إصابة بطلة الرواية تشبه مصر في عهد الإخوان الوطن العربي سقط أمام مفخخات العنف الشعر جعلني أحلق بعيداً في الكتابة تستلهم رواية "المريض العربي" التي صدرت مؤخراً عن دار روافد للروائية والقاصة هدى توفيق، من واقع لا يتجاوز العامين، من عام 2012 الى بداية عام 2014، أى خلال فترة حكم الإخوان المسلمين فى مصر. وتدور أحدث الرواية من خلال بطلين يمارسان لعبة الإنصات والحكى، عن طريق خلق عالم إفتراضى من مكانهما الثابت، نتيجة لعجز حركى أصيب به الاثنان، وقد انفصلا عن العالم الخارجى لفترة من الوقت ليست بقصيرة، مما يدفعهما للبحث عن طريقة لمواجهة هذا التلاشى وشعور طاغ بالعجز النفسى آت من عجز حركى بالغ الصعوبة. البطل الأول من العراق "نور"، يحاول الهروب من بغداد بأى شكل هروبا من ملاحقة المشيليات الإجرامية له، التى تحاول قتله أكثر من مرة حتى ينجحوا فى إصابته مما يؤدى الى فقده الحركة، أما البطلة "وردة" فهى امرأة مصرية تتعرض هى الأخرى الى حادث مأساوى بالصدفة و"ندالة" زوج تخلى عنها وتزوج أخرى، فيصبح عالم الانترنت هو الوسيلة الوحيدة للإتصال بينهما وبين العالم الخارجى والداخلى أيضاً. "محيط" التقى مؤلفة الرواية هدى توفيق التي عملت مدير تحرير سلسلة "كتابات جديدة" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأوضحت أن الرواية انتشلتها من عالم القصة. وجاء العنوان ليعبر عن مدى تردي واحتضار الوطن العربي، مشيرة إلى أنها تعرضت لحادث أليم مثل بطلة الرواية، التي جعلتها مرآة تكشف عن تداخل آلامنا الشخصية مع هموم الوطن العامة، مؤكدة أن فترة حكم الإخوان المسلمين هي "درس قاس" لا يمكن أن يعاد مرة أخرى.. إلى نص الحوار. بعد عدة مجموعات قصصية، أقدمت على كتابة رواية .. كيف جاء ذلك؟ الرواية عمل شامل ومكتمل وحلم أي كاتب طموح ومجتهد في الحقل الإبداعي، في الحقيقة بدأت بكتابة القصة القصيرة ولا زلت أكتبها بكل حب وتفان ولي عدد من المجموعات تؤكد مدى شغفي وإخلاصي بهذا اللون الأدبي. لكني على الدوام كنت أحلم بكتابة الرواية حتى قررت هذا فعلا بعد كتابة المجموعة الأولى "أن تصير رجلاً" وقمت فعلا بكتابة رواية "أرواح الأسلاف المنسيين" في حوالي مائتين صفحة، لكني تراجعت وخشيت من الفشل لإحساسي العالي بالمسئولية تجاه أي كلمة أخطها ، فتركت الرواية وأهملتها في درج مكتبي لسنوات حتى أخذت قراري بعدم نشرها. عدت إلى كتابة القصة القصيرة ومرت السنوات والخوف ينأى بي بعيدا عن تحقيق حلمي في كتابة الرواية خشية عدم الجودة فيما سأكتبه، حتى رحلت عن مصر لبلد عربي وجاءتني فكرة كتابة رواية "بيوت بيضاء"، ولم أشعر بخوف كبير كما كان في السابق وشعرت أن الحكي عن تجربة الغربة يستحق التدوين. وكانت تلك الرواية بمثابة الفاتح للشهية وأعطتني الجرأة والشجاعة للإستمرار في كتابة الرواية مرة أخرى وتحقيق حلمي الذي يراودني منذ سنوات ان أكون قاصة وروائية، هذا الطموح الكبير الذي له مذاق مختلف ومسئولية كبيرة أمام نفسي أولا وأخيرًا. لماذا اخترت عنوان "المريض العربي"؟ منذ عدة سنوات شاهدت فيلم "المريض الإنجليزي" الشهير الذي حاز تسع جوائز أوسكار عام 1996 وقيل عنه إنه أجمل قصة حب ظهرت على الشاشة الفضية، الفيلم مأخود عن قصة "مايكل أوندايتجي" التي تحمل نفس الإسم والتي حصلت على جوائز عدة أهمها جائزة البوكر1992. حينذاك فتنت بالفيلم وبحثت عن الرواية لأقرأها في طبعتها الإنجليزية أولا ثم الطبعة العربية المترجمة، حتى ظلت على الدوام روايتي المفضلة وروح المريض الإنجليزي تملأ روحي وخيالي وتتسلل في ذاكرتي من حين لآخر بتفاصيل الرواية، وأسأل نفسي متى ينفك عني سحر الرواية الطاغي، لأتلو حكايتي الخاصة حتي جاءتني فكرة كتابة تلك الرواية. وفورا اقتبست اسم الرواية تيمنا بالمريض الإنجليزي، فالمريض العربي هو التعبير الأمثل من وجهة نظري عن مدى تردي وإحتضار الوطن العربي التي يعيشها الآن من جراء الإرهاب الأسود وخفافيش الظلام حتى أصبح ما هو أشبه بفيروس أصاب الوطن العربي، حتي يكاد أن يكون مرض نتمنى أن يشفى منه قريبا. وبالطبع حينما قرأت رواية المريض الإنجليزي وفتنت بها، لم أتنبأ مطلقا بكل ما يجري الآن على الساحة العربية من إنهيار وسقوط أمام مفخخات العنف، وتلك البشاعة تجاه الإنسان نحو أخيه، هي فعلا مجرد صدفة أن ياتي الأسم مناسبا للحالة الروائية. هل "وردة" بطلة الرواية هي أنتِ ؟ الحكي عن الآلام الخاصة شئ لا أستسيغه كثيرا في كتابة الأعمال الإبداعية، لكني ظللت شهوراً طويلة ملازمة للفراش، ولم يكن أمامي من سبيل غير القراءة والكتابة. فكرت كثيرا أن أخرج في السرد عن دائرة هدا الحادث الأليم، لكني قلت لمَ لا يكون نافذة ليعزز ما أريد قوله والحكي عنه، وطبعا لم يكن هدفي أن تكون سيرة ذاتية عن حادث أليم، بل وسيلة تساعد على حبك البناء الروائي، فكل يوم نرى ونسمع عن تلك الحوادث المؤلمة، فوردة هي مثل كل انسان بسيط يتألم ويتعذب والفارق الوحيد بين وردة والآخرين أنها فقط تهوى الحكي والبوح والفضفضة. ظهر في الرواية استخدامك لمقاطع شعرية..لماذا؟ في الحقيقة أنا أحسد الشعراء والشاعرات كثيرا عن مدى روعة الخيال التي تحيل كلماتهم إلى أشعار تحوي عالم مخملي ساحر غائر العمق يأسر القلوب ويفتن العقول بسحر الكلمات، وخلق تلك العوالم بكل رشاقة لغوية ومجازات تعبيرية واسعة التعبير وذو مغزى قوي فتصيب القلوب والعقول كالسهم النافذ في أن واحد. كم تمنيت كثيرا أن أنظم الشعر لكنه على حسب إعتقادي يحتاج إلى موهبة متفردة وقدر عال من الخيال والحس المرهف وإحتواء كل المكنون المخبوء داخل النفس البشرية الذي يحفر في آبار الكلمات والتصورات واللغة، لتمتثل روح الغضب والحب والألم وكل المعاني المجردة بكل إنسيابية وروح هادرة بالحب والشجن ووهج إنساني يتدفق على الدوام؛ بينما في العالم القصصي والروائي يحتاج إلى المراجعة والسؤال لما أكتب هذه الجملة وكيف جعلت الأبطال يفعلون هذا، دون هذا القص والسرد لا شك يحتاج إلى حساب وتدقيق مثل المعادلات الرياضية المعقدة فهو عمل شائك ودائما يحتاج إلى الحذر الشديد. وبالنسبة لرواية "المريض العربي" عن عمد جعلت وردة شاعرة لتعميق شخصيتها وبالتالي أفسح الطريق بسلاسة للحكي عن سندباد بغداد وملحمة جلجامش بمبرر قوي أن وردة شخصية على قدر عال من الحس؛ فوردة رومانتيكية وعاشقة وحكاءة مغرمة بنظم الشعر الذي يتطور إلى البوح القصصي والسرد الأسطوري المرتبط بالطبع بالخيالي والرومانتيكي الآت من جذوة تلك الروح الشاعرة المعذبة الوحيدة التي تعان بقدر عال يفوق معاناة كل الآخرين، ولأحقق رغبة ذاتية قديمة داخلي لأكتب الشعر وأدونه دون خوف هل خشيتِ من الاتهام بالإطالة في حديثك عن ملحمة "جلجاميش" بالرواية؟ سمعت كثيرا عن ملحمة "جلجاميش وانكيدو"، ولم اقرأها حتى أثناء التخطيط لمشروع الرواية كان من أبطال الرواية نور العراقي، فقررت قراءتها وإنجذبت بشدة إليها حتى توسعت في قراءتها من أكثر من مصدر حتى تحول الإعجاب الى جرأة أن أستخدمها بشكل سردي، بعيداً عن حقيقتها المخطوطة الشعرية المحفورة على ألواح حجرية حتى تكون بسيطة على القارئ، ولتناسب الشكل الروائي الدي يخصني. أما بالنسبة لإتهامي بالإطالة، فلا أنكر أنني حاولت مرارا أن أتجاوز الحكي الطويل وأستشهد فقط ببعض الإقتباسات الخاصة بالملحمة لكن لم يصلح، فالحكاية كانت ماثلة ومكتملة في ذاكرتي ولا يصلح معها غير الحكي دفعاً الذي لا نقوى على وقفه أو التقليل منه أبداً، وأعترف أنني بذلت مجهودا كبيرا للغاية حتى أقلل بقدر الإمكان محاولة إتهامي بالإطالة والإسهاب، لتبدو كحدوتة قبل النوم. "نور" الشخصية العراقية هل أثّر في "وردة" أم هي التي فعلت؟ أخبرك بروح الساردة التي كتبت عن نور العراقي وحكايته المأساوية التي هي رمز لوطن كامل أُهلك وأُُنتهك بأبشع الصور، وما زال يعاني ويتألم ويدفع شعبه أثمان باهظة من أجل عيش وكرامة وعدالة شعب انتزعت منه بكل قسوة، وفوق كل هذا يدفع ثمن الإرهاب وبيع الوطن ومقدراته من حكومات متواطئة ضد إرادة الشعب المسكين، بينما وردة أيضا تحكي عن تجليات آثار حكم الإخوان المسلمين في مصر في تلك الفترة الزمنية التي تحكي عنها في الرواية، بالطبع كلاهما تأثرا ببعضهما فالهم مشترك بينهما مع إختلافات ليست بالكثيرة، لأن المعاناة شديدة والألم وصل لأقصى حدوده لكليهما. الرواية تبدأ بحادث أليم وتنتهي بزوج نذل .. أليس بذلك تشاؤم؟ صراحة لا أعتقد في هده النظرية التشاؤم والتفاؤل، الفن له ضروراته التي يجب أن يخضع لها وليس الإستسلام لقول الإكليشهات الجاهزة، هذا تفاؤل هذا تشاؤم أظن أن هذا ضد الروح الإنسانية المعذبة، والتي تكافح في اليوم مائة مرة حتى تستقيم الأمور مع تلك الحياة الوعرة، من بداية أن يستيقظ البشر للخروج إلى العمل ومواجهة كل الأشياء الطيبة والسيئة وصولا إلى المنزل والإستكانة، والذهاب إلى النوم والراحة لمحاولة نسيان كل التعب والإنهاك اليومي المتكرر لحياتهم، فكم هي على حسب إعتقادي زمن لحظات الفرح والإحساس بالأمان والسلام مع النفس حتى نقول بفم واسع نحن سعداء اليوم نحن اليوم غير متشائمين أومتفائلين أعتقد أنها تعد وتحصى أما كل مانعيشه سواء على المستوى الشخصي والواقع العربي كما نرى نشاهد الأن. ربطت مرض وردة بتعثر مصر ومرضها في ظل حكم الإخوان المسلمين وتحدثت عن هده الفترة وكانك تؤرخين لها رغم أنها لا تزال في الذاكرة..ألم تخشين من الوقوع في المباشرة؟ كيف تحاك الروايات، أظن أن يكون الخاص مرآة للعام وتتحول الرموز الصغيرة للتعبير عن المعاني الكبيرة بشكل سلس ومغري للقراءة رغم كل قناعتنا أن العقل هو المعول الأول والأساسي لسير الأمور ومنطقيتها إلا أننا نعيش على الصدف القدرية سواء المبهجة او القاتلة، فقد جاءت إصابة وردة صدفة مع إصابة مصر وإبتلاءها بحكم الإخوان المسلمين، وكل ما فعلته أنني إتنهزت تلك الفرصة الإبداعية لأصنع ربطا بين الخاص والعام، كما جاء حادث وردة صدفة جاء هذا أيضا صدفة سردية لتخدم النص أولا وأخيرا. فوردة مصرية الجنسية وجزء صغير من هدا الوطن تعاني كما يعاني الوطن، كلاهما يتلاقوا في ألم شديد يصل لحد الإبتلاء ولما لا نؤرخ ما دام النص الأدبي يسمح بذلك حتي لا تنسي الذاكرة ونتعظ به كدرس قاس لا يمكن أن يعاد مرة أخرى، هذا درس للتاريخ أولا واخيرا لا يجب ان ننساه أبدا، بالتالي كان لابد من المباشرة والسرد بكل أريحية وفصاحة معلنة عن مدى فداحة مظاهر وتجليات هدا المرض الذي أصيب به الوطن الدي تحول لما هو أشبه بالابتلاء. أعتقد أن الكاتب عندما يؤرخ لحدث تاريخي لا يضع أي حسبان لتلك المباشرة فكيف نضع التاريخ في دائرة الرمز والمسكوت عنه والسارد الضمني وغيره، وهو حدث ضخم ومريع وواضح وضوح الشمس المتأججة في صدح النهار . هل لازالت أوطاننا تعاني "العرج" كما البطلة؟ المحن العصيبة مهما تعافينا منها لا بد أن يكون لها ولو بعض الآثار التي تكشف ولو جزئيا عن مدى قسوة التجربة والمحنة التي يتعرض لها البشر، مهما حاولنا نسيانها وتجاوزها فالشفاء لا يأتي كاملاً طبعاً، إنما مع الوقت نسعى إلى المرور والإستمرار لأن دوام الحال من المحال، هكذا يكون حال "وردة" تخرج من وعكة شديدة الوطأة ب"عرج"، وأيضا الوطن يخرج من عام بائس ومرير تحت حكم الإخوان المسلمين بشهداء وتخريب كبير، فلابد لحالة من الإستنهاض الشامل حتى تستقيم أمور الوطن والسير دون "عرج"، بينما وردة ستظل تعرج وهذا هو الإختلاف، الوطن باق وحاضر وقوي وقادر على دحض أي عرج وهدا طبعا يخضع لتحديات كبرى أو سيستمر العرج. هل الأفضل أن تغيب الثورة عن موضوع الروايات، باعتبارها حدث آني؟ حدث قيام الثورة في ذاته حدث مهول وله وقع ليس بالهين على النفس الإنسانية، وهوله يأتي من إمكانية وقدرة تحقيق تلك الشعارات العالية المغزى والمطالب الحقوقية المشروعة التي هتف بها الشعب في قدرتها على التحقق من عدمه، فالترقب والإنتظار والخوف من عدم إنجازها يضع الجميع في حالة تلصص وترقب وتوجس لكل النوايا الحسنة والسيئة، ونكون جميعاً موضع إتهام وإنتقاد على الدوام حتى يثبت العكس، أو تحقيق العدل وعادة في مجتمعاتنا العربية والشرقية العدالة مسارها بطئ وغير ناجز بالسرعة التي يرغب بها الشعب، الذي عانى بما فيه الكفاية ليرى فعاليات واضحة ودائمة بشكل مادي وملموس على أرض الواقع اليومي الدي يهم أي إنسان بسيط ومكافح من أبناء الشعب، الذي كل رصيده كيفية أن يعيش، وأن ينال المتاح من حقوقه المشروعة في وطنه كأي مواطن حر وشريف، وهذا أيضا حال الفن والأدب. وبالتالي الروايات تنتظر إجابات عن ما مصير الثورة؟ أين أهداف الثورة صارت وأصبحت؟، أعتقد أنه ليس فقط الروايات التي تبعد، الجميع يفعل أيضاً ليرى ويشاهد جديد الأمور، لذلك لاتبعد الروايات عن تناول الأحداث الكبرى مثل الثورات، بل تنتظر الروايات ماذا سيحدث بعد الثورة، هى حالة ترقب وهدنة مع الوقت لنرى كيف ستسير الأمور وهذا بلا شك يحتاج إلى وقت طويل. ما جديدك المنتظر ؟ أتمنى بعد زوال هده الغمة الحرارية قريبا أن أبدا في مشروع روائي وضعت له التخطيط شبه الكامل لتدوينه، ومجموعة قصصية كتبت حوالي ثلاث قصص أتمنى إنجازهما قريباً.