بقلم/ صلاح بديوي كنت أتمني أن يتوقف المشير محمد حسين طنطاوي- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة- في كلمته التي ألقاها أمس، عند قراره بقبوله استقالة حكومة الدكتور عصام شرف، وتسليم السلطة في يوليو المقبل لرئيس مدني منتخب، لكن اختتم الرجل كلمته بعبارة استفزازية ما كان له أن يتفوه بها علي الإطلاق، عندما توجه بحديثه للثوار قائلا :"الذين يطلبوننا بترك السلطة فورا، أننا علي استعداد لأجراء استفتاء،وإذا ما قال الشعب لا.. لإدارتنا لأمور الدولة، فسوف نتخلى عن الحكم فوراً".
إذن المشير ورفاقه يطمعون في الاستمرار بالحكم هذا هو معني خاتمة كلمته، فالرجل ومن معه لم ينتخبهم شعب مصر، حتى يستفتونه علي وجودهم بالسلطة من عدمه، والمشير مع رفاقه تم تعيينهم لإدارة مصر من قبل الرئيس المتنحي حسني مبارك، والذي جاء للسلطة عبر انتخابات مزورة، كما أن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة يخلط بينه ورفاقه وبين جيشنا.
ونحن نري أن الجيش المصري هو جيش الشعب، وهو في قلوبنا وعقولنا، وأننا جميعا نعرف قدره تمامه ودوره وتاريخه ونفتخر به، لكن الخلط بين الجيش، وبين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرفوض.
ولأن هذا الخلط مرفوض، لابد وان نتوقف أمام ما قاله البطل الرائد احمد شومان، لأنه أوجز ما أود قوله، والمعروف أن احمد شومان لا يزال علي قوة الجيش حتى الآن، وانضم أمس لثوار التحرير بالموجة الثانية للثورة ،كما انضم إليهم في الأولي، وتمت محاكمته عسكريا، ثم صدر قرار من المشير بالعفو عنه، قال الرائد احمد شومان بالنص:"أن المجلس العسكري ليس الجيش والجيش هو الشعب".
وقال شومان :"أن الذين يريدون أن يمرروا مواد الدستور ويستقلوا بميزانية الجيش،يقومون بأخطر أمر تشهده الثورة ".
وأضاف:" أن المشير ليس رجل المرحلة.وان الثورة لا تعرف إنصاف الحلول، ومن يقمع الثورة أثم قلبه"، وأكد :"أن الشعب لم يجد حتى الآن خطاب يوحد قلبه".وقال البطل الرائد احمد شومان:" أن الشعب استقبلني لأني رجل جيش ومعظم ضباط الجيش ضد ما يحدث الآن".
ولقد تحدث المشير بلغة مرفوضة تحمل في طياتها، غطرسة وتهديدات للشعب، لم نعهدها في المشير من قبل، وهو أمر مؤسف يعيدنا إلي المربع الصفر، تلك اللغة التي تحدث بها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أشعلت نيران الغضب في كافة أرجاء مصر، وتسببت في نقمة جماهيرية غير مسبوقة ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي بات الأعضاء به يتمرسون الآن خلف قيادتهم لجيشنا، وخلف تاريخه.
ولقد تجاهل المشير طنطاوي تلك المجزرة الدموية التي ارتكبها ورفاقه ضد أبناء الشعب، وراح ضحيتها أكثر من 28شهيداً، إضافة إلي مئات الجرحى، بعد أن فتحت عليهم عناصر إجرامية أمنية الغازات السامة الممنوعة دوليا.
وللأسف بدأ المشير ورجاله، يتبعون أسلوب الرئيس المتنحي حسني مبارك ،وذلك عبر التلاعب في سرعات الانترنت، وإطلاق إشاعات بأنهم سيفصلون الشبكة عن مصر، وينشرون شبكات البلطجية في شتي مناطق الاحتجاجات، إلي جانب إطلاق إعلامهم لكي يشوه سمعة الثوار، ولا استبعد أن يقوموا خلال الساعات المقبلة بتهريب فلول النظام السابق، والضباط القتلة من السجون.
وهذا الأسلوب لن يكون مصيره إلا الفشل الذريع، إذا ما أضفنا إليه استمرار الأوضاع علي ما هي عليه في مصر،منذ تفجرت ثورة 25يناير المجيدة، وأضفنا إليه تكبد الاقتصاد المصري خسائر فادحة نتيجة الأخطاء الفادحة التي ارتكبها المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وكما قلنا من قبل مرارا ،إننا كثوار ننظر إلي المواقع القيادية في كافة مرافق الدولة ،ووزاراتها ،وهيئاتها، وأجهزتها، ومؤسساتها الإعلامية العامة والخاصة،ولا نري إلا...فلولا تتحكم في كل صغيرة وكبيرة بتلك الجهات الحيوية، تلك الفلول هي الطابور الخامس والصف الثاني لنظام الرئيس المتنحي حسني مبارك.
لقد ابعد رجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، شرفاء الثورة والوطن عن تولي أية مناصب، واستعانوا بعناصر اعتبروها مطية،اتخذوا منها ستارا ،ليمارسوا من خلالها، طغيان مبارك ،وديكتاتوريته، والمضي علي نهجه وسياساته، من خلال التفويض الذي منحه حسني مبارك لهؤلاء الجنرالات ليمارسوا تلك السياسات الفاشلة ، وينتقموا من الثورة والثوار انتصارا لحكم مبارك.
لقد دفع النظام بعناصر من رجال الأمن في أزياء مدنية إلي ميدان التحرير وعددا من الميادين بمختلف إرجاء الجمهورية قبيل أن يلقي المشير طنطاوي خطابه ،وفور انتهاء سيادته من اللقاء هذا الخطاب ،فوجئ الثوار بتلك العناصر تنسحب من ميدان التحرير ،ومختلف الميادين ،محاولة جر الثوار وراءها وإقناعهم بان المشير الذي صمت أياما ...لبي ما يريدونه في خطابه ،إلا أن الثوار كشفوا هذا الملعوب،وردوهم خائبين.
والعبد لله إذ يميل إلي استقرار وطننا ،والعمل علي حل تلك الأزمة في هدوء،لاسيما وان بلادنا مقبلة علي انتخابات برلمانية خلال الأيام القليلة المقبلة ،نناشد المشير محمد حسين طنطاوي أن كان صادقا فيما قال ،أن يأمر بالتحقيق الفوري مع الضباط والجنود الذي قتلوا الثوار من جديد،وإحالتهم لمحاكمة عسكرية عاجلة بتهمة القتل العمد،وتعويض أسرهم، وإعلان الحداد العام علي شهداء ثورة 25يناير المجيدة، إضافة إلي تشكيل حكومة إنقاذ وطني تمنح لها صلاحيات كاملة تقود المرحلة الانتقالية المتبقية،وأتصور أن هذا الحل من الممكن أن يضع نهاية للموجة الثانية من الثورة المصرية ،ويحقق مطالبها ،وان يحفظ للقوات المسلحة هيبتها في عيون الناس.
وأصوات رصاصات رجال الشرطة وقنابلهم القاتلة،التي تستهدف بها الثوار، تتنامي إلي مسام العبد لله علي الهواء مباشرة عبر التلفاز، تتنامي إلي أسماعنا، بينما نكتب تلك المقالة ، فأننا نحذر السادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بأن الغضب يعم مصر ومؤسساتها ،ومن بينها الجيش ذاته جراء ما تعرض له الثوار من اعتداءات دموية ووحشية ،وجراء سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفاشلة علي مدار الشهور الطويلة الماضية .
أن تلك الاعتداءات المشار إليها نعتبرها، هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وأنهت تماما أي تعاطف كان يتبقي لدي أي إنسان مصري شريف تجاه سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،والتي نبرئ شرفاء جيشنا منها ،وليس من جيشنا من يطلق النار علي الشعب وحسابه سيكون عسيرا.