بقلم/ صلاح بديوي تابعنا بالأمس، ولليوم الثاني على التوالي، الاعتداءات الهمجية التي شنتها تشكيلات إجرامية تابعة لجهازي الشرطة العسكرية والمدنية، ومن خلال تلك الاعتداءات تم استهداف جموع الثوار بميدان التحرير بقلب العاصمة القاهرة. ولقد رأينا بأم أعيننا فوق شاشات التلفزة، رجال الأمن يضرمون النيران في الخيم وفي عرباتهم وعربات المواطنين، وهم يحاولون فض تظاهرات واعتصامات الثوار بالقوة، ليتمكنوا بعد ذلك من تلفيق اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان لهؤلاء الثوار، وتلك سياسات قديمة لوزارة الداخلية درجت على استخدامها ضد خصوم نظام مبارك على مدار العقود الماضية. إن توريط أبناء الجيش المصري في العدوان على الشعب وثواره مرفوض لأي سبب، ونوع من اللعب بالنار، وعربدة وبلطجة، يتحمل مسئوليتها، من أصدروا الأوامر لتلك العناصر الأمنية؛ لضرب الشعب بالرصاص، ولقد أطلقت قوات الأمن وقناصتها قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وخرطوش وحي. ولاحظنا من خلال الصور التي وصلتنا أن قنابل الغاز، أو الرصاصات تمت عمليات مسح لكل الكتابات الموجودة فوقها، بحيث يتم طمس معالم الجريمة، إلا أن عناصر من الثوار قالت لنا، إنها شاهدت الرصاصات تنطلق من مديرية أمن الإسكندرية فتردي شابا قتيلا على الفور، بعد أن فجرت رأسه أمامهم، وهو ما تكرر في التحرير خلال فض التظاهرات بالقوة. والغريب أن مجلس الوزراء أصدر بيانا بدون حياء أو خجل يقول فيه إن قوات الأمن لم تطلق النيران على المتظاهرين، إذن من الذي أطلق النيران، وقتل وأصاب أكثر من ألف مواطن خلال اليومين الماضين. والملفت للانتباه هنا أن التكتيكات التي اتبعتها قوات الأمن على مدار اليوميين الماضيين، هي نفس الخطط الإجرامية التي نفذتها قوات الأمن أيام حبيب العادلي، عندما فتح قناصتها وجنودها النيران على الثوار في ميدان التحرير، وغالبية ميادين مصر. وهو ما أدى لوقوع أكثر من ألف شهيد على مدار 18 يوما من أيام الثورة المصرية، الرصاصات هي نفسها، وقنابل الغاز هي نفسها، والقناصة هم أنفسهم، ربما الآداء هو الذي تطور والوسائل، فباتت الشرطة تستعين بنظيرتها العسكرية، وتستخدم قنابل غاز أو دخان لا يرى آثارها الثوار. إنما يشعرون بالإثار عندما تسقط بالقرب منهم، وهي قنابل تم استيرادها من الولاياتالمتحدةالأمريكية في الآونة الأخيرة. ولقد شعر الشعب المصري باستفزاز كبير، وشعرت قواه الحية بنذر الخطر، وأن معالم نظام حكم جديد يتشكل، ويحاول أن يغتصب السلطة، ويمضي على نفس المنهاج الذي مضى عليه نظام حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. وربما يعود هذا الاستفزاز لارتفاع أعداد الجرحى والقتلى خلال اليومين الماضيين، حيث تجاوز عدد القتلى الستة أفراد، وعدد الجرحى الألف شخص، من بينهم العشرات الذين أصابهم الخرطوش في عيونهم، بعد أن تعمدت قوات الأمن توجيه بنادقها الرشاشة إلى تلك العيون، وهي تحاول فض التظاهرات، وكلنا يعرف أن أي نظام يريق دماء شعب، يعني أن نهايته قد اقتربت وباتت وشيكة. والعبد لله يعلنها بوضوح، أن الشعب هو القائد وهو المعلم، وأن العدوان على الشعب بهذا الشكل السافر لن يمر، ويجب أن يدفع المعتدون الثمن، لذا فإن كاتب