لا مشروع عربي يحكم الكتابة للأطفال والواقع سئ كتبت قصة للأطفال تحكي عن أسماء الزهور البرية المنسية "الطبخ والحب ليسا شيئين مختلفين، لأن نتيجتهما واحدة، وباعثهما واحد، حين تطبخ تقوم بفعل حب، وحين تحب تفكر في أن تطبخ لحبيبك". هكذا تقول الروائية اللبنانية بسمة الخطيب في روايتها "برتقال مر" التي تتحدث عن الواقع اليومي للمرأة اللبنانية بالطبقات الفقيرة والمتوسطة بالمجتمعات الريفية، فتكشف بسردها تناقضات وصراعات مختلفة الأطوار. وقد اتخذت الخطيب في رواية "برتقال مر" التي تعد عملها الروائي الأول، عالم الطبخ نواة بنت عليها أحداث الرواية باعتباره مهمة شديدة الخصوصية تتولاها المرأة، حيث تربط بينه ومشاعر الحب، واصفة إياهم بأفعال تقوم على العطاء، وتعبر عن الرقى. "محيط" حاور الأديبة اللبنانية التي تكشف عن سر البرتقال المر، وكيف استفادت من كتابة السيناريو في تطوير الرواية، وعن كتابتها للأطفال وذكرياتها مع جدتها، لتؤكد أن الكتابة مؤلمة وتدفع إلى الانتحار أحياناً، مطالبة بألا تقارن المبدعات النساء بالرجال، لأن المرأة تحيطها ظروف تجعل إنتاجها أقل في بعض الأحيان..إلى نص الحوار. هل الكتابة للسينما أفادتك كروائية؟ نعم بالتأكيد، فقد درست السينما وكتبت سيناريو درامي من قبل، وأعمل كسيناريست، بعد أن أنجزت روايتي قررت أن أعود لكتابة السيناريو من جديد، وأكتب لمشروع فيلم قصير لم يحن الوقت للكشف عن مضمونه بعد. وعلاقة السيما بالرواية قديمة وموجودة، لأن الفنين قريبين جداً من بعضهما، فكلاهما له حبكة وشخصيات، وهناك أفلام كثيرة ناجحة اعتمدت على روايات نجيب محفوظ، وقصص يوسف إدريس، وإبراهيم أصلان وغيرهم. وبالنسبة لي فالعمل السينمائي بلور كتابتي للرواية، لاني حينما درست تقنيات السيناريو، افادتني في رسم الشخصيات واتقان صنع الحبكة، القائمة على التشويق وهي أمور تعلمتها من كتابة السيناريو. في البداية كتبت للأطفال..كيف ترين واقع أدب الطفل حالياً؟ الكتابة للاطفال أصعب بدون شك، وأدب الأطفال يعاني حالياً، سواء المقروء أو المسموع والمرئي، فلا مشروع عربي واضح لما نقدمه للطفل، الأمر صعب لأنه يحتاج إلى تخصص وصبر وعناية، ودعم مادي لمن يكتب للأطفال، وورش التدريب، كما أن الكتابة للأطفال تعاني من غياب القدوة فكثير من المبدعين يبتعد عن الكتابة للأطفال بسبب الصعوبة. الأمر كذلك أصعب في الإنتاج التليفزيوني للطفل، فالشئ الجيد لا يقدم لأن التليفزيون مؤسسة ربحية، وحين يتم ربط الإنتاج للأطفال بالاستهلاك يكون ذلك أمر مضر، وقد عملت في صحافة الاطفال مع مجلة العربي الصغير الكويتية، ولأن أسرتي تعمل بالتدريس كانت رغبتهم أن أكون مثلهم لأنهم يرون أن التدريس هو أفضل عمل للمرأة، وبالتالي درست تربية حضانية وعملت مدرسة رياض أطفال، ثم درست الإعلام لأحقق رغبتي. وكتبت للمجلة، التي كانت تقدر مجهودي وساعدتني كثيراً على الإنتاج، واستفدت كثيراً من عملي مع الأطفال كنت أكتب ما أحكيه لهم في المدرسة وأحياناً كانوا يكملون لي القصص، أو يلهمونني بفكرة جديدة، وأنشأت في مجلة العربي الصغير سلسلة "ياسمينا الصغيرة"، في محاولة من مجلة العربي