تحل اليوم الحادى عشر من اغسطس الذكرى الثامنة والسبعين لميلاد "قيثارة الغناء العربي", المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة، التي ولدت في القاهرة عام 1938، وتبناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. والدها محمد حسني البابا من أكراد سوريا وكان يعمل خطاطا وقد هاجر والدها إلي مصر في شبابه وتزوج أم نجاة وهي سيدة مصرية وأختها الفنانة المصرية سعاد حسني. بدايتها وهي في سن التاسعة عشر من عمرها دربها شقيقها الأكبر "عز الدين" على حفظ أغاني "أم كلثوم" لتقوم بأدائها فيما بعد في العديد من الحفلات، بينما وصلت "نجاة" لدرجة الإتقان بدأت مرحلة جديدة في مشوارها الفني حيث انتبه إليها الملحنون والمخرجون السينمائيون. بعدها غنت للعديد من الملحنين الكبار أمثال "زكريا أحمد ومحمود الشريف"، وبرزت على الساحة من خلال أغنية "أوصفولي الحب"، ثم التقت بالموسيقار الراحل "محمد عبد الوهاب" الذي لحن لها أغنية "كل دة كان ليه" التي غناها بصوته فيما بعد. ومن أشهر أغانيها: غريبة منسية, وسماره, ودوبنا يا حبايبنا, وأيظن, وإلهي ما أعظمك, ولا تكذبي, وعيون القلب, والقريب منك بعيد, وأما براوة , وأما غريبة. تمثيل اتجهت للتمثيل وقدمت أول أدوارها السينمائية في فيلم "هدية" عام 1947م للمخرج "محمود ذو الفقار"، لتنطلق بعد ذلك في عالم السينما, وكانت أبرز أفلامها وأشهرها فيلم "غريبة", و"الشموع السوداء", و"شاطيء المرح", و"سبعة أيام في الجنة", و"ابنتي العزيزة", و"جفت الدموع", ثم اعتزلت التمثيل عام 1976 وعمرها 37 عاما تقريبا. زواجها زواجها الأول كان عام 1955 من كمال منسي، أحد أصدقاء شقيقها، ساعدها على النجاح في تلك المرحلة وبدأت تاريخها الحقيقي في عالم احتراف الغناء، وكان شديد التأثر والإعجاب بصوتها، وأحضر لها كبار المؤلفين والملحنين الذين قدموها بشكل مميز مثل: "أسهر وأنشغل أنا"، "اوصفولي الحب"، "حقك عليا وسامح" وغيرهم. وبعدما أنجبت من زوجها ومستشارها الفني ابن واحد هو وليد، تحول العش الهادئ إلى جحيم لا يطاق بعد أربع سنوات، إثر تدخلات الزوج في حياتها وفنها فسعت إلى تجاوز الأزمة بمحاولة الطلاق الودي ولكنه رفض وتحولت القضية إلى ساحات المحاكم. وانفصلت عن زوجها ، وتزوجت مرة ثانية وأخيرة من المخرج حسام الدين مصطفى، الذي أخرج لها فيلم "شاطئ المرح" مع يوسف فخر الدين عام 1967, ولكن هذه الزيجة لم تستمر أيضًا لفترة طويلة، بعدها أعلنت نجاة تفرغها لابنها وفنها، ولم تتزوج مرة أخرى. حب كان كامل الشناوي يحبها حبا عظيما, وكان الصحفيون يعلمون أن هذا الحب من طرف واحد فقط، ولكنه كان يخلق لنفسه عالما من الوهم والخيال، وكان يحب الكثيرات, كان يحب نادية لطفي وسعاد حسني وثلاث مذيعات جميلات في التليفزيون, ولكن حبه الكبير الذي استغرق منه ديوانا من الشعر هو حبه لنجاة. في مرحلة الكهولة لم تتوقف نيران حبه للدرجة التي خجل فيها من قلبه وخاطبه قائلا: "احتشم يا قلبي، فالحب طيش وشباب وأنت طيش فقط". وكانت قصته الأشهر مع نجاة هي الأكثر خلودا، فلقد أحبها بجنون ولم تبادله وفاءه، وكان يعلم ذلك لكنه لا يستطيع أن يتوقف عن حبها، بل كان عذابه يستوحش أثناء الخصام فلا يتحمل بُعدها "افهميني على حقيقتي.. إنني لا أجري وراءك بل أجري وراء دموعي"، هكذا كتب اليها ذات