غادر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المملكة العربية السعودية عائدًا إلى بلاده، بعد ثلاث ساعات من اللقاء المغلق بينه وبين الملك سلمان بن عبد العزيز، تحدث فيها عن العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزهما في ظل الأوضاع الراهنة التي تواجه الأمة العربية، حسما أعلن ذلك الإعلام الرسمي في البلدين. لكن وسائل إعلام سعودية، أشبه بالرسمية، قالت إن اللقاء بين الزعيمين المصري والسعودي، والذي سبق زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحث أربعة مواضيع هامة، وهي الحل السياسي في سوريا وليبيا، والتمدد الإيراني، ومؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي يعقد خلال الفترة من 13 -15 مارس الحالي، والمصالحة المصرية التركية. دعم اقتصادي وقالت وكالة أسوشيتد برس للأنباء، إن الزيارة تأتي قبل انعقاد مؤتمر اقتصادي في منتجع شرم الشيخ لتأمين دعم مالي من دول الخليج العربي للاقتصاد المصري "المترنح". وخبر وكالة الأنباء الأمريكية يأتي قبل يوم واحد من حديث الرئيس المصري لقناة العربية، قوله إن بلاده تعول على دور السعودية لإنجاح مؤتمر شرم الشيخ، واحتياج أشقاء مصر لتلبية مبادرة المغفور له الملك عبدالله وحضور المؤتمر الاقتصادي. الوضع السوري وفيما يخص الوضع في سوريا، ذكرت وسائل إعلام سعودية إن الملك سلمان بحث مع الرئيس السيسي السبل الممكنة في انقاذ سوريا، وإيقاف الحرب الأهلية هناك، لاسيما بعد أن فشلت المعارضة السورية في إسقاط الرئيس بشار الأسد، مشيرة إلى أن اقتراح السيسي للملك سلمان هو أن يكون هناك حلا سياسيا للصراع في سوريا دون استمراره. وفسر محللون سياسيون أن حديث الريس المصري عن الحل السياسي في سوريا تكرر في أكثر من موقف، كان آخره في بيان صدر عن الرئاسة المصرية في نهاية زيارة الرئيس المصري للرياض، أشار إلى أن "الرئيس السيسي شدد على أن اهتمام مصر ينصرف إلى الحفاظ على الدولة السورية ذاتها وحماية مؤسساتها من الانهيار، مؤكداً أهمية التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة". وبحسب محللون سياسيون فإن الموقف المصري من الأزمة السورية بقي مجرد رأي، يتردد في التصريحات الصحافية، والبيانات التي تعقب الزيارات المتبادلة، هل جاء الوقت الذي تتحرك فيه القاهرة، وتصوغ هذا الموقف في مبادرة يتم طرحها، رغم ما يبدو لبعضهم من حساسية هذا الموقف لدى السعودية وبعض دول الخليج؟ القاهرة ومعها الرياض تدركان الآن أن المجتمع الدولي لم يعد متحمساً لحرب في سورية، فضلاً عن أن موقف السعودية يلتقي مع مصر في هدف حقن دماء الشعب السوري، لكن يبقى الشق الثاني من "المبادرة" وهو القبول بالنظام كمرحلة انتقالية، أو القبول ببعض رموزه. الوضع في ليبيا لم يكن هناك واضح فيما يتعلق بالمسألة في الوضع الليبي غير الأخبار الرسمية التي نقلتها وسائل إعلامي في البلدين، فقد كشف علاء يوسف المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحدث أثناء لقاءه بالملك سلمان هو ليبيا أكد خلالها أن جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا لا تتعارض مع دعم مصر لجهود المبعوث الأممي لإيجاد حل للأزمة عن طريق الحوار، كما شدد على ضرورة وقف إمدادات المال والسلاح للميليشيات الإرهابية والمتطرفة في ليبيا، وأهمية دعم المؤسسات الليبية الرسمية، وعلى رأسها البرلمان المنتخب والجيش الوطني، بالإضافة إلى مساندة الحل السياسي وصولاً إلى تحقيق الأمن والاستقرار للشعب الليبي. ووفقا لبيان الرئاسة المصرية فإن لقاء القمة أكد على أهمية مجابهة محاولات التدخل في الدول العربية أياً تكن مصادرها، وتفويت الفرصة على من يحاولون بث الفرقة والانقسام بين الأشقاء، وذلك حفاظاً على النظام العربي الذي يهدف الزعماء لترميمه وتقويته في مواجهة محاولات اختراقه وإضعافه، إذ أعرب الزعيمان عن تطابق مواقف البلدين إزاء سبل مواجهة التحديات في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعد ركيزة أساسية للتضامن العربي". اليمن وقوة مشتركة وبحسب البيانات التي خرجت من الجانبين فقد كانت الأحداث في اليمن، والتمدد الإيراني، مسيطرًا على تباحث الزعيمين، والذين اتفقا على ضرورة تداركها؛ تلافياً لآثارها السلبية على أمن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر. وأعرب الرئيس عن تأييد مصر للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وضرورة الحفاظ على السلامة الإقليمية لليمن ووحدة شعبه، وأهمية تكاتف جهود المجتمع الدولي لعدم السماح بالمساس بأمن البحر الأحمر أو تهديد حركة الملاحة الدولية. ونسبت وكالة أسوشيتد برس للأنباء إلى مسؤول سعودي -طلب عدم ذكر اسمه- القول إن الزعيمين ناقشا أيضاً اقتراحاً من السيسي بتشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب من أجل التصدي للتهديدات الإقليمية، لا سيما الأوضاع في اليمن وليبيا وسوريا، عقب تناول الوضع في اليمن. لكن محللون سياسيون يرون أن اقتراح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنشاء قوة عسكرية موحدة قد يكون فيها صعوبة نتيجة للأوضاع الراهنة في المنطقة العربية. وقال المحلل السياسي المصري سامح راشد في لقاء مع الغد العربي، إن هناك صعوبة بالغة في تشكيل قوة عربية مشتركة، لأن التهديدات التي تواجه المنطقة العربية محل خلاف بين الدول العربية وبعضها". من جهته قال سفير مصر الأسبق في المملكة العربية السعودية، فتحي الشاذلي لنفس القناة : "نحن لا نعمل في منطقة بعيدة عن اهتمامات العالم "، موضحاً أن بعض الأطراف العربية ترغب في تشكيل قوة عربية مُشتركة، قائلاً: "تحالف الراغبين لتكوين قوة عربية في مضومنه يُعد رمزياً أكثر مما هو عملي". لكن الدكتور عبد الرحمن الطريفي المحلل السياسي، أوضح أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، في أعقاب زيارة سابقة للملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، يؤكد وجود تغيير في السياسات العربية تجاه تكوين جيش ردع عربي، لمواجهة التهديدات الخارجية في اليمن من جانب جماعة الحوثيين. مصالحة مصرية تركية ووفقا لتسريبات خبراء سياسيين مقربين من الرئاسة التركية فإن المملكة العربية السعودية تسعى لإجراء مصالحة بين كل من تركيا ومصر، بعد أن توتر العلاقات بين البلدين عقب إعلان عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي، وهو ما نفاه الطرفين قبل مغادرتها بلديهما. لكن محمد زاهد جول - الكاتب والمحلل السياسي التركي، قال إن سبب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمملكة العربية السعودية قبل الرئيس أردوغان. وقال "جول" في تصريحات نقلتها صحيفة المصريون إن الموضوع المصري كان على الطاولة في إشارة إلى لقاء الرئيس التركي بالعاهل السعودي، موضحا أن سبب زيارة السيسي للسعودية قبل أردوغان رغبة من الطرف السعودي بالاستماع إلى السيسي فيما يبدو قبل لقاء أردوغان"، "لكن المصالحة الآن غير واردة". ويقول محللون سياسيون إن المصالحة التركية المصرية برعاية سعودية طرحت، وهي غير قابلة لأن تخرج الآن إلى الإعلام، نتيجة للوضع المتأزم بين البلدين والتعبئة الإعلامية الموجهة ضد طرف، لكنها ستكون خلال الفترة القادمة. لماذا المصالحة يرى محللون سياسيون أن التحركات السعودية الأخيرة تهدف لمواجهة "التمدد الإيراني" في المنطقة، وأن محاولات السعودية للمصالحة بين مصر وتركيا هي بمثابة "إنعاش آمال التوازن مقابل التمدّد الإيراني". ويشير المحللون السياسيون إلى أن التحركات السعودية تهدف "للم شمل الدول الإسلامية السنية من أجل وضع حد لمساعي التمدد الإيراني الذي يستفز دول المنطقة". ويوضح مراقبون سياسيون أن هناك عاملاً مشتركاً يهم الدول العربية وتركيا، إذ إن "هناك إرهابا يتمدد لا تنحصر أخطاره على الدول العربية وحدها، وإنما أيضاً على تركيا، يرافقه تمدد إيراني يضع نفسه معادلاً أساسياً في أي تسويات سياسية أو عسكرية". ويعتبر آخرون أن المساعي السعودية للعمل على استقرار المنطقة من خلال يأتي لتحجيم الدور الإيراني ومنعه من مواصلة عبثه مع جيرانه، وإنهاء ملفه النووي، وإنهاء السياسات العنصرية للكيان الصهيوني المحتل، وتفعيل المبادرة العربية للسلام، ومحاربة الإرهاب والقضاء على كل التنظيمات المتطرفة. ومضة تاريخية بعد الثلاثين من يونيو والإطاحة بحكم جماعة الإخوان إثر مطالبات شعبية، كان موقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة مذبذباً تجاه مصر، لتقف السعودية منددة بالموقف الدولي الذي وصفته بالمتعارض مع مواقف تلك الدول تجاه الأحداث في سوريا. الرياض أكملت دعمها لمصر، دبلوماسياً واقتصادياً في سبيل تنفيذ خارطة الطريق التي اتفقت عليها القوى السياسية حتى وصل الاستحقاق الرئاسي الذي أفضى بالسيسي رئيساً لمصر، وفي يومها أرسل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رسالة للرئيس الجديد مهنئاً وناصحاً وداعياً إلى مؤتمر لأصدقاء مصر لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية والذي سيعقد في شهر مارس الجاري. وبعد ثمانية أيام من انتخاب السيسي رئيساً لمصر، حطت طائرة الملك عبدالله القادمة من المغرب في مطار القاهرة، حيث كان السيسي مستقبلاً له، وعقد القائدان قمة قصيرة داخل الطائرة الملكية.