البشر مغرمون في كل أنحاء الدنيا، وفي شتي الأزمنة بالكشف عن خفايا الأشياء وحقائقها بوجه عام، وفيما يتعلق بأحداث قتل وانتحار الشخصيات العامة و المشاهير فعادة ما تثار حولها حكايات وأقاويل تجلب كثير من الظنون والشكوك قد تعارض وتختلف مع ما كان يعتقد أنه حقائق مؤكدة، ومن ثمة يسعي كثيرون لمحاولة إزاحة الغموض عنها لاستجلاء الواقع. ومن الأمثلة المعروفة والتي لا زالت الأسئلة حولها حائرة تبحث عن إجابات -من قتل الرئيس الأمريكي جون كنيدي؟ - هل انتحر المشير عبد الحكيم عامر أم أنه اغتيل؟ - هل تعرض توت عنخ آمون للقتل أم أنه مات مريضا بمرض عضال؟ .......الخ. والغريب والمثير للدهشة أن الكشف عن حقيقة تلك الحوادث التي انقضت لن يغير من واقعنا الحالي الذي نعيشه شيئا، لكنه الفضول الإنساني هو الذي يدفعنا لاستقصاء أبعاد تلك الحوادث، عسي أن نزود ضمائرنا بذخيرة من أَلحِكمْ والعِبَرْ تنفع وقت الاحتياج إليها.
وفي هذا الإطار، طلعت علينا جريدة النيويورك تايمز الأمريكية بعددها 14 اكتوبر الجاري بخبر يهم كتاب تاريخ الفن ومتابعي الحركة الفنية العالمية، ويثير الشك في واقعة انتحار الفنان الهولندي العالمي فان جوخ، والتي حدثت في يوليه 1890 بفرنسا، ويقول الخبر أن الحادثة ربما تكون قتلا وليست انتحارا، فيا تري من كان قاتل فان جوخ؟
التساؤل الجديد حول من قتل فان جوخ ورد في كتاب يظهر هذا الأسبوع في الولاياتالمتحدةالأمريكية يعرض لحياة الفنان فان جوخ تحت عنوان
" Van Gogh: The Life " كتبه الكاتب الأمريكي من أصول عربية ستيفن نايفه Steven Naifeh (الحاصل علي جائزة بوليتزر الشهيرة)، بالإشراك مع الكاتب جريجوري وايت سميث Gregory White Smith - ويبني الكاتبان افتراضهما أن الفنان فان جوخ قتل و لم ينتحر علي أساس عدم توفر الدليل المادي الذي يفيد وقوع حالة الانتحار بمسدس، فالمسدس لم يظهر، بالإضافة إلي أن فان جوخ ليست له صلة أو معرفة بالأسلحة من الأساس، كما أنه لم يدون رسالة مكتوبة تفيد عزمه علي الانتحار، بالإضافة إلي أن زاوية إطلاق الرصاصة التي قتلته في أعلي البطن جاءت مائلة وليست مستقيمة كما يحدث في حالات الانتحار، ويعتقد الكاتبان أن أخا اصغر لأحد الأصدقاء قتله خطأ، فقد كان يعبث بمسدس يحمله بقصد المزاح ليستثير به فان جوخ وإخراجه عن هدوءه، فالفنان فان جوخ كان معروفا عنه الدخول في نوبات عنف وهياج إذا ما استثير، ويضيف الكاتبان أن فان جوخ قبل وفاته كان في استطاعته اتهام الصبي بمحاولة قتله، لكنه فضل أن يقر قبل لفظ أنفاسه الأخيرة بأنه انتحر في عبارة جاءت مترددة وغامضة، ويستنتج الكاتبان - اللذان عكفا علي دراسة الواقعة ومستنداتها وملابساتها لمدة عشر سنوات - أن فان جوخ بروحه السمحة رحب بالموت ولم يري فائدة من اتهام ومعاقبة أي شخص علي تلك الفعلة.
وهكذا وبعد مرور 121 عاما علي واقعة وفاة فان جوخ فلا زال هناك من يتحري حقيقة ما حدث، ويقلب في الماضي بحثا عنها، وهذا يدلنا علي أن الحقائق مهما طال الأمد فإنها لا تموت، وستجد من ينقب عنها ويكشفها ويظهرها. وما دمنا نتحدث عن الفنان فان جوخ، فالسؤال الذي يقفز إلي الذهن هو من سرق لوحة زهر الخشخاش؟.... إذا اعتقد سارقها أنه أخفي الحقيقة، فهو واهم فالحقيقة لابد وأن تظهر يوما ما قرب أم بعد، طالما هناك من يسعون للكشف عنها.