قال أحد القيمين على التظاهرات التي يقودها المجتمع المدني في لبنان ضد فساد الطبقة السياسية وأدت في اليومين الماضيين الى سقوط عشرات المصابين في صدامات مع الامن، أن التحرك الاحتجاجي مستمر حتى "استقالة الحكومة واجراء انتخابات نيابية"، مشددا على العمل لإبعاد "العناصر غير المنضبطة" التي تعمل على تشويه التحرك. من ناحيتهما، رأى استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية والمحلل السياسي، الدكتور طلال عتريسي، والمحلل السياسي اسعد بشارة، ان التحرك المطالبي أثبت ان هناك مجموعة لبنانية خارج الاصطفافات الحزبية والطائفية الحالية، لكنهما شددا على ضرورة أن يتمسك القيمون على التظاهرات ب "مطالب واقعية" حتى لا يفشل التحرك أو يتم استغلاله من بعض الجهات السياسية. وأكد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أمس الاحد في مؤتمر صحافي استثنائي في السراي الحكومي ببيروت على مقربة من المتظاهرين، أن كل المسؤولين عن استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين اللبنانيين (السبت) بالقرب من السراي "ستتم محاسبتهم ولن أحمي احدا"، ولوّح الى امكانية استقالته، واصفا القوى السياسية في البلاد بأنها "نفايات سياسية". وكان آلاف من المتظاهرين، تجمعوا خلال اليومين الماضيين وسط بيروت، على مقربة من مقرّي الحكومة والبرلمان، بدعوة من حملة "طلعت ريحتكم" (في إشارة إلى أن فساد المسؤولين الحكوميين والسياسيين يشبه رائحة النفايات المتراكمة في الشوارع)، وبمشاركة عدد من الفنانين والإعلاميين اللبنانيين، منددين ب"فساد" المسؤولين اللبنانيين، ومطالبين ب"إسقاط النظام". وشهد الحراك صدامات مع القوى الأمنية اللبنانية التي واجهت المتظاهرين بالعصي والهروات وخراطيم المياه والرصاص الحي والمطاطي بشكل غير مسبوق، ما أدى الى وقوع عشرات الاصابات. وسبق أن أطلق ناشطون صفحة على موقع "فيسبوك"، مقرونة بوسم "طلعت ريحتكم"، واحتل مركزًا متقدمًا على قائمة التداول عبر "تويتر" أيضًا، كما ارتفع عدد المعجبين بصفحة التحرك على "فيسبوك" من 6000 الى اكثر من 100 ألف خلال ايام قليلة. يذكر أن أزمة النفايات في بيروت، دخلت شهرها الثاني في ظل غياب الحلول الجذرية، وتزايد مخاوف اللبنانيين من إعادة انتشارها في شوارع وأزقة العاصمة، مع اعتماد الدولة لحلول مؤقتة، تقضي بنقل النفايات من الحاويات الكبرى إلى مكبات مؤقتة، تهدد الصحة العامة، بحسب مصادر طبية. وما إن انتهى سلام من مؤتمره الصحافي حتى بدأ المعتصمون بالقرب من السراي الحكومي يهتفون "ارحل"، معتبرين ان عليه الاستقالة طالما هو عاجز عن حل المشكلة. وتجددت أمس حالات "قمع" للمتظاهرين، بحسب تعبير ناشطين، وتخللها اعمال شغب من قبل بعض من وصفهم القيمون على التظاهرات بأنهم "مندسون" وجرى اتهامهم بأنهم عناصر محسوبة على "حركة امل" الشيعية التي يقودها رئيس البرلمان نبيه بري، حليف "حزب الله"، وهو الامر الذي نفته "أمل" في بيان رسمي صادر عنها. وقال علي سليم، احد مؤسسي حملة "طلعت ريحتكم"، ل "الاناضول"، انه تم تأجيل التظاهرة التي كانت مقررة بعد ظهر اليوم الإثنين "خوفا من ان تخطف العناصر غير المنضبطة التحرك وتشوه التظاهرات". وأوضح سليم ان هذا لا يعني "اننا سنلغي تحركاتنا على الارض، بل سنستمر حتى تنفيذ مطالبنا. لكننا نتشاور مع باقي مجموعات المجتمع المدني ونتواصل مع القوى الامنية لحماية تحركاتنا من العناصر غير المنضبطة"، في اشارة الى مجموعات منظمة اخترقت التظاهرة امس واشتبكت مع عناصر الامن خلافا للتوجه العام للمتظاهرين. لكن سليم شدد على ان ذلك لا يعني "تبرير استخدام الامن للعنف يوم السبت الماضي. يومها لم يكن هناك من عناصر غير منضبطة ومع ذلك استخدم بوجهنا الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيّل للدموع والمياه". ورأى ان "هذا العنف المستخدم وكذلك ارسال عناصر غير منضبطة لاختراق التظاهرة كان