«مات الراديو».. كان هذا عنوان محاضرة ألقيتها منذ سنوات فى بى بى سى. انزعج البعض بسببها فى المؤسسة التى كانت وقتها إذاعية بالدرجة الأولى. ولم يشفع لى ما قلته من أن نهاية الراديو كأداة استقبال، لن تعنى توقفنا عن ممارسة فن الإذاعة. أخبار متعلقة photo فيلم وثائقي عن الفنانة صباح في الإذاعة وتبث أغنيات نادرة لها photo لائحة جديدة للمساواة بين «الفنيين» فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون photo فرقة المصريين على الراديو الثلاثاء المقبل photo صقر يفتتح ورشة عمل «الراديو الإدراكي» بجامعة القاهرة توقعت موت الراديو، وبعده الصحف، بل حتى التليفزيون. ولكننى كنت أعلم أن الاستماع لن يموت، وأن القراءة والمشاهدة كأنشطة نمارسها لاستقبال واستيعاب المعلومات لن تتأثر، بل ستزدهر من خلال وسائط أخرى، مدفوعة بتفاعل الجمهور الذى أصبح شريكا وعنصرا مؤثرا فى إنتاج المحتوى. اليوم، مات الراديو كما عرفته أجيال سابقة. اختفى «الترانزستور» الصغير، وظهرت مكانه وسائل جديدة. حتى الصحف الورقية، بدأت فى الاحتضار، وسيلحق بها جهاز التليفزيون التقليدى عما قريب. خلف التطور الذى تدفع به تكنولوجيا الاتصال، محاولة لإعادة إنتاج «صحفى جديد» من نوع مختلف، لا يخاف التكنولوجيا، بل يتقن التعامل معها. المهتمون بالصحافة والإعلام فى العالم يدرسون التغير الذى يطرأ الآن على بيئتنا المعلوماتية، ويسعون لتطوير دراسات الصحافة والإعلام، بما يتوافق مع تطور المهنة وما يدعم مهارات الصحفيين وخاصة الشباب منهم. أما فى مصر فالوضع مختلف. الصحفيون الذين دخلوا المهنة من بابها المتطور تقنيا وإلكترونيا يعانون من الحصار والتضييق، ومن حرب تشنها عليهم نقابة اسمها، ويا للمفارقة «نقابة الصحفيين». ومع الإقرار بالدور الهام الذي لعبته النقابة وبعض من نقبائها فى الدفاع عن الصحافة والصحفيين، إلا أن الإنصاف يقضى بالقول أيضا بأنها وقفت دوما عائقا أمام قيد أعداد لا حصر لها من ممارسى مهنة الصحافة، مرة بحجة أنهم «إعلاميون» أى صحفيون يعملون فى الإذاعة والتليفزيون، ومرة بحجة أنهم «إلكترونيون»، أى صحفيون يعملون فى مواقع إلكترونية. صحافة الورق وصحفيوه يشكلون العماد الأكبر للنقابة ومجلسها، ولا أدرى كم منهم لديهم القدرة على استشراف المستقبل وقراءة مستقبل المهنة فى ظل التحديات التى نمر بها. كم منهم يعلمون أنهم بحرمان النقابة من الدماء المتجددة للصحفيين الشباب، يخسرون ويخسر معهم قطاع الإعلام بكامله. إذا أردنا الصراحة، فالمشكلة ليست فقط مشكلة رؤية، ولكنها أيضا مشكلة مصالح وفهم لجوهر العمل النقابى. كثيرون لا يعلمون أن النقابات لم تخلق بغرض الحصول على تسهيلات من الحكومة فى هيئة أراض توزع بأسعار رمزية، أو وحدات سكنية، أو اشتراكات مجانية فى المواصلات العامة. لم تخلق بهدف توفير «بدل التكنولوجيا» الذى يسهل للصحف توظيف الشباب بالسخرة أو بأقل القليل، فى مقابله أو طمعا فيه. خلقت النقابات لترعى أعضاءها، وتنمى مهاراتهم، وتدافع عن حقوقهم وتنادى بها. تسعى النقابات فى العالم كله لزيادة أعداد أعضائها لأنها تعيش من اشتراكاتهم. بزيادة الأعضاء تزيد مواردها فتقدم لهم الحماية عندما يحتاجونها، وترعاهم عند الحاجة. فى حالتنا المصرية تطورت داخل النقابة آلية ذاتية للدفاع عن مصالح وامتيازات الأعضاء من خلال الحد من أعدادهم، حتى لا تقل المنافع بتوزيعها على أعداد أكبر. نجحت النقابة فى مسعاها حتى الآن. ولو استمر هذا «النجاح»، فستقضى النقابة على المهنة ومستقبلها، وتضر بمئات الصحفيين الذين رفعوا هذا الأسبوع شعار #أنا_صحفي_إلكترونى للمطالبة بحقوقهم. ولأن المستقبل لهم، ولن يكون فيه مكان لصحفى يعجز عن التعامل مع التكنولوجيا، فأنا أدعوهم لتغيير الشعار ليصبح #أنا_صحفي_وبس. نقلا عن " المصرى اليوم"