«رضوى عاشور» تحمل شعلة تكريم جديدة لمبدعات مصر

إنعام وسامية ومحبوبة وعبلة .. أبرز المكرمات
المرأة كتبت أول قصة ورواية عربية .. ودورها النضالي ظل رائدا
حسام عقل : من يسد فجوات النقد والإعلام والنشر بعالم الإبداع؟!

"أكتب لأنني أحب الكتابة.. لأن الحياة تدهشني، تشغلني، تربكني.. وتخيفني.. وأنا مولعة بها" ، هي تكتب لان الموت قريب والصمت يزيد وحشتها، والبوح يفتح بابا لتذهب للآخرين، للبراح، أو يأتون إليها. الكتابة تأتيها من تلقاء نفسها ، فلا يتعين عليها سوى ان تفسح لها المكان ، أهلا "مرحبا" .. هي المحاربة الشجاعة ضد دوامات النسيان، تغزل الكلمات في نسجية عربية أصيلة، وتنقل أحمالنا المتراكمة على بساط الحروف، تروي أيامنا ، جميلها ومروعها .. تؤمن أن الحكاية لا تموت وهي تروى.. رحلت رضوى عاشور ولم يزل صوتها حاضرا مخلدا حول العالم .

كانت تلك بعض تداعيات إهداء ملتقى السرد العربي دورته الأدبية حول "المرأة والسرد بعد ثورة 25 يناير" لاسم الأديبة المصرية رضوى عاشور؛ وقد انطلقت مساء أمس جلستاه النقديتان وأعقبتهما أمسية شعرية، كما شهدت الأمسية تكريما لعدد من المبدعات العربيات، بمجالات الثقافة والأدب والإعلام.
ترأست جلسات الملتقى د. سامية خضر، رائدة الدراسات الاجتماعية، فيما باشر الناقد الأكاديمي البارز د. حسام عقل أمانة المؤتمر، وجاء كل من الشاعرين السعيد عبدالكريم وعبدالله الشوربجي كمنسقين للأمسية الشعرية التي أعقبت الجلسات الأولى، وتولى الإعلامي جمال عاشور أمانة الإعلام.

ول"محيط" أكد د. حسام عقل، أمين الملتقى، أن رضوى عاشور لم تكتف بدورها الأكاديمي الكبير، ولكنها انطلقت كناشطة سياسية وثقافية وناقدة وأديبة ، وشاركت بعضوية عشرات اللجان وقدمت كتابات هامة ترجمت للغات العالم، وقد بلغت ذرى الإبداع منذ وقت مبكر، حينما اتجهت لبلاغة المقموعين ، فكانت ضمن المتصدرين للتعريف بالأدب الإفريقي والفلسطيني، وغيره من عوالم الكتابة التي ظلت مهمشة لوقت طويل، كانت رضوى هي من تذكرنا بغسان كنفاني، ويعد كتابها "التابع ينهض" خلاصة فلسفية أخلاقية حول القارة السمراء وإبداعها .

رضوى أيضا لم تكتب بصوت نسوي يعزف على وتر القهر الجنسي، ولكنها انطلقت لرحابة الإبداع الإنساني، فعبرت عن هموم المرأة والرجل، هموم أمة بأسرها وكانت صوت من لا صوت لهم ، وهذه براعة الأدب، الذي يصنع ما تعجز عنه السياسة أحيانا. كما انحازت رضوى للثورة المصرية منذ اندلاعها وبكل قوة، ولهذا اختارها الملتقى لتكون عنوانا لدورته .

واعتبر "عقل" أن جيلا من المبدعات المصريات ينتظر تكريما وحفاوة نقدية حقيقية، وأنه من الظلم أن نتهم إبداع المرأة بافتقاد الحنكة السردية لمجرد كونها امرأة، فهناك كاتبات تمكن من ناصية اللغة وانطلقن لفهم المدارس النقدية والسردية المختلفة، والكتابة عندهن فعل جاد وإبداعي خلاق.

