أهلاً بشهر النور أهلاً هلال رمضان يجعل قدومك خير على أمة القرآن في كل عام تنعاد يوم رؤيتك أعياد على أمة الإسلام يا مجدد الأفراح يا مطهر الأرواح ما بين زكا وصيام هكذا اعتاد المصريون على استقبال رمضان بالأغنيات، وهذا المقطع هو جزء من أغنية غناء وتلحين كارم محمود بعنوان "أهلاً شهر النور" تأليف محمود رشاد الدسوقي. ويؤكد د.نبيل حنفي محمود في كتابه الصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "هكذا غنى المصريون"، أن الغناء دخل في احتفال المصريين بشهر رمضان على عهد دولة الفاطميين بمصر (358-567ه/ 968 – 1171م). وعرف المصريون وظيفة المسحراتي الذي كان مطرباً ويتولى إنشاد التسابيح والابتهالات الخاصة بشهر رمضان، ولما ورث المماليك حكم مصر بعد الفاطميين، كان الغناء في المناسبات الدينية على رأس ما ورثوه عن الفاطميين من عادات ومظاهر، حتى تحول شهر رمضان في عهد المماليك إلى شهر عبادة وطرب، فإلى جانب قراءة القرآن وصحيح البخاري طوال شهر رمضان، وختمها بحضور السلطان، كان الناس ينتظرون المسحراتي للاستماع إلى أدعيته وتسابيحه وابتهالاته وارتجالاته، وهي قوالب غنائية خالصة تتصاعد تأثيراتها في المستمعين حتى يبلغ بهم لمسحراتي ذروة مثيرة للشجن ويبلغ الوجد بمستمعي المسحراتي منتهاه عندما يودّع الشهر الكريم بمنظومات صيغت للعشر الأواخر من ليالي رمضان، وهي التي اصطلح الناس على تسميتها "التواحيش"، والتي كانت تبدأ دائماً بالمقطع لتالي: "لا أوحش الله منك يا شهر الصيام". ويتوقف الكتاب عند ما نقله قسطندي رزق في كتابه "الموسيقى الشرقية والغناء العربي" من وصف شاعر القطرين خليل مطران لغناء المطرب الكبير عبده الحامولي في إحدى ليالي رمضان، حيث قدم وصفاً دقيقاً لجماهير المستمعين التي تدفقت من أحياء القاهرة لسماع الحامولي في باحة مسجد الحسين بعد صلاة العشاء، ترنم الحامولي في تلك الليلة بأبيات من الشعر تسبح المولى عز وجلّ، وكان مما ترنم به: يا من تحل بذكره عقد النوائب والشدائد يا من لديه الملتقى وإليه أمر الخلق عائد ولفت مؤلف الكتاب إلى أن الأغنية الرمضانية كانت من بين ما طورته الإذاعة من أفرع الغناء وأضافت إليه، حتى بلغ رصيد الإذاعة من الأغنية الرمضانية عدداً كبيراً، ويحصر الكتاب من الأغنيات الرمضانية التي أنتجتها الإذاعة وقدمتها خلال الفترة من شهر رمضان 1357 ه" 1938م"، وحتى نهاية شهر رمضان لسنة 1379ه "1960م" 118 عشرة من الأغنيات من مختلف القوالب، هذا بالإضافة إلى ثلاثة برامج غنائية، وهو إنتاج غزير بالقياس إلى ما حفظه التراث من أغان رمضانية انتجت في عصر ما قبل الإذاعة. ويؤكد الكتاب أن كثير من الأغنيات الرمضانية التي انتجتها الإذاعة كانت في حقيقة الأمر شكلاً متطوراً للإنشاد الديني. ولفت محمود إلى أن الكتاب يعطي إطلالة سريعة للقارئ المعاصر الذي لم يدرك عصر الأغنية الرمضنية الإذاعية، والتعرف على هذا الجانب المشرق من تراثنا الغنائي. أغنيات الرؤية درجت الإذاعة على تقديم أغنيات الرؤية في اليوم الأخير من شهر شعبان، وتستمر الإذاعة في تقديم هذه الأغنيات مع باقي الأغنيات الرمضانية خلال الثلث الأول من شهر رمضان، وهي اغنيات تترنم بهلال رمضان وأنواره وباحتفالات الرؤية والاستعدادا لاستقبال شهر الصوم، ومن هذه الأغنيات ما يخاطب الشهر الكريم مرحباً به وكأنه زائر عظيم. ومن هذه الأغنيات "رمضان جانا" التي كتبها حسين محمد طنطاوي ولحنها محمود الشريف، ليتغنى بها محمد عبدالمطلب للمرة الأولى في الإذاعة في الحادية عشرة من مساء الخميس 2 رمضان عام 1362 ه الموافق 2 سبتمبر 1943 م. رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان غنوا معانا شهر بطوله غنوا وقولوا أهلاً رمضان وقبل أن ينصرم أسبوع على إطلاق الإذاعة لرائعة محمد عبدالمطلب "رمضان جانا"، قدمت الإذاعة أغنية أخرى من أغنيات الرؤية هي أغنية "يا ألف مرحب يا رمضان"، من تأليف أحمد فؤاد شومان، وألحان الآنسة إحسان محمد شفيق: يا ألف مرحب يا رمضان هلّيت وكل الكون فرحان ع المسلمين بالأنوار جيت وبالفرح ع الناس هلّيت يا شهر غالي يا شهر الصوم تعود لنا دايما وتدوم شهر المنى شهر الأنوار شهر الهنا ياللا الغفار والرزق فيه أشكال وألوان يا ألف مرحب يا رمضان ولا يستطيع أحد الآن - وفق مؤلف الكتاب – أن يعرف أسباب اختفاء أغنية "يأ ألف مرحب يا رمضان" لفرقة طالبات المعهد العالي لمعلمات الفنون، وكثير من النقاد يرى أن بقاء أغنية "رمضان جانا" لمحمد عبدالمطلب حتى الآن قد حدث لأن أسباب النجاح قد توزت باتزان بين كل من المؤلف والملحن والصوت المؤدي، وفي الوقت نفسه لأن الأغنية نجحت في الخروج بالتعبير عن فرحة المسلمين بقدوم شهر رمضان من السطحية والمباشرة إلى التعمق الذي يتحرى فلسفة وروح الفريضة. الغناء لمظاهر رمضان كثيرة هي المظاهر التي تميز شهر رمضان، فمن الفوانيس التي تزدان بها الليالي الرمضانية وغناء الأطفال في تلك الليالي وحتى النداءات التقليدية للمسحراتي، مما أتاح لأهل الغناء فرصة التعبير عن مظاهر الشهر الكريم بأغنيات عدة، وهي أغنيات استلهم البعض منها المأثور الشعبي الذي توارثه الشعب المصري عبر القرون وحفل بتعبيرات قد لا يعرف البعض معنى لها مثل: "وحوي"، و"إياحه". لقد اعتاد المصريون في النصف الأول من القرن العشرين على تجمع الأطفال بفوانيسهم الملونة تحت الأضواء الشاحبة لمصابيح الشوارعوهم يرددون الأغنية الشهيرة "وحوي يا وحوي، فألأهم ذلك الشاعر الغنائي حسين حلمي المانسترلي كلمات هذه الطقطوقة: وحوي يا وحوي رحت يا شعبان وحاوينا الدار جيت يارمضان إيّاحه هل هلالك والبدر أهو بان شهر مبارك وبقى له زمان ما أحلى هلالك بالخير مليان وحوي يا وحوي رحت يا شعبان ويوضح الكتاب أن المانسترلي لم يكن الوحيد بين شعراء عصره الذي استغل المصطلح الرمضاني "وحوي يا وحوي" في صياغة أغنية حيث استغله كل من بيرم التونسي وفتحي قورة وجعلاه اسماً لعملين غنائيين. ترتبط مهمة المسحراتي بشهر رمضان ارتباطاً لا يعرف الانفصام، وهي مهمة او مهنة كادت أن تنقرض الآن بفضل التليفزيون والفضائيات. ويقول المؤلف: لقد شهد جيلنا في سنوات صباه أيام المجد الأخيرة للمسحراتي عندما كان يقرع أبواب المنازل باباً باباً على صوت طبلته المميز، ينادي سكان تلك المنازل لا يغفل عن أحد منهم، ويمضي مترنماً بأزجال محفوظة وتعبيرات من وحي الخاطر تتدفق في جو من الارتجالات الموسيقية البديعة، كل ذلك كان حافزاً لكبار الموسيقيين لتقديم ألحان للمسحراتي . ومن أوائل ما قدمت الإذاعة من أعمال غنائية للمسحراتي: "ديالوج" المسحراتي الذي كتبه محمد إسماعيل ولحنه أحمد شريف، وقد تغنى به أحمد شريف مع سميرة وصفي في الإذاعة للمرة الأولى عام 1939م. ومن التسجيلات النادرة الني وصلت إلينا من برنامج "المسحراتي" - وفق الكتاب - الحلقة التي كتبها أحمد مخيمر ولحنها وتغنى بها كارم محمود، وتبدأ الحلقة بالمقطع التالي: يا روح من فوق نازل هايم/ يقول للصاحي والنايم ما فيش دايم غير الدايم روايح هبّة م الجنة/ يا عز اللي حيتهنى وأنا طمعان وباتمنى أشوف نورها واطول خيرها ومين هايفوز غير الصايم يا مدبولي يا عبد الله يا بخته من بنى وعلا وشاف نوره بيتجلى ونام ساعة وقام ساعة وقال دي الدنيا خدّاعة ما فيش دايم غير الدايم