا، أو في كل ما يفعله، بل نحتاج إلى الحفاظ على أنفسنا وعلى ديننا وتراثنا باعتبار أن انسلاخنا عنها يعني موتنا، ويعني أيضا خسارة الإنسانية لمبادئ وتجارب وقيم لعبت دورًا مهمًّا في إنقاذها من الأفكار الضالة والمضلة والعنصرية التي تحتقر الآخر وترفض التواصل معه.
* حضرتَ العديد من مؤتمرات حوار الأديان كان آخرها مؤتمرا مدريد والأمم المتحدة.. وهناك شعور بأنها لم تؤتِ أكلها. - رغم أن مؤتمرات حوار الأديان لم تحقق ما كنا نصبو إليه، ولم تستطع إزالة حالة الاحتقان بين الإسلام والغرب، إلا إنني أعتبر أن استمرارها أفضل باعتبارها تعطي المسلمين فرصة لنفي أي علاقة بين الإسلام والإرهاب والتطرف ومعاداة الغير، والتأكيد على أن الحوار معه واحترام رأيه مبدأ إسلامي في مواضع متعددة، بل السعي إلى ممارسة ضغوط على الغرب خلالها لتبني قوانين وفي مقدمتها حظر الإساءة للإسلام، باعتباره دينًا سماويًّا لا يجوز المساس به أو الإساءة إلى نبيه الكريم "صلى الله عليه وسلم" .
* لكن الغرب رفض حتى التعاون معنا لاستصدار قرار دولي بحظر الإساءة إلى الرموز الدينية؟ - هذا يعود لفهمهم المغلوط للحريات، وتأكيدهم على عدم قبولهم بأي قيود على حرية الرأي، رغم مخالفة ذلك لقاعدة ذهبية تتمثل في “أن الحرية لا تعني بأي شكل من الأشكال الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية” ولا يجب علينا في مثل هذا المقام الاستسلام لرغباتهم، بل التجاسر وطرح الأمر أمام المؤسسات الدولية، وصولا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نمتلك القدرة داخلها على حشد الأصوات المؤيدة لمواقفنا وعدم اللجوء لمجلس الأمن حتى لا نصطدم بالفيتو الغربي.
* رغم المحاولات المستميتة للدفاع عن الإسلام إلا أن نتاج هذه الحملات حتى الآن مازال محدودًا.. برأيك من المسئول عن استمرار النظرة المغلوطة للإسلام في الغرب؟ - الغرب لم يضع في اعتباره يوما التعرف إلى الإسلام من مصادره الصحيحة، إنما اكتفى بالقراءة عنه من خلال المستشرقين المضللين، ومن المؤكد أننا نتحمل مسؤولية كبيرة عن قصور في مواجهة هذه الحملات، حيث كان تعاطي مؤسسات الدعوة الإسلامية بطيئًا ولم تقدم دولنا الدعم الكافي لعشرات من المراكز الإسلامية المتناثرة في بقاع العالم حتى تستطيع القيام بمهمتها في تصحيح صورة الإسلام، وكان لافتا خلال جولاتنا ولقاءاتنا مع المفكرين الغربيين شكواهم مر الشكوى من خلو المكتبات ودوائر المعارف الغربية من الكتب الخاصة بالثقافة والحضارة والشريعة الإسلامية، ما دعانا إلى توجيه دعوات لإيجاد مشروع إسلامي ضخم يتولى إعداد كتب ومؤلفات ترد على تساؤلات الغربيين وتشبع نهمهم للتعرف على الإسلام ومبادئه، وتوفر للمسلمين المقيمين في الغرب أفكارًا واضحة للتعامل مع المشاكل التي تواجههم.
* تشدد كثيرًا على حاجتنا الشديدة إلى ثورة تعليمية تعيد الاعتبار لمؤسساتنا التعليمية ولدورها كأداة للتنمية في العالم الإسلامي.. ما رؤيتك في هذا الشأن؟ - يعد التعليم في أغلب دول العالم المتقدمة مشروعًا قوميًّا باعتباره مسئولا عن الأمن الاجتماعي والقومي، وهذا ما نفتقده في أغلب دول المنطقة، من ثم فنحن بحاجة إلى خطة واضحة لتطوير التعليم تسير في عدة مسارات، أولها التخطيط لعقد مؤتمر عالمي في النصف الثاني من العام الحالي للاستفادة من الخبرات الدولية الرائدة في مجال تطوير التعليم مع عدد من المنظمات والجامعات الإسلامية والدولية.. من أجل طرح مفهوم واضح متفق عليه حول تطوير التعليم الجامعي، وإجراء حصر وتحليل لأبرز وثائق التطوير لتجويد التعليم الجامعي الصادرة عن جامعات العالم الإسلامي، ودراسة الآليات والأساليب الكفيلة بالاستفادة من هذه الوثائق المهمة وتطبيقها في جامعاتنا المختلفة، وإجراء «دراسات حالة» لبعض التجارب الناجحة في جامعات العالم الإسلامي، ودراسة إمكانية الاستفادة منها في باقي الجامعات.
* سبق أن أطلقتم دعوة للتطوير من خلال الرابطة.. فما مضمون هذه الدعوة؟ وما الهدف منها؟ - التجديد سنة من السنن الكونية، والإسلام ينبهنا إلى أهمية تجديد حياتنا باستمرار، والقرآن الكريم حث المسلمين دائما على أن يردوا ما لا يفهمونه مما يعرض أمامهم إلى الله ورسوله وإلى أولي الأمر منهم، يقول تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} كما يدعو الإسلام أتباعه إلى التجديد وإلى التدبر والتفكر في مخلوقات الله، يقول تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}، كما يستخدم القرآن الكريم دائما آيات تشير إلى أهمية إعمال العقل، والاستفادة مما خلقه الله لنا لنفهم خلقه، فيقول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ}، من هذا المنطلق وجدت لجنة تطوير التعليم بالرابطة ضرورة النهوض بالتعليم الإسلامي وتطويره، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية، والهدف من ذلك دفع العلماء والمفكرين إلى الاجتهاد والتجديد لمواجهة متطلبات العصر ومستجداته، فالإسلام هو الذي يحثنا على ذلك، وليس الغرب كما يتوهم البعض، والتسامح والعدل مع الآخر لا يعني أن نمسخ أو نخرج من عقيدتنا.