في حين بدأ التفشي المدمر للإيبولا بغرب أفريقيا في الانحسار، يتطلع العلماء إلى ما وراء المرحلة النهائية ويركزون أنظارهم على لقاحات الجيل القادم اللازمة لإنشاء ترسانة حيوية تكفي للقضاء على أي وباء قادم بصورة قاطعة وعلى وجه السرعة. يقول الباحثون - وقد عقدوا العزم على ألا يفقدوا الزخم العلمي الذي يمكن أن يجعل من إنتاج أول عقار فعال لعلاج الإيبولا في العالم أمراً واقعاً - إن هذه الحقن يجب أن تكون زهيدة الثمن وأن يكون من المتيسر نقلها وتداولها في أفريقيا وقادرة على القضاء على العديد من السلالات الفيروسية وأن تكون علاجاً فعالاً، طبقاً لما نشرته وكالة الأنباء "رويترز". وقد يعني هذا تحول التركيز عن أفكار ابتكار نسخ مبسطة وسريعة من اللقاحات التي هيمنت على الساحة خلال الأشهر الستة الأخيرة على ألا يعني ذلك أن يغرق المجال الطبي في سلسلة من التعقيدات. وقال سيث بيركلي الرئيس التنفيذي لتحالف (جافي) العالمي للتطعيم الذي يساعد في شراء لقاحات بالجملة للبلدان الفقيرة: "نحن بحاجة إلى مخزون لأنه ستحدث إصابات أخرى". وتمر اللقاحات التجريبية الآن بمرحلة من الاختبارات الإكلينيكية الموسعة في غرب أفريقيا مستهدفة سلالة زائير الفيروسية للإيبولا لكن التفشي التالي ربما يكون مختلفاً. وأوضح بيركلي: "نحتاج إلى تضافر الجهود مع صناعة المستحضرات الطبية لابتكار جيل ثان من اللقاحات تتعامل ليس مع الإيبولا في زائير فحسب بل الإيبولا في السودان وربما حمى ماربورج النزفية وأيضاً حمى لاسا، فالفكرة هي إنتاج لقاحات تصلح لمختلف البقاع والأماكن". ويتصدى العلماء الآن لعدد من المسائل الشاقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى النجاح في الحد من ظهور إصابات إيبولا جديدة على نطاق واسع. ومع القلة النسبية لحالات الإصابة الجديدة فإن التجارب الواسعة النطاق التي تجري في ليبيريا وسيراليون لاختبار الجيل الأول من لقاحات الجرعة الواحدة والسلالة الواحدة ربما لا تكون ذات حجية إحصائية تكفي للبرهنة على مدى نجاح العقاقير. وبالفعل تشير بيانات أولية من تجارب سلامة العقاقير إلى أن جرعة تطعيم واحدة من لقاح متطور للغاية - تنتجه شركة جلاكسو سميثكلاين - ربما لا تسفر عن رد قوي كاف من جهاز المناعة لوقاية الأشخاص المعرضين للإصابة بهذا الفيروس. وقال أدريان هيل من معهد "جينر" بأوكسفورد في إشارة إلى العنصرين الرئيسيين لجهاز المناعة: "نعرف الآن أن لديك أجساماً مضادة أقل بواقع عشرة أمثال (عن القردة) وربما خلايا تائية أقل بخمس مرات". وأضاف هيل أن ذلك يؤكد بشدة أن نظام الجرعتين هو المرجح أن يكون فعالاً. وتلك وأمور أخرى تضيف قائمة صعبة من الأعباء على العلماء وهم يركزون على ابتكار ترسانة من اللقاحات للمستقبل. وإنتاج لقاحات من سلالات بكتيرية عديدة يمكن أن تقي من عدة أنواع من الإيبولا أو من الحمى النزفية الأخرى يمثل مضيعة للوقت بقدر أكبر من إنتاج لقاحات حالية مستقاة من سلالة منفردة، كما أنه مستحيