تنسيق الدبلومات الفنية 2025 دبلوم صنايع.. التخصصات الملائمة لكليات ومعاهد صحية وتكنولوجية (رابط)    إعلان كشوف المرشحين ل انتخابات مجلس الشيوخ في البحر الأحمر    انطلاق الحملة القومية ال2 لتحصين الماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع غدا بالمنيا    مقاتلو «العمال الكردستاني» يحرقون أسلحتهم بعد صراع 40 عاما مع تركيا ومقتل 44 ألفا    قائد عسكري أمريكي: الصين فشلت في إرغام الدول للتنازل عن حقوقها في بحر الصين الجنوبي    ثلاثي مصري في طاقم تحكيم مباراة غانا ومالي ب كأس أمم أفريقيا للسيدات    غدا.. محافظ المنيا يفتتح أكبر ملتقى توظيفي بالصعيد لتوفير 2000 فرصة عمل    انخفاض درجتين.. طقس المنيا ومحافظات الصعيد غدا السبت 12 يوليو    نشأ في أمريكا واشتهر مع منى زكي.. أبرز المعلومات عن آدم الشرقاوي بعد أزمته الصحية    بعد توقف 12 عامًا.. إعادة تشكيل اللجنة العليا ل بينالي الإسكندرية    يعرض حاليًا.. الجمهور المصري ينفق 133.7 مليون جنيه لمشاهدة فيلم (أبطاله وقصته)    رئيس الوزراء الإسباني : ندعو الاتحاد الأوروبي إلى تعليق شراكته فورا مع إسرائيل    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ المشروعات السكنية والخدمات بالعبور الجديدة    كامل الوزير: الموانئ المصرية الحديثة تستوعب 400 مليون طن بضائع    "تاريخ مليان فخر".. رسالة من جماهير الزمالك في الكويت إلى شيكابالا    تقارير: هندرسون أتم انتقاله إلى برينتفورد    مي كساب: الستات مظلومة.. واختفاء الرجالة مش هيزعلنا| حوار    ارتفاع عدد ضحايا حادث ترعة الأخماس بالسادات إلى 3 وفيات    بكين تنفي تخزين بيانات لمستخدمين أوروبيين في إطار تحقيق بشأن «تيك توك»    ضبط 125 كجم أغذية فاسدة في العبور وتوصية بغلق 3 منشآت غذائية بالقليوبية    بعد 15 يومًا من البحث.. المئات يؤدون صلاة الغائب على غريق رأس البر (صور)    حماس تدين عقوبات واشنطن على ألبانيزي    بعد فيديو عملية المقاومة بخان يونس.. يديعوت أحرونوت: فضيحة جديدة    ‮«‬فوات ‬الأوان‮»‬‬ كتاب ‬يحرض ‬على ‬صنع ‬‬الصور    طليقة سامح عبد العزيز: «يا رب ما اكونش قصرت في حقك»    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يوضح    جامعة أسيوط تحقق إنجازًا جديدًا بتسجيل لجنة أخلاقيات البحوث العلمية بكلية التمريض    دراسة تكشف أسباب انتشار سرطان القولون والمستقيم بين الشباب    النيابة تحقق في مصرع سائق إثر انقلاب تريلا محمّلة بالخرسانة في سفاجا    البنك الأهلي: انتظام العمل بكامل طاقة ماكينات الصراف الآلي ونقاط البيع والخدمات الإلكترونية    "إعلامى مجلس الوزراء" يكشف جهود تطوير مطار القاهرة والارتقاء بمستوى الخدمات    "قصص متفوتكش".. إمام عاشور في حفل محمد رمضان.. وزواج كريم بنزيما    وزير الري يوجه بمشاركة جميع الهيئات في تحديث الكود المصري للمنظومة المائية    الأمم المتحدة: مقتل 798 شخصًا خلال تلقي المساعدات في