ردا واضحا وبقرار سياسي من السلطة السياسية لإفشال التحرك". واضاف، "نعرف ان المشكلة سياسية وليست بيئية. هي ازمة سياسية ومحاصصات وفساد بين فريقي 8 آذار (الذي يقوده حزب الله والداعم لنظام بشار الاسد) و14 آذار (الذي يقوده تيار المستقبل ومؤيد للثورة السورية)"، وشدد على انه نتيجة لذلك فإن "سقفنا واضح وهو اسقاط الحكومة ونحن حاليا نرفع مطلبين وهما: استقالة الحكومة، واجراء انتخابات نيابية". واضاف ان حل ازمة النفايات "لن يحل الازمة السياسية وبالتالي لن نوقف تحركنا". لكن هذه النقطة بالذات يبدو انها نقطة خلاف مع الاستاذ الجامعي طلال عتريسي، الذي قال ل"الاناضول"، ان "أسوا ما يمكن ان يواجهه هذا التحرك هو تحوله نحو تهديد موقع رئيس الحكومة بما يعنيه من موقع سني وكذلك رفع شعارات غير واقعية مثل شعار اسقاط النظام". واضاف "أخطأ المتظاهرون بأنهم لم يحددوا هدفا واضحا وواقعيا". واشار إلى ان "خلفيات هذا التحرك تعود الى الحالة المزرية التي وصلت اليها البلاد من تراجع غير مسبوق في الخدمات كافة ومن فشل في حل مشكلة النفايات التي تهدد صحة المواطنين ومن عجز المؤسسات الدستورية"، ولفت الى ان "هذه الحالة من الاحتقان ادت الى انفجار غير متوقع في التظاهرات التي شهدها وسط العاصمة قبل يومين". لكنه لم يجزم بأن ذلك سيؤدي الى حالة من التغيير، واضاف انه "من المبكر الحكم على ذلك ويجب انتظار كيفية ادارة المتظاهرين لهذا الملف للحكم على ذلك". واضاف انه "في كل الاحوال نجح التحرك في تحريك المياه الراكدة في بيئة الاعتراض الاجتماعي التي كانت منقسمة طوال السنوات الماضية... لكن الانتقال الى مرحلة جديدة تؤسس فعليا لتجاوز الانقسام السياسي الى توحد حول قضايا اجتماعية ومطلبية يحتاج الى قيادة لهذا التحرك وهذا يبدو مفقودا لغاية الآن". وتطرق عتريسي الى المواجهات التي حصلت بين القوات الامنية والمتظاهرين فرأى انه "بعدما نجح تحرك المجتمع المدني في تشكيل حالة شعبية موحدة، جاء هذا القمع ليؤكد الى حد بعيد ان هناك تخطيطا لتشويه هذا التحرك من خلال تحويله الى اعمال شغب وصارت هذه الاعمال هي اولويات وسائل الاعلام بدل التركيز على فساد الطبقة السياسية". ورأى ان كل فريق سياسي "صار يريد استخدام هذا التحرك للتبرؤ من تقصيره". واعتبر عتريسي أنه "جرى اختراق التحرك من قبل جماعات من قلب التظاهرة ومن الخارج عبر الاعلام احيانا الذي لعب دورا ما. فهناك اعلام تابع لامل وحزب الله نقل التحرك بخجل او تغاضى عنه، بينما اعلام محسوب على "14 آذار" راح يصوره على انه مجموعة من المخربين". من ناحيته، اكد المحلل السياسي اسعد بشارة، ل "الاناضول"، ان "هذا التحرك يؤسس لحركة تغيير وهو نتيجة طبيعية لتدهور وانهيار الاوضاع المعيشية والسياسية في البلاد"، واضاف "اثبت ان هناك شريحة من اللبنانيين وكتلة جديدة هي خارج الاصطفاف الطائفي والسياسي الحالي". وقال بشارة "بالطبع تم اختراق هذا التحرك والتلطي وراءه واستخدامه لغايات سياسية حيث استطاعت هذه القوى السياسية التي تريد تخريب هذا التحرك ان تجعله سخيفا لكنها فشلت في سرقته وهو ما زال بأيدي المجتمع المدني وهذا امر يجب الحفاظ عليه". لكنه، شدد على انه على قوى المجتمع المدني بدورها أن "تحدد سقفا واقعيا للتحرك وان تكون قادرة على ادارة التحرك بالاضافة الى تحديد سقف مطلبي واقعي وضيق من دون مطالب عامة وهي تعجيزية في الوقت الحالي مثل اسقاط النظام، بل يجب البقاء على المطالب التي تعلو فوق الاصطفافات الطائفية والسياسية وهي المطالب التي تمس المشكلات اليومية للبنانيين وتوحدهم". ورأى بشارة ان "الجلسة المقبلة للحكومة اللبنانية هي التي تحدد من القوى السياسية التي ارادت استغلال هذا التحرك وذلك من خلال مواقفها في مجلس الوزراء"، واضاف انه "اذا استمر حزب الله في تعطيل جلسات الحكومة على الرغم من الغضب الشعبي فهو حتما يريد استغلال هذا التحرك لدفع البلاد نحو المجهول".