ظل مرشحو الحزب الوطنى المنحل متربعين على عرش مقاعد مجلسي الشعب والشورى فى مناطق معينة لم يكن غيرهم قادر على الفوز فيها أبرزها عزبة خيرالله وعزبة الهجانة ودار السلام ومناطق أخرى شبيهة بمثل هذه المناطق . والسبب الوحيد في ذلك هو سوء الأحوال المعيشية لأهالي هذه الدوائر فى ظل استخدام مرشحي الوطني المنحل الرشاوى المالية لضمان أصوات الناخبين , حتى وصلت قيمة المبالغ التي يتقاضاها الناخب في هذه الدوائر إلى 50 جنيه وأحيانا تصل إلى 100 جنيه فى بعض الأوقات . حاجة أهالى هذه المناطق إلى الأموال كانت العامل الوحيد وراء موافقتهم على بيع أصواتهم لمن يدفع أكثر , هذا ما أدى إلى سقوط مرشحين أكثر وطنية وقوة من مرشحي الوطني المنحل فى هذه الدوائر أمام أقوى سلاح فى هذا الوقت وهو "المال" . ولكن بعد ثورة 25 يناير المجيدة ومع استمرار فلول الوطني المنحل فى ترشيح أنفسهم في نفس الدوائر هل ستنجح سياسية المال هذه الدورة تحديدا وهى الدورة التي ينتظرها العالم كله ليس الشعب المصري فحسب لمعرفة من هو التيار الذي سيكتب الدستور المصري ؟ هذا هو السؤال الذي طرحته شبكة الإعلام العربية "محيط" على أهالي بعض هذه المناطق وكانت ردودهم ما بين رافض للفكرة حفاظا وكرامة لدماء شهداء الثورة وبين مؤيد له بسبب الحاجة الماسة لبضعة جنيهات . لا للفساد في منزل من طابق واحد أمامه أمتار من مياه الصرف الصحي التي ملأت جدران المنطقة بسبب انهيار اغلب البينة التحتية بمنطقة مصر القديمة، وتحديدا فى شارع يدعى مسعود القط سألنا الحاج ناصر عبد النبي البالغ من العمر 56 عاما والذي يعمل حسب قوله "على باب الله" هل إذا عرض عليك أموال في الانتخابات المزمع إجراءها أواخر الشهر الجاري مقابل التصويت لمرشح معين ستوافق أم ماذا سيكون جوابك ؟ . رد الحاج ناصر بصوت خافت ، وقال "اللى كان بيخلى شباب المنطقة هنا فى مصر القديمة يأخذ فلوس مقابل انتخاب مرشحي الحزب الوطني فى الدورات السابقة هو حاجاتهم للفلوس، خاصة وأن اغلبهم عاطل عن العمل وكان الشاب من دول فى أيام الانتخابات كان ممكن يطلعلو ب 200 او 300 جنيه من كل المرشحين اللى بيشتروا الناس بالفلوس وكان هم أولى بهم". واستكمل الحاج ناصر قائلا :" ان هذه الدورة تحديدا وخاصة بعد الثورة "اللى إحنا لحد دلوقتى حتى مش استفدنا من وراها بأي حاجة" لن يجرؤ أى مرشح سواء من الوطني المنحل أو من أى حزب آخر أن يرشى الناس ويدفع لهم المال مقابل أصواتهم لكى ينجح ويدخل البرلمان والسبب فى ذلك هو ان المجلس القادم لن يكون به فساد مثل الذي قبله وقبله خاصة بعد الثورة ولن يستفيد أعضاؤه من وراءه مثل الذي مضى . الغلابة كتير شاب من نفس المنطقة عمره 28 عام يدعى أسامة سيد حاصل على بكالوريوس آداب قسم تاريخ و يعمل " كاشير" فى مطعم مأكولات جاهزة انفعل بمجرد ان سألناه هل سيبيع صوته لمن يدفع أكثر حيث كان رده بعنف" يعنى أنت جاى تتكلم على 20 ولا 30 جنيه الناس بتاخدهم من غلبها وقلة حيلتها ومش بتتكلم على العيال بتوع التحرير اللي بياخدوا فلوس قد كدة وفيهم واحد بعد ما سافرت وراحت وجت رايحة ترشح نفسها فى مصر الجديدة الناس لسه مش لاقيه تأكل والغلابة كتير والثورة ماعملتش أي حاجة غير إنها زودت هموم الفقير والشباب المتعلمين كتير وكل واحد فيهم شغال شغلانة بعيدة عن دراسته وأنا واحد منهم " لساني وقتها توقف عن الرد عليه , وجهه كان يملأه الضغوط و غياب للأمل , ثم تركنى وذهب دون أن يسترسل حديثه . اللعب بلقمة العيش السيدة طاهرة محمد سعيد المشهورة "بأم عامر" كان حديثها أكثر منطقية عن غيرها , فقد قالت إن ما يقوم به أصحاب "الدقون" فى إشارة منها إلى الإسلاميين لا يختلف كثيرا عن الفلوس التي كان يدفعها مرشحي الوطني سابقا , فهم الآن يقومون بتوزيع أكسية على البيوت وأيام عيد الأضحى كانوا يوزعون اللحوم باسم المرشحين وفى مطلع شهر رمضان كانوا يمرون على المنازل ويوزعون أكياس شهر رمضان , والناس كانت تأخذ منهم هذه الأشياء لحاجتهم إليها , فما الفرق هنا بين توزيع الملابس واللحوم والأرز والسمنة وتوزيع الفلوس .. حديثها كانت منطقيا وكان سؤالي لها ماذا تعتقدين انه الحل ؟ قالت " الأول الكبار يصلحوا نفسهم ويبطلوا يلعبوا بلقمة العيش والغلابة وساعتها محدش هيطلب فلوس . المشكلات التي يعانى منها أهالي هذه المناطق الفقيرة كلها تتوقف على قلة الموارد المالية الداخلة للأسر هناك فضلا عن انهيار البنية التحتية بالكامل فى هذه الدوائر وعلى رأسها انهيار مرافق الصرف الصحي وانخفاض مستوى المستشفيات ومستوى المدارس وارتفاع معدل التضخم السكاني بها وزيادة الشباب العاطلين عن العمل وسط زيادة الشباب الحاصلين أيضا على مؤهلات دراسية عليا , فقد اجمع اغلب سكان هذه المنطقة على حاجتهم إلى إصلاح ما تم إفساده من قبل أكثر من حاجتهم إلى الأموال ولكن ذلك لا ينفى حصولهم على ما هو يعادل رشاوى مرشحي الوطني المنحل من التيارات الإسلامية . ضغوط على الفقراء الدكتور عادل الجيار الباحث الاقتصادي والاجتماعي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية رجح انه فى حالة عرض اى مرشح لرشاوى انتخابية في مثل هذه الدوائر فسيتقاضوها ولن يترددوا , خاصة فى ظل استمرار الضغوط التي تفرض على هؤلاء المواطنين وأزمات مالية دائما ما تعصف بهم , لافتا إلى أن الأزمة تكمن في استمرار وجود فلول الوطني المنحل فى دوائرهم وهم بطبيعة الحال اعتادوا على مثل هذه السياسة لحصد اكبر نسبة من المقاعد فى البرلمان.