وغياب المبدعات المصريات عن مشهد الجوائز العربية، باستثناءات قليلة، هو أمر راجع لضعف قدرات بعض الناشرين، وأحيانا تفتقد المبدعة للعلاقات بمجال الثقافة والنشر، وتكمن المشكلة الأكبر برأي الناقد البارز في غياب حركة نقدية وإعلامية موازية للحركة الأدبية، تفند الغث ، وتلفت الأنظار للنجوم القادمة على الطريق، وأكد أن "ملتقى السرد العربي" الذي يرأسه يسعى لأن يكون أحد ساحات سد تلك الثغرة التي تقف أمام المبدعين من شتى أقطار العالم العربي.

وقد تخلل الملتقى الذي شهد حضورا كثيفا من الكتاب والإعلاميين والأكاديميين بمقر المنتدى الثقافي المصري بالقاهرة، عرض فيلم تسجيلي قصير عن رضوى عاشور ورحلتها مع الكتابة، وتاريخ ملتقى السرد العربي الذي انطلق قبل ثلاث سنوات.

وأكد د. حسام عقل بكلمته بالملتقى أن أول من أبدع القصة القصيرة كانت امرأة وهي لبيبة هاشم صاحب قصة "قلب الرجل، ثم جاءت امرأة لتستهل مسيرة الرواية العربية فأبدعت عائشة تيمور "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" ، مع مطلع القرن العشرين.

وقالت د. سامية خضر أن المرأة المصرية منذ فجر التاريخ تضرب المثل بالمشاركة الفاعلة في شئون المجتمع، وتنويره، فقد جمعت إيزيس أشلاء زوجها لتضرب مثلا بوحدة الأرض، ومن ينسى الملكة حتشبسوت ومواقفها ضد الغزاة، والقديسة دميانة التي رفعت شعار الخلاص من الظلم ، وشجرة الدر التي وقفت بوجه الصليبيين، ونساء مصر اللاتي جمعن أواني النحاس ليصنع المقاومون الذخيرة ضد المستعمرين، ووقوفهن المشرف ضد المحتل الإنجليزي البغيض في ثورة 1919 وما تلاها من أحداث، ومواقف هدى شعراوي ونبوية موسى وصفية زغلول ، ودور الرائدات التنويريات أمينة السعيد وفاطمة اليوسف ومي زيادة والمنتجة آسيا، ودور أم كلثوم التي جمعت العرب والعالم على حب مصر، وغيرها الكثير من النماذج لنساء مصر المبدعات.

من جانب آخر، عبرت "خضر" عن سعادتها بالدور الرائد الذي يضطلع به ملتقى السرد ود. حسام عقل، والذي يقوم بمقام مؤسسة ثقافية كبرى تجمع المبدعين من شتى ربوع العالم العربي بإمكانات محدودة للغاية ومثابرة بلا حدود.

شهد الملتقى مناقشة العديد من الأعمال الروائية والقصصية النسائية، حيث ناقش د. عايدي جمعة أستاذ النقد الأدبي رواية "لعبة الظلال" لمنى عارف؛ حيث ضياع أحلام جيل أكتوبر وضرورة استعادتها، وناقشت الروائية فاتن فاروق أحدث روايات الكاتبة الصحفية والأديبة نادية كيلاني والتي تدور بفضاء الفيس بوك والتماعات الأماني الكاذبة والفراغ المحبط، فيما ناقشت الكاتبة رانيا مسعود رواية "مذكرات أخصائية اجتماعية في المدينة" لمديحة أبوزيد، وأخيرا ناقشت د. عبير عبدالله أحدث روايات سارة كرم "مذكرات تسعينية" .

وجاءت المخرجة إنعام محمد علي صاحبة سلسلة الأعمال السينمائية والدرامية الهادفة بين أبرز مكرمات الملتقى، كما تم تكريم الصحفية الفلسطينية محبوبة هارون أول مراسلة بالقاهرة، وتكريم د. سامية خضر رئيس الملتقى لإسهاماتها البارزة بمجالات الاجتماع والأدب، والكاتبة الإذاعية الرائدة عبلة الدجاني ، والروائيات أمينة زيدان ومنى عارف وضحى عاصي وسارة كرم وشيماء زايد ، وتم تكريم من الإعلاميات كاتبة السطور وإنجي مصطفى وشاهيناز فواز، كما تم تكريم الفنانة التشكيلية زينب منهي لدورها الرائد بمتحف طه حسين، والمعمارية سهير عثمان التي مثلت مصر دوليا، والشاعرة نوال مهنا صاحبة الباع بالإدارة الثقافية النشطة.