ربما لا يتصور أحد من عامة المسلمين أن ثمة انسان ما يبغض رمضان، وهذا التصور يخالف الواقع الذي نعيش فيه ؛من أجل ذلك رأينا أن نطرح هذا الشهر الكريم بين الذين يحبونه وغيرهم ممن يقف منه موقفاً محايداً منه لا يحبه ولا يكرهه ولا يرى فيه خيراً ولا شراً ، وأن أيامه كبقية أيام الشهور تقع فيها الحوادث وتجري فيها الأمور على مجرياتها ، أوعلى ما قدره الله تعالى كما نؤمن نحن ونعتقد ، ومن الناس من يرى أن شهر رمضان شهر تعطل فيه المصالح ،ولا يقضى فيه أمر من أمور الدنيا إلا قليلاً فاذا ذهبت إلى الدواوين الحكومية ، أو الجهات غير الرسمية من الشركات الخاصة ، ونحوها وجدت العمل يبدأ متأخراً ساعة أو أكثر عن الوقت المحدد له وينتهي مبكراً ساعة أو أقل أو أكثر عن الوقت المحدد له ايضاً ،والانسان الجاد المنتج الذي يحسب يومه بالثواني والدقائق والساعات ، إذا تأمل يومه بعد انقضاءه وقارن ما أهدرَ من وقت في الطرقات وبين مكاتب الموظفين لم يجد ثمرة مرئية ونتيجة إيجابية لسعيه تتناسب مع ما ضع منه من وقت ، ويسمع هذه الجمل (كل سنة وانت طيب – رمضان كريم – اللهم أني صائم ........الخ ). لا شيء أن هذا الرجل الجاد سيبغض رمضان ، ويبغض كل اللذين يتعللون به لأن أسمه ارتبط بإيقاف المراكب السائرة ، بل وتعطيل عملية الإنتاج وهذا يتنافى تماماً مع حقيقة الصيام ، والخطباء الذين لا يأتون بجديد ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه يصفون سلف هذه الأمة بأنهم كانوا رهباناً بالليل وفرساناً بالنهار ، ويتكلمون عن فتوحات وغزوات رمضان ، ثم يهدم هذا كله بأفعالنا التي لا تنطق في كل شهر رمضان من كل عام إلا بأنه شهر تعطل فيه المصالح ، ولا سيما في العشر الأواخر منه لدى الذين يتعللون بالاعتكاف في المساجد مع أن الاعتكاف في حقيقته تدريب على مراقبة الله في السر والعلانية ، فرئيس الكون على حد تعبير الفيلسوف الألماني (كَاَنت)ليس له أثر في نفوس المنسبين إلى الإسلام كالرئيس المباشر في العمل ؛لأن النتيجة التي نقوم بتثبيتها بأفعالنا في أذهان وعقول الناس بأن شهر رمضان ينبغي أن يبغض وأن يكره وفي هذه التصرفات مخالفة لصريح القرآن الذي قال الله فيه عن الصيام وعن شهر رمضان (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِب بَعَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَاكُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُلم لعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالله الذي فرض الصيام وأوجبه علينا كما فرضه على جميع الأمم من قبلنا أراد منا أن ترقى نفوسنا وجعلها تراقب ربها في كل زمان ومكان ، وهو الواضح من قوله تعالى(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فوضع الصيام بين الإيمان هو عمل قلبي وبين التقوى التي هي من أجلّ أعمال القلوب من أجل تعميق معني المراقبة لله عز وجل في الصيام وهذا يقتضي أن تكون أعمالنا في نهار رمضان أكثر عطاءاً وإيجابية فإن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها صلاة ولا صيام ولكن يكفرها السعي على الأرملة والمسكين وقضاء حوائج الناس ،هذا في باب التطوع فما بالنا إذا كان هذا العمل مما كلفنا به ونأخذ عليه رواتبنا الشهرية ، إننا إذا فعلنها على الوجه اللائق بنا وأحسنا للمواطنين سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم من المؤمنين أو الملحدين الذين يتزايدون في مجتمعنا ؛ بسبب أفعالنا وتصرفات أهل العلوم الشرعية فما بالنا إذا أحسنا وأتقنا أعمالنا في شهر رمضان وابتدأنا العمل من الساعة السادسة حتي تقضي مصالح الناس ويرجعون إلى بيوتهم راضين يدعون لنا بالخير ويفاخرون بأفعال المسلمين والمؤمنين الصائمين إننا إذا فعلنا ذلك لم نجعل أحد يبغض رمضان وفي هذه الحالة أقول ؛ إذا أدرك الناس هذا كله واستطعنا أن نصحح مفاهيم الناس عن رمضان استطعنا أن نزيد الخير وحسن المعاملة ومن ثم سيتمنى الجميع أن يكون العام كله رمضان وستكون هذه الأمنية من المؤمنين والمنافقين وما اكثرهم ومن الملحدين ، ومن غير المسلمين ؛ لأنهم رأوا أفعالاً تنطق بحقيقة معاني الصيام . إننا في كل عام نلمس وندرك ما يقع من قصور في مجتمعاتنا ولا نغيره، فهل من الممكن أن يكون شهر رمضان في هذا العام شهر التغير والثورة على النوم،والتخلف، والفساد وتضيع مصالح الناس حتى يكون رمضان دليلاً على الإيمان والتقوى فأثر معناهما الحقيقي أن يحصل الخير للناس جميعاً. فمن سنَ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهيا بنا جميعاً لنقود ثورة التصحيح في رمضان من هذا العام.