أن تلغي استحواذ الطفل الصبي على شخصيات الأطفال، فخرجنا بسلسلة "ياسمينا" تتحدث عن الحرف والتراث، وكيفية الاستفادة من مخلفات المنزل، وصنع الألعاب البسيطة، والتعريف بتاريخنا للأطفال، وهي أمور مستمدة من جدتي عشتها وأنا صغيرة، فأردت أن يشاركني بها الأطفال. وكان "طريق الزهور" كتابي الأول للأطفال، فقد عشت في البرية ولم يكن هناك بنايات كثيرة، فكنت ألعب مع الزهور البرية وأعرف اسمائها، لكنني لاحظت أن الأجيال الجديدة لا تعرف عنها كثيراً، لذلك وضعت هذه القصص، وأنتظر صدور كتاب آخر لي بعنوان "صندوق الأماني" الذي يضم قصصاً متفرقة نشرتها من قبل للأطفال، كل قصة منهم تحكي عن حق من حقوق الطفل المهدرة في شكل أمنية، مثل الحق في التعلم، حيث ترى البنت أن أخيها الصبي يتعلم بينما هي لا، ففتمنى أن تذهب للمدرسة، وتتغير أحداث القصة وتستطيع أن تذهب وتتعلم فعلاً. قصة أخرى عن التسول وكيف لامرأة ثرية أن تنتشل متسول ممن الضياع وتنشأه نشأة حسنة، والقصة ستصدر عن دار أكاديمي اللبنانية التي تهتم بالأمور التروبية للأطفال، ومحاولة تنمية عادة القراءة التي تعد ثقافة غائبة. لماذا "البرتقال مراً" عندك؟! اعتبر رواية "البرتقال المر" من لحمي ودمي، فهي تحكي تجربة ذاتية ليست بشكل كامل، لكنها تخصني، وشجرة "البرتقال المر" هي النارنج، التي يخرج منها ماء الزهر كانت جدتي تستعمله في صنع الحلويات، لكن حياة جدتي كانت مرة جدا تشبه هذه الشجرة، وعانت كثيرا من المرارة، لكنها كانت تطيب حياتنا. فالبرتقال المرّ أو النارنج هو ما كانت تزرعه وتقطفه وتقطّره وتبيعه الراوية مع جدّتها، هو رائحة جسمها وشعرها وذكرياتها، هو طعم أيّامها الفقيرة الحزينة، وأورد في نهاية الرواية أسطورة البرتقال المرّ فأقول: "تقول الأسطورة التي وجدتُها بين أشواك الصبّار والبطم إنّ البرتقال طالما ولد مرًّا، حتى وقعت إلهة في عشق ألوانه وعطره، فجعلته حلوًا لتأكله. لكنّ بعضه تمرّد أو استعصى على الحب، ولم يتخلّ إلى اليوم عن مرارته". وكأنّ الراوية تشبه البرتقال المرّ، فلم تستطع يومًا خلع حزنها ومرارتها، لم تستطع يومًا اعتناق حبّ الآلهة، فبقيت برتقالة مرّة معزولة لم تطلها خيوط الحبّ الذهبيّة، وتُركِت بمفردها على حدة تسرد قصّة حياة وحبّ وحزن، قصّة ماضٍ يسكن الحاضر ويخنقه. من أجل هذه المرارة قلت أن الكتابة مؤلمة؟ الكتابة فعل مؤلم ولا يحقق السعادة، كنت أحلم بواقع أفضل لكني لا أجده وهذا يسبب ألماً، هناك كتاب دفعهتم الكتابة للانتحار، ومعظم المنتحرين من المبدعين، فرغم أن الإبداع يحدث توازن ويساعدنا في تخطي المشكلات والعقبات، إلا أنه مجهد ومؤلم، وهناك أزمة النص والأبطال والعلاقات بين الشخصيات، أوقات يصعب علي أن أنهي حياة شخصية، وأحياناً أتعاطف مع شخصية أخرى، ورغم ألمه إلا أننا نمارسه بشغف كالحب. ظللت 6 سنوات أكتب في رواية "البرتقال المر"، فقد أنجبت خلال كتابتي لها، لذلك فالمبدعات يعانين كثيراً لضيق الوقت فلا أحد يوفر لهن الوقت للكتابة، على العكس من المبدع الرجل الذي تهيأ له كل الظروف للكتابة، لذلك لا يجب الحكم على المرأة في أن إنتاجها قليل فلنقارن ذلك بظروفها.