توقع آينشتاين قبل 100 سنة بأنه اذا تغيرت شدة الجاذبية في مكان ما من الكون بشكل مفاجئ - نتيجة انفجار نجم على سبيل المثال - سيؤدي ذلك الى انتشار موجات من الجاذبية في طول الكون وعرضه بسرعة الضوء وهي تمدد وتقلص الفضاء اثناء حركتها. ورغم الصغر المتناهي لهذه التمددات والتقلصات، تمكنت التقنيات الحديثة من رصدها وقياسها، وقد أعلن فريق علمي دولي عما وصفه باكتشاف مذهل في سعيه للحصول على فهم كامل للجاذبية، وذلك برؤية التواء الزمكان (الزمن والمكان) الذي حصل نتيجة اصطدام ثقبين اسودين من مسافة تتجاوز مليار سنة ضوئية عن الأرض - أي ان الاصطدام وقع قبل مليار سنة ونيف ولكن آثاره يتم الاستشعار بها الآن. ويقول الفريق الدولي إن الاستشعار بوجود موجات الجاذبية هذه تؤذن ببدء حقبة جديدة في علم الفلك، وتعد تتويجا لعقود عديدة من البحث والاستقصاء، وقد توفر في نهاية المطاف فرصة لمعرفة ما الذي حصل في "الانفجار الكبير" الذي افضى الى خلق الكون. وكان أينشتاين قد تنبّأ عام 1916 بوجود موجات الجاذبية كإحدى نتائج نظرية النسبية العامة التي وضعها، والتي وصفت الجاذبية كتشوّهٍ في نسيج (المكان والزمان) نتج عن وجود المادة، لكن لم يعثر العلماء طوال كل هذه الفترة من البحث العلمي المتواصل على سوى أدلة غير مباشرة على وجود موجات الجاذبية. إلا أن العلماء من الفريق الدولي أكدوا في مؤتمرهم العلمي الذي انعقد في واشنطن الخميس أنهم رصدوا موجات جاذبية آتية من ثقبين أسودين بعيدين، كانا يدوران أحدهما حول الآخر، ثم أخذا يتقاربان في مسار حلزوني حتى ارتطما وذاب كلاهما في الآخر. وقال العلماء إن الموجات التي تم رصدوها هي نتاج تصادم الثقبين الأسودين اللذين تبلغ كتلتهما نحو 30 ضعف كتلة الشمس، ويبعدان 1.3 مليار سنة ضوئية عن الأرض، أي أن الاصطدام وقع قبل أكثر من مليار سنة، ولكن آثاره باتت تُستشعر الآن، وتمكن المرصدان التابعان ل LIGO في الولاياتالمتحدة من رصد هذا الاصطدام بين الثقبين الاسودين، الذي أدى إلى انبعاث طاقة جاذبية تعادل 3 أضعاف كتلة الشمس. ويقول الفريق الدولي إن استشعار وجود موجات الجاذبية هذه يؤذن ببدء حقبة جديدة في علم الفلك، تعد تتويجا لعقود عديدة من البحث والاستقصاء، وقد توفر في نهاية المطاف فرصة لمعرفة ما الذي حصل في "الانفجار الكبير" الذي نشأ من خلاله الكون. وقال البروفيسور "دافيد رايتز"، المدير التنفيذي لمشروع LIGO، للصحافيين في واشنطن: "لقد تمكنا من اكتشاف موجات الجاذبية، وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الكون إلينا من خلال هذه الموجات، فقد كنا حتى هذه اللحظة لا نسمع أية أصوات من الكون". وقالت نرجس ماوالوالا عالمة الفيزياء الفلكية في معهد ماساتشوستس: "ما نشهده هو بحق فتح لأداة جديدة في علم الفلك. لقد أيقظنا حاسة جديدة، كنا نستطيع النظر والآن نستطيع السماع أيضاً". وقال البروفيسور كارستن دانزمان، من معهد ماكس بلانك لفيزياء الجاذبية وجامعة ليبنيتز في هانوفر بألمانيا، وهو الذي يترأس الجانب الاوروبي في تشارك LIGO، إن هذا الاكتشاف الجديد هو واحد من أهم التطورات العلمية منذ اكتشاف جزيئات هيغز ولا يقل أهمية عن اكتشاف تركيب الحمض النووي DNA. وقال دانزمان : "لا شك لدي في أن هذا البحث سيحوز جائزة نوبل. فهذه هي المرة الأولى التي تكتشف فيها موجات الجاذبية، والمرة الأولى التي يُكتشف فيها بشكل مباشر وجود الثقوب السوداء، وهي تأكيد لنظرية النسبية العامة التي وضعها آينشتاين، لأن صفات الثقوب السوداء تتفق تماما مع ما توقعه ألبرت آينشتاين قبل 100 سنة بالضبط". وقال ماثيو إيفانز الفيزيائي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "استمعنا فعلياً لصوت ارتطام الثقبين، وحصلنا على إشارة تصل إلى الأرض ونستطيع أن نضعها على مكبّرات الصوت ونستطيع الاستماع إلى صوت ارتطام هذين الثقبين الأسودين". وأكد البروفيسور البريطاني ستيفن هوكينغ، الخبير في الثقوب السوداء، أن الكشف الجديد يعد بمثابة لحظة فاصلة في تاريخ العلم، وقال هوكينغ: "موجات الجاذبية تتيح طريقة جديدة كليا للنظر إلى الكون، وقدرتنا على اكتشاف هذه الموجات ستحداث ثورة في علم الفلك؛ إن هذا الكشف الجديد هو أول اكتشاف لنظام الثقوب السوداء، وأول ملاحظة لثقوب سوداء وهي تصطدم وتتوحد، إضافة إلى أنه أثبت صحة النظرية النسبية لآينشتاين، وسيتيح لنا الكشف الجديد رؤية الثقوب السوداء من خلال تاريخ الكون، وقد نرى أيضا مخلفاتِ عملية خلق الكون من خلال الانفجار العظيم". يذكر أن القدرة على الاستشعار بوجود موجات الجاذبية ستتيح للفلكيين أخيرا استكشاف ما يطلقون عليه اسم "الكون المظلم"، الذي يشكل الجزء الأعظم من الكون والذي لا تمكن رؤيته من خلال التلسكوبات الضوئية المستخدمة حاليا. ولن تمكّن دراسة موجات الجاذبية العلماء فحسب من فحص الثقوب السوداء والأجسام الغريبة التي يطلق عليها اسم النجوم النيوترونية (وهي شموس كبيرة انهارت لتصبح بحجم مدن)، بل تمكنهم أيضا من النظر إلى أعماق الكون وإلى أزمان أبعد في الماضي، وقد تفضي في النهاية إلى تمكين البشر من استشعار لحظة خلق الكون في الانفجار العظيم.