أرجو أن نبحث عن نقطة بداية جديدة، فنحن ما زلنا للأسف ندور فى نفس المكان والدائرة المفرغة التى كنا فيها منذ عدة عقود، ندور فى دائرة التجزئة وتكفير المخالفين والبقية تأتى، فهل سنستطيع أن ننقذ سوريا والعراق وتونس واليمن ولبنان وليبيا هذا هو السؤال والتحدى الأصعب فى المرحلة المقبلة؟. بهذه الكلمات اختتم الدكتور حسن حنفى لقائه الفكرى في معرض القاهرة الدولى للكتاب.. محذرا مما هو قادم إذا بقى الحال كما هو عليه. بدأ اللقاء بكلمة الأستاذ الدكتور أنور مُغيث رئيس المركز القومى الذى أدار اللقاء، وقدم د. حسن حنفى قائلا: مارس التدريس في عدد من الجامعات العربية ورأس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة.. له عدد من المؤلفات في فكر الحضارة العربية الإسلامية.. حاز على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراه، قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 م تحت عنوان: "تأويل الظاهريات" و"ظاهريات التأويل"، وقضى في إعدادهما في السربون عشر سنوات. من جانبه قال حسن حنفي، أن الحديث كثر رفى الآونة الأخيرة عن تجديد الخطاب الدينى. شارك فيه الرئيس بداية حتى يفتح المجال لنقد حركات الإسلام السياسى على كل أنواعها أو مشاركة فيما يدور بين الكُتّاب حتى لا يبدو خطابه مقتصرًا على المشاريع التنموية الكبرى وأزمات الحياة اليومية كالكهرباء والمياه والصرف الصحى والعشوائيات والمرور والأمن، ومادام الرئيس قد شارك فيه فالموضوع أصبح منطقة أمان. يستطيع كل كاتب أن يشارك فيه باسم التجديد والتنوير ومواجهة قوى الظلام والتخلف. وعلماء الدين، يقبلون الدخول فى هذا النقاش على مضض لأن الدين لا تجديد فيه، لغة أو موضوعًا، شكلاً أو مضمونًا!. ولغته لا تتغير لأنها لغة القرآن. والقرآن هو كلام الله الذى لا تغيير فيه. بل إنهم هم الرافضون لأى محاولة لفعل ذلك من العلمانيين الذين يتآمرون على الدين بداية بالقطيعة معه، وتغيير لغته كما فعل الغرب فى عصوره الحديثة. بل ويكفّرون من يقوم بذلك، لأنه هدم للدين من الداخل وترويج للعلمانية حاملة الكفر والإلحاد. ويقوم بذلك العلمانيون وهم غير متخصصين. يريدون استبعاد الدين من الحياة اليومية لتأسيس المجتمع المدنى، كما فعل الغرب. فالدين لله والوطن للجميع. وينشغل الناس بهذا السجال بين من يظن أنه يدافع عن الدين وتراث الأمة ومن يظن أنه يدافع عن الحداثة والاجتهاد وروح العصر. واللغة ألفاظ ومعانى، الألفاظ متجددة طبقا لثقافة كل عصر. والمعانى باقية عبر العصور. الوحى، والسمع، والنقل، والمعرفة القبلية ألفاظ متعددة لمعنى واحد وهو كلام الله المنزل. والعالم والكون والدنيا والخلق ألفاظ متعددة لمعنى واحد هو هذه الحياة التى نعيشها. وألفاظ أهل الكتاب وأهل الذمة قد تتعارض مع مفهوم المواطنة التى يتساوى فيه الجميع، حقوقاً وواجبات دون تمييز فى الدين أو المذهب أو الطائفة أو الذكورة والأنوثة. وفى الثقافة الشعبية ممثلة فى الأمثال العامية ما يسمح بتجديد الألفاظ ولكن التيار الغالب هو القول بثباتها. وهو الصراع القديم والجديد، بين الأشاعرة ممثلة القديم والمعتزلة ممثلة الجديد. وكل ما فعلته الحركة الإصلاحية مثل محمد عبده أنها أصبحت أشعرية فى التوحيد وإن اقتربت من المعتزلة فى العدل إثباتاً لاستقلال العقل وحرية الإرادة. إن تجديد الخطاب الدينى يبدأ بحياة الناس والواقع الاجتماعى، ما يقبله وما يرفضه. وقد قام قدماء الفلاسفة بتغيير الألفاظ دون حرج. فالله هو واجب الوجود، والمطلق، ومثال المثل، والعلة الأولى، ونشأت الحضارة الإسلامية بهذه الطريقة، الانفتاح على ثقافات الغير واستعارة ألفاظها دون معانيها. فقد امتلأت اللغة العربية الحديثة بكثير من الألفاظ المعربة مثل: الدستور، البرلمان، البنك، الشيك. إن تجديد الألفاظ يحمى المجتمع من الوقوع فى الثنائية الثقافية بين السلفيين الذين يتمسكون بالألفاظ القديمة والعلمانيين الذين يستبدلون بها الألفاظ الحديثة، كما يحرص على وحدة الثقافة الوطنية بدلاً من الخصام الثقافى حتى الحرب الأهلية. ويحفظ المجتمع من التحول من الألفاظ إلى مضمونها حتى لا تنشأ حركات مثل "داعش" و"بوكوحرام" وكل دعاة الخلافة وإحيائها بعد أن تحولت الدولة الوطنية إلى دولة مستبدة. وهى صنيعة القوى الاستعمارية بعد سقوط الخلافة وطبقا لتقسيم سايكس- بيكو. يتابع: إن تجديد الخطاب الدينى هو أحد وسائل تطوير الخطاب الإصلاحى الذى حاول من قبل الجمع بين القديم والجديد قبل أن يصطدم بالحداثة فينكمش على نفسه ويعود إلى القديم مرة أخرى ويكفّر الحداثة والحدثيين، والتجديد والمجددين. وتقدم الدكتور أنور مُغيث بالشكر للدكتور حسن حنفي على هذا التناول التاريخي والمعاصر في نفس الوقت لإشكالية تجديد الخطاب الديني والذي يستند إلى مجموعة من الآليات والأساليب حتى لا يُترك الحبل على غاربه لمن يملأون الفضائيات تحت ستار ما يسمى بالجعاة الجدد، فللخطاب الديني مراحل تاريخية معناها هو نقل البلد من حالة إلى حالة أخرى وأن نستخدم الألفاظ القديمة ولكن بمدلول جديد بما يتواكب مع عصر الحداثة أو أن نضع أهدافًا جديدة ونحاول أن ندمجها مع التصورات القديمة، فالمهمة الأساسية للخطاب الديني هو رأب الصدع داخل الأمة العربية والإسلامية. بعد ذلك وجهت العديد من الأسئلة والمداخلات للدكتور حسن حنفى الذي قال: مشكلتنا أننا نعيش مجتمع أحادى، يؤمن بأن من يملك القوة والسلطة هو من على حق وماعداه على ضلال، ومنهنا فأنا أرى أننا فى حاجة إلى إحياء فكرة التعددية، فالحقيقة فى الفقه الإسلامى كانت قائمة على التعددية، فكل آراء الفقهاء كانت على صواب، والذى يحكم بذلك هو المصلحة العامة للعباد، ومن ثم فإن الهجوم على التعددية بالنسبة لنا ليس فى صالحنا لأننا نعانى من الأحادية.