غزة    بيومي فؤاد يوجه رسالة رثاء ل سامح عبدالعزيز: "أعمالك حية بروح موهبتك وبصمتك"    أرتفاع ملحوظ في إيرادات فيلم "أحمد وأحمد" أمس    إنجي علي ترقص مع تامر حبيب على أغنية "خطفوني"ل عمرو دياب (صور وفيديو)    بعد استقالته من النواب.. نائب عن مستقبل وطن يسحب أوراق ترشحه على الفردي بالشيوخ    الإفتاء توضح الحالات التي يُباح فيها للمصلي قطع الصلاة    هل تنخفض الأسعار بعد تراجع التضخم في مصر إلى 14.9%؟.. خبير يجيب    ترقبوا خلال ساعات.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 بالمنيا والمحافظات فور اعتمادها رسميًا    حسام موافي يحذر من أعراض خطيرة.. تنذر بمشكلة في المخ    ب«صيدلية جديدة وتحويل منتفعي 5 جهات».. عيادة التأمين الصحي تواجه الزحام ببني سويف    وزير الري: السد العالي حامي الحمى لمصر.. ولولاه لما استطعنا تحمل ملء سد النهضة    غرق سفينة يونانية ثانية في البحر الأحمر بعد هجمات حوثية مميتة    وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد اليوم ضمن خطتها لإعمار بيوت الله    أحمد عبد الوهاب يكتب: غزة ضحية شروط حماس وقمع الاحتلال    "الوشم مش حرام!".. داعية يرد على مراكز التجميل    كواليس طلب إمام عاشور تعديل عقده مع الأهلي    عالم أزهري يوضح أعظم دروس الهجرة النبوية    مودريتش يودع ريال مدريد بكلمات مؤثرة    «الزراعة» تعلن ارتفاع الصادرات الزراعية إلى 5.8 مليون طن حتى الآن    خريج «هندسة المنصورة» يحصد جائزة دولية من المنظمة العالمية للموارد المائية    أمن القاهرة يضبط 37 متهما بحوزتهم أسلحة ومخدرات    ولادة نادرة لتوأم ملتصق بمستشفى الفيوم العام.. و«الصحة»: الحالة تحت التقييم الجراحي    محمد كوفي يوجه رسالة خاصة ل شيكابالا بعد اعتزاله    وفاة طالب هندسة إثر سقوطه من سيارة خلال نقل منقولات زفاف بالفيوم    لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواجهة الخطاب المذهبي
نشر في محيط يوم 03 - 05 - 2015

نجحت إيران في فرض خطاب مذهبي على المنطقة. كانت البداية بتبنيها مشروعاً مذهبياً، وتبعاً لذلك وتكاملاً معه تبني آلية الميليشيا المذهبية ذراعاً للمشروع. كلاهما، المشروع والآلية، أساس دور إيران الإقليمي. على الناحية الأخرى، وكما هو متوقع، استفز تمدد هذا الدور الطرف الآخر مذهبياً، فتكامل الفعل ورد الفعل في تناسل الميليشيات كبديل للدولة، وتفشي الخطاب المذهبي كبديل لخطاب الدولة.
السؤال: لماذا نجحت إيران في فرض هذا الواقع المظلم على المنطقة؟ سأعود إلى هذا السؤال لاحقاً. قبل ذلك لا بد من تناول سؤال مهم طرحه داود الشريان يوم الأربعاء الماضي من وحي الواقع المظلم. يقول السؤال: هل نستمر (أمام هذا الواقع) في النقاش المذهبي أم نتوقف؟ هناك إجابتان وفق الشريان: الأولى تقول إن «الخوض في الصراع المذهبي هو خدمة لدول وأحزاب تدير الصراع بشعارات دينية»، وبالتالي المفترض «تفويت هذه الفرصة عليها، ولجم هذا النوع من النقاش».
الإجابة الثانية ترى أن «المسيطرين على الساحات طائفيون، والتعفف عن الخوض في هذا النقاش ليس هو الحل. لا بد من تعرية القضية لدى الجانبين وصولاً إلى محاربتها ببديل». بمقارنته بين الإجابتين ينتهي الشريان إلى أن الإجابة الأولى هي الأفضل والأجدى. لماذا؟ لأننا «أمام عنفوان وسطوة أحزاب وجماعات وتيارات تقف خلفها دول وأجهزة استخبارات تسعى منذ عقود إلى تكريس الحس المذهبي والطائفي بين أبناء هذه المنطقة»، ولذلك فإن «الدخول في نقاش لتعرية هذا المشروع سيفاقم المشكلة ويؤجج مشاعر الناس، ويحرضهم على مزيد من الاصطفاف الطائفي والمذهبي».
هدف الشريان واضح، وهو تفويت الفرصة على أصحاب المشاريع والطروحات الطائفية. وكل من يدرك خطر هذه الآفة لا يسعه إلا أن يتفق مع هذا الهدف النبيل. لكن هل الوصول إلى ذلك يتطلب الدخول والمشاركة في النقاش المذهبي، أم مقارعة الخطاب المذهبي على الجانبين بخطاب نقيض له تماماً؟ الإجابة الصحيحة على الجزء الأول من السؤال، كما يقول الشريان، هي بالفعل تجنب الخوض في النقاش أو الجدل المذهبي. أولاً لأن تبني الفرد مذهباً دون غيره جزءٌ من حقه في حرية المعتقد. ثانياً أن أكثر من 1400 سنة من الجدل أثبتت أنه لم ولن يغير كثيراً في مواقف الطرفين. ثالثاً أن الطائفية أو المذهبية هي أخيراً امتداد لواقع التعددية في المجتمع. كان يمكن أن تأخذ هذه التعددية صيغة فكرية أو سياسية بعيدة من التمذهب الديني. لكن هيمنة الفكر الديني، وارتباط الدين بالدولة على مدى قرون فرضا الواقع الذي نراه.
والذي حصل تبعاً لذلك أن دولة دينية نشأت عام 1979، هي إيران، تريد أن توظف هذا الواقع الطائفي العربي لمد نفوذها، وفرض خياراتها. ونتيجة هذا التطور وارتداداته الآن واضحة: هناك احتلال إيراني لسورية، ونفوذ طاغ لها في العراق، ونفوذ في لبنان. وهناك ميليشيات مذهبية على امتداد الوطن العربي، عددها أضعاف عدد الدول العربية. وبموازاة ذلك هناك خطاب طائفي متفش، بعضه معلن ومباشر، وبعضه الآخر يحاول أن يستتر، وهو مكشوف للجميع.
وضع المسألة على هذا النحو يشير إلى أن سؤال الشريان له تكملة. صحيح أن الدخول في النقاش المذهبي يزيد الأمر سوءاً. لكن هذا ليس الخيار الوحيد لتجنب هذه النتيجة. لم يعد هناك مبرر للخوف من استفزاز الخطاب الطائفي، فهذا الخطاب لم يعد في حاجة لاستفزاز. هو فرض نفسه كخطاب مهيمن من خلال تطورات الأحداث، والحروب، وتقاتل الميليشيات، وأجهزة الإعلام على الجانبين. حتى الكتب المدرسية تساهم في ذلك. وعليه، من الخطأ القاتل السماح بترك هذا الخطاب يعصف بالمنطقة ويعمق الشروخ والانقسامات بين أبنائها. الأكيد أن صديقي الشريان لا يريد ذلك، وأنا أتفق معه في أنه لا مناص من مواجهته لدى الجانبين (السني والشيعي معاً) بخطاب بديل، مناقض للطائفية في المنطلق، والمبنى، والهدف. خطاب يكشف كلاحة الطائفية وخطورتها، ويعيد النظر للإنسان إلى نصابه الصحيح، كإنسان أولاً، ومواطن ثانياً، وليس كائناً عقائدياً يعود في جوهره إلى هذه العقيدة، أو تلك الطائفة. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك من دون تفكيك الخطاب الطائفي، وكشف مصادره، وآلياته وأهدافه؟
هذا يعيدنا لسؤال: كيف نجحت إيران؟ لم تنجح لقدراتها الذاتية، أو لوجاهة مشروعها ومقبوليته لدى الشارع العربي. هذا واضح من رفض الأغلبية الصامتة للمشروع، ومن تفشي ظاهرة الميليشيا السنية كرد فعل على تمدد إيران وميليشياتها. نجحت إيران لأسباب أخرى، أهمها أن المذهبية والطائفية ظلتا، مع تعثر مشروع الدولة العربية، جزءاً حياً من تراث المنطقة قابلاً للاستنهاض إذا ما توافرت الدوافع والظروف. ثانياً أن الدول العربية لم تطرح مشروعاً مقابلاً للمشروع الطائفي الإيراني. غياب المشروع، مضاف إليه الإرث الطائفي وتعثر الدولة، أوجدا فراغاً استطاعت إيران أن تتسلل إليه، ومعها تسللت ظاهرة الميليشيات، والخطاب الطائفي. وليس مفاجئاً في هذا السياق أن إيران استطاعت، إلى ما قبل الثورة السورية، إرباك العالم العربي بكذبة المقاومة والممانعة، وهو عالم مرتبك أصلاً، نتيجة لارتباك مشروع الدولة.
لكن من حسن الحظ أن إيران كدولة دينية على أساس مذهبي هي الوحيدة في ذلك، وفي تبني آلية الميليشيا رسمياً كرافعة لدورها الإقليمي. الدول العربية تختلف في أنها ليست دولاً دينية، وإنما مرتبطة بالدين من ناحية سياسية وليست دستورية. وبالتالي هي ليست رهينة لفكرة المذهبية. تركيا، كدولة إسلامية أخرى غير عربية، تختلف عن إيران أيضاً، في أنها ليست دولة دينية، ولا مذهبية. على العكس من إيران، تركيا لم تجعل من أغلبيتها السنية منطلقاً لتغليب هويتها المذهبية على هويتها الوطنية. هي دولة وطنية علمانية أغلبية سكانها من السنة. أما إيران فتعتبر نفسها دولة دينية شيعية بناء على أغلبيتها الشيعية. من هنا يختلف الدور التركي عن الدور الإيراني، في أنه دور لدولة تتعامل مع دول المنطقة على هذا الأساس، ولا تتبنى، كما تفعل إيران، الميليشيا آليةً أصلية لدورها الإقليمي.
من هذه الزاوية تبدو إشكالية الخطاب الطائفي في المنطقة. خوف الشريان وغيره من محاذير مواجهته نابع ليس من الخطاب نفسه، وإنما من بقاء الدين مرتبطاً بالدولة، ومن غياب مشروع عربي مناهض للطائفية. الأول يجعل من الدين مشروعاً سياسياً، ومن الطائفية أداة لهذا المشروع. والثاني يخلق فراغاً لتمدد المشروع. ما هو مطلوب في الحال العربية، كما أشرت من قبل، تفكيك الخطاب الطائفي، وطرح بديل مناقض له، لعله يمهد لمشروع في الاتجاه نفسه تأخذ به الدولة. والسعودية في هذا الظرف الإقليمي، بمركزيتها الروحية، وموقعها الاستراتيجي، وثقلها السياسي، وقيادتها الجديدة، مؤهلة للمبادرة بتبني مثل هذا المشروع، والدفع به على مستوى المنطقة، لأنه إذا كان العالم العربي يعاني من فراغ تمددت إليه ظاهرة الميليشيا كمنافس للدولة، ووصل الخطاب الطائفي فيه إلى حد منافسة خطاب الدولة، فلا أقل من أن تعمل الدولة على استعادة مركزيتها من دون منافس، وترميم هيبة خطابها.
نقلا عن " الحياة " اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.