مرة في إحدى نوبات عشقه. ولقد تعرض الشناوي لكثير من الصدمات أثناء حبه لنجاة الصغيرة، كان أبرزها عام 1962 في عيد ميلادها عندما اشترى هدايا الحفل، وحضر برفقة أصدقائه في شقتها بالزمالك، وعند إطفاء الشموع اختارت يوسف إدريس ليقطع التورتة معها ممسكا بيدها، فانسحب الشناوي حزينا باكيا، فكتب كلماته التي تقطر أسى. "لا تكذبي إني رأيتكما معا ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عينِ كاذبةٍ. فأنكر وادّعى". وفي أحد الأيام ذهب لمصطفى أمين ومعه قصيدته، فاتصل بنجاة على أمل أن تغنيها، وألقاها عليها في الهاتف كامل الشناوي بصوت منتحب، وبعد انتهائه فوجئ برد بارد "الله حلوة قوى الأغنية", وكأنها لا تدري أنها كتبت فيها. وقد عبر الشناوي بقوله "إنها تحتل قلبي.. تتصرف فيه كما لو كان بيتها تكنسه وتمسحه وتعيد ترتيب الأثاث وتقابل فيه كل الناس.. شخص واحد تتهرب منه, صاحب البيت". ثم كتب قصيدته الرائعة التي غناها عبد الحليم حافظ: "حبيبها لست وحدك حبيبها أنا قبلك وربما جئت بعدك وربما كنت مثلك". وكانت آخر كلماته قبل أن يعانقه الموت يصف من خلالها حياته, التي لم يعد فيها ما يستحق الاهتمام بعد حب نجاة سوى الموت, قال فيها الشاعر الكبير: "ولكن أيامي اليوم قليلة, وانتزاع عام منها يشعرني بالفقر والفراغ والعدم فمنذ تجاوزت الأربعين وحدي, كما تجاوزت ما قبلها, لا صحة ولا مال ولا زوجة ولا ولد ولا صديق, ولكن علام نبكي الحياة, وماذا لو رحلت عنا أو رحلنا عنها, ما دام الرحيل هو الغاية والهدف". خجولة "صوت الأنثى الضعيفة الخجولة التي تخاف من البوح عما في عالمها الذاتي من أحاسيس", ولذلك لم يبخل الشاعر السوري نزار قباني على الصغيرة نجاة بأجمل ما كتب من قصائد، مثل: "أيظن"، و"متى ستعرف كم أهواك"، و"ماذا أقول له"، و"أسألك الرحيلا"، و"سيد الكلمات". نزار أهدى نجاة أولًا قصيدة "أيظن"، عبر رسالة بعثها إليها فشعرت بعد قراءتها، بأنها عثرت على كنز لا يُقدر بثمن، وعلى الفور لحنها موسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" لتخرج كتحفة فنية ولتحقق حضورًا ساحرًا في الأغنية العربية. ولكن نزار القباني عاتب الفنانة المصرية بعد نجاح "أيظن"، وأرسل إليها رسالة أخرى نشرتها مجلة "الإذاعة"، وكان نصها كالآتي:- "أيتها الصديقة الغالية.. لا أزال في آخر الدنيا.. أنتظر الشريط الذي يحمل أغنيتنا "أيظن" التي تعيش في الصحف.. وفي السهرات وعلى شفاه الأدباء.. وفي كل زواية في الأرض العربية. وأبقى أنا محروم من الأحرف التي أكلت أعصابي.. يا لكِ من أم قاسية يا نجاة .. أريتِ "المولود" الجميل لكل إنسان وتغنيتِ بجماله في كل مكان.. وتركتِ أباه يشرب الشاي في بكين؟! ويحلم بطفل أزرق العينين يعيش مع أمه في القاهرة.. لا تضحكي يا نجاة إذا طالبت ممارسة أبوتي، فأنا لا يمكن أن أقتنع بتلقي رسائل التهنئة ب "المولود" دون أن أراه.. فانهضي حالًا لدى وصول رسالتي، وضعي "المولود" في طرد بريد صغير.. وابعثي به إلى عنواني.. إذا فعلتِ هذا كنتِ أمًا عن حق وحقيقة.. أما إذا تمردتِ فسأطلبك إلى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنك تكرهينه" تظل نجاة محمد محمود هي "صغيرة الشاشة" كما لقبت ب"نجاة الصغيرة" لظهورها في عالم الغناء والفن في وقت صغير جداً من عمرها, وصوتها المتألق.