هذه السطور يؤكد على المستوى الشخصي أن صبره بدأ ينفد ضد بلطجة من يديرون الأمور في وطننا. وأن تأييدنا للقوات المسلحة، وصبرنا على المجلس، ليس بتأييد مفتوح، وإنما له حدود، فهذا المجلس لم يحل أية مشكلة حتى الآن، وترك المظالم في كل مكان، ومن الواضح أن قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد تعدوا حدودهم، ومن الواضح أن مخزون صبرنا على سياساتهم يوشك أن ينفد نهائيا، ومن الواضح أن صبر أبناء مصر جميعا على وشك النفاذ إن لم يكن قد نفد بالفعل. وإن كانت الأنباء التي ترددت بوجود تذمر في مجلس الوزراء وتلويح باستقالة المجلس ورئيسه صحيحة، فإن ذلك يدعم ما نقوله، ويجسد بالفعل حالة الاحتقان التي وصلت إليها الأمور في بلادنا. والملفت للانتباه أن وزير الداخلية الذي صدر إليها التعليمات من قادة الجيش بسحق ثوار التحرير بالتعاون مع الشرطة العسكرية، بعد أن نفذ فعلته الآثمة، هرع مع بقية أعضاء مجلس الوزراء إلى مقر وزارة الدفاع المصرية؛ لكي يلتقي سيادته مع من أصدروا إليه الأوامر بفتح النار على المتظاهرين السلميين. وفي نهاية الاجتماع خرج علينا شركاء الإثم الذليل ببيان، يقولون فيه إن الانتخابات البرلمانية ستجري في موعدها، وذلك في محاولة منها لاحتواء أية تحركات جماهيرية أخرى يمكن أن تنضم للثوار. لقد بات بالشارع المصري رأي عام مسيطر، يشير إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تحول من قائد للثورة إلى قائد للفلول، وأن الأعضاء فيه، هم في الواقع رجال حسني مبارك وتلاميذه. وأن ما نراهم يصدرونه إلينا، هو عبارة عن أفلام هليودية، تتضمن محاكمات صورية يكتسبون من خلالها مزيدا من الوقت، مقابل تمكين الصف الثاني من فلول مبارك ليسيطروا على كافة مرافق الوطن الحيوية، وذلك حتى تلملم الشرطة المصرية أشلائها، وتستعيد عافيتها، إلى جانب الشرطة العسكرية ليتوليا معا، اجتثاث تداعيات الثورة، واحتواء الثوار. وعندما نحاور أصحاب هذا الرأي، ونحاول أن نبين لهم دور الجيش وقياداته منذ تفجرت الثورة، وحتى الآن في حمايتها والدفاع عن مكتسباتها، ومحاولة تحقيق مطالبها، يتقدمون إلينا بوقائع مخجلة وواقع مذري أوصلنا إليه من يديرون بلادنا الآن. والعبد لله هنا لا يريد أن يعدد المكاسب الطائلة التي تحققت منذ قيام الثورة، وأن يشير لبدء تنفيذ خارطة تسليم السلطة للشعب، بعد أسبوع من الآن، حيث تجري الانتخابات البرلمانية، ومن الممكن أن تستكمل حكومة الثورة المنتخبة بقية الخطوات. مرة أخيرة، نطالب المشير محمد حسين طنطاوي، أن يبادر بإقالة وزير الداخلية، ورئيس جهاز الشرطة العسكرية، والتحقيق مع من قتلوا وأصابوا المتظاهرين خلال اليومين الماضيين، وإحالتهم إلى محاكمة عاجلة. ونطالب أيضا بالتوقف عن استخدام القوة ضد أي متظاهرين سلميين، إذ نكتب ذلك نشير إلى أن الأنباء التي وصلتنا ببدء خروج تظاهرات عارمة بعدد من المحافظات من بينها المنيا، والإسكندرية، والسويس؛ احتجاجا على ما حدث بميدان التحرير. كل ذلك يجعل تلك المطالب أمرا مُلحًّا من أجل احتواء غضبة الشارع المصري، والذي من الممكن أن يقلب الطاولة على الجميع، سواء كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو الأحزاب، والحركات السياسية والشعبية.