هذا أخطر ما يواجهنا اليوم ولقد حدث ذلك مع السودان وأذكر كيف تصاعدت المواجهة بين أهل الشمال والجنوب ولقد استخدم الغرب في ذلك مكرا شديد بدأ بتطبيق الإسلاميين للحدود بإجحاف عبر فهم لا يخلو من عنصرية أحيانا. والمتتبع لما حدث في السودان يذكر النميري وإعلانه لتطبيقه للشريعة وتحمس المتحمسين ثم الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وكان الإسلاميون فرحون لخوض حرب يظنون أنها في سبيل نصرة شرع الله ودينه. وتكالبت على السودان قوى الشر لتقسيمها وما كانت قوى الشر لتنجح لولا غفلة حكام السودان عما يحيق بهم من مكر. والسودان كانت دولة إسلامية وظهر فيها المهدي مقاوما للاستعمار وبالرغم من القضاء على المهدي إلا أن السودان كانت موحدة. والسؤال الذي قد يطرأ على الكثيرين ما قيمة الوحدة إن لم نطبق شرع الله كاملا ولإمارة صغيرة تحكم بما أنزل الله خير من دولة كبيرة لا ُتحكم شرع الله. ؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة شرع الله بالمفهوم الواسع وليس فهمه بمفهومه الضيق الذي وقع فيه الخوارج. والمفهوم الواسع هو الذي وسعنا عبر السنوات الطوال منذ الفتح الإسلامي إلى الآن بين مد وجزر ولم ينحسر عنا تطبيق شرع الله بمفهومه الواسع أبدا. حتى في أحلك الأزمنة فقد كان الشعب المصري يتحاكم إلى الشرع بالمعاني حين يتعذر التحاكم إلى الإجراءات والمباني. ولعل تقدير الخطورة يتضح بالنظر إلى المآل فالدول تقوى بالتوسع وتضعف بالتقسيم والتشرذم . فقد كانت مصر دولة إسلامية إلا أنها أشعرية العقيدة في الأصول مع وجود الماتريدية ومذهب أهل الحديث وحرية العقيدة لإخواننا من أهل الكتاب. فإذا قام قائم ليجعلنا على مذهب أهل الحديث ولو تفرقنا وتقسمنا فكأنه يعمل بعمل الخوارج رغم صحة معتقده ومذهبه. فالسلوك يشابه مفرقي الأمة من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم من أهل الفرق . ولن يشفع له صحة المعتقد مع سلوك الخوارج في إضعاف الأمة بل عليه دعم وحدة الأمة والصبر ليتم وحدة الأمة ولا يضيعها لنصرة مذهب يضيع بعد التقسيم. نعم لقد كنا نُحكم بالشرع على تضييع المفسدين والفاسقين وبعض الجاحدين وهذا ليس دفاعا عن المفسدين ولكنه دفاع عن الصالحين في الأمة المصرية عبر السنين فلم يغلب خبثنا طهارتنا أبدا. والخوارج هم من كفروا المسلمين وكفروا بأعمالهم وأحبطوا أعمالنا كلها. ويحمل بعض من أهل السنة من السلوك ما يحمله أهل الجاهلية والشرود وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا. وانظروا إلى السودان وما حدث بها من تشدد فما أبقى على دولة قوية ولا نموذج طيب وانظروا إلى تركيا وما يحدث بها بالرغم من علمانيتها الفجة فيما مضى. إن فهم أهل السنة هو الذي صان للأمة المصرية وحدتها وتواصلها مع الآخر وجعلنا أمة وسطا. وعلى الإخوة الذين على استعداد للتضحية بوحدة الأمة من أجل نصرة مذهبهم الفقهي أو السياسي أنكم لم تفهموا مقاصد الشريعة التي تطالبون بتطبيقها وأن فهمكم قريب من فهم الخوارج وأن سلوككم سيفرق الأمة ولن تكون لنا ولا لكم قائمة مع قوى الشر العالمية . وإن الأمة المصرية لم ترتد بعد الإيمان ولم ترض بغير الله ربا وأن أغلبنا على العهد لربهم ودينهم . إن مصر هي وحدة المسلمين والعرب فلا تضيعوها بالصراع المذهبي أو الفقهي أو السياسي . ولقد عشنا السنوات نحفظ لمصر وحدتها وأن وحدة مصر أهم من وحدة جماعتنا وجمعياتنا وأحزابنا. ولا خوف على دين مصر وشعبها إنما الخوف على وحدتها التي إذا ضاعت فالدين والدنيا في خطر. ثم يأتي دور الغرب في تقسيمنا وتشتيتنا كما حدث في السودان. نعم فلتذهب العنصرية والحزبية ولتأت الوحدة كما كنا دوما موحدين متحدين.