في "إيكيريمبا"، العاصمة التاريخية لبوروندي، يشكل القصر الملكي القديم منطقة مغلقة مكونة من مجموعة ساحات تحيط بها هالة من القدسية ومن الترف في ما كان يمثل مقر إقامة الملك "نتار الخامس"، آخر ملوك بوروندي قبل انبثاق الجمهورية الأولى عام 1966. وتقف بقايا "العاصمة الملكية"، الإسم الذي يطلق على مقر إقامة العائلة المالكة ببوروندي في "مورامفيا" وسط البلاد شاهدا حيا على حقبة ماضية من النظام الملكي البوروندي. كازيري، شيخ ثمانيني من تل "ماسانغو" (موراميفا) يرسم صورة ذهنية عما اعتمل من حياة في هذا المكان منذ زمن بعيد، قائلا للأناضول: " هو مجال يمسح ما لا يتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، ويشمل أساسا 3 ساحات كبرى ينتصب في وسطها القصر الملكي وبيوت الأمراء ورجال الديوان، كما تشمل المعابد الدينية والمخازن وعددا من الاسطبلات". "نسطور مانيراكيزا"، المشرف على القصر الملكي ب "موراميفا" الآيل للسقوط اليوم، بعد سنوات المجد، بسبب نقص الصيانة يقول، في حديث للأناضول، إنّ القصر لا تجمعه أي نقاط تشابه مع قصور ملكية أخرى في العالم. خارج أسوار القصر، على بعد بضعة أمتار فحسب من مدخله، تمتد مساحة معشّبة ومنعزلة كانت تشهد فيما مر من الأيام تدفّق جماعات من الزائرين الطالبين لقضاء الحوائج، هناك عند شجرة ال "كيبيك" المغروسة بالمكان، والتي كان يعتقد أنها مقدسة. ف "تحت هذه الشجرة"، يضيف كازيري، "كان طالبو الخدمات وحاملو الشكاوي يلتقون ويترقبون دورهم قبل أن يستقبلهم الملك شخصيا". وبدخولهم لملاقاة الملك، يجدون أنفسهم في قاعة فسيحة تتوسط سقفها قبة حادة تمثل رمز قوة عرش الملك. ومن جهته، قال "كابورا"، أحد من عملوا في إسطبل الملك للأناضول، أن وفاة هذا الأخير تم الإعلان عنها بشكل مميز، فقد كان يشار إلى موت الملك بعبارة :"لقد سقطت السماء على الأرض"، ويتم تعليق جميع الأنشطة، فيما يمتد الحداد على عدة أشهر ولا يقطعه سوى تنصيب الملك الجديد. هذا الحدث اللافت في تاريخ المملكة، حيث يستعرض الرجل مراسم تنصيب الملك دي نتار الخامس، آخر ملوك بوروندي الذي تعرض بعدها ب 3 أشهر فحسب إلى انقلاب على يد ميشال ميكومبيرو، الذي أعلن قيام الجمهورية. وينقسم بيت الملك إلى عدة أجزاء بهدف التوقي من الحرائق.. تدابير شملت جميع أجزاء القصر، بما أنّ جدران الأخير مشيّدة بشكل كامل من مواد نباتية سهلة الاشتعال، بحسب "مانيراكيزا". وينفصل جزء صغير من البيت عن المساحة الكبرى للمكان عبر سعف أشجار البامبو الذي كان يثير فضول المملكة برمّتها. هي ردهة كانت تشكّل المكان المفضل للملك والملكة، بحضور بعض المسؤولين الكبار أحيانا للحديث. وينسج الخيال الشعبي روايات عديدة عما يدور في ردهات هذا المكان بالقول مثلا إن القرارات المهمة في تاريخ المملكة كانت تتخذ في هذا المكان، كما يرجح أنّه إحتضن عملية تخطيط الملك "موامبوتسا الرابع" بدهاء للبقاء في الحكم في أعقاب استقلال البلاد عن بلجيكيا في 1962. وعند مخرج البيت الملكي، تظهر الساحة الثالثة وكانت بحسب "كابورا" مخصصة للنساء وللغذاء وهي تحتوي على مخازن وبيوت الطباخين والخادمات اللاتي كان عددهن بالعشرات وتتراوح مهمتهن بين الاعتناء بالقصر وبتربية بنات الملك. ويذكر "كابورا" إن القصر الملكي كان يدار بانضباط كبير: "لم يكن لدينا الحق في الخطأ، سواء للأعوان المنتمين إلى عرقية التوتسي أو الهوتو". كما أنّ العاملين بالحديقة وبالمطبخ وبالحراسة والصيانة كانوا ينحدرون من هاتين العرقيتين. "مهمة حراسة الأبقار، وهي حيوانات كانت تعتبر ذات قيمة، كانت تسند إلى شبان التوتسي ولم يكن من المسموح أن يعاني هؤلاء من أي عيب خلقي أو معنوي" بحسب "كابورا الذي يلفت إلى أن كل عامل بالاسطبل كان يتحصل مع نهاية خدمته في القصر على زوجة وهدية تتمثل في بعض الأبقار. أما الرعاة الذين كانوا يعملون تحت إمرة المسؤول عن الدواب في القصر، فقد كانوا من الهوتو أو من التوتسي على حد سواء. وفي المقابل، كانت طبقات مختلفة تتعايش في القصر، مثل ال "بانيامابانغا" (حافظو الأسرار) الذين كانوا يمثلون نوعا من الارستقراطية السياسية والدينية. وكان هؤلاء يشرفون على الشعائر والطقوس وعلى صيانة الطبول الملكية "كاريندا" أو هم من السحرة والعرافين. أما أبناء الملك فقد كانوا يُحملون إلى أقاصي البلاد "لأسباب على قدر كبير من الأهمية" يقول كابورا، تتعلق ب "حماية البلاد من الهجمات الأجنبية أولا، ثم تجنب أن يقوم هؤلاء الأمراء بالانقلاب على والدهم، وذلك ما حدث لآخر ملوك بوروندي "نتار الخامس" الذي إنقلب على والده عام 1966 ويشكل سقوط حكمه بعد فترة قصيرة، آخر فترات حكم عائلة "غناوا" الملكية التي حكمت بوروندي لمدة 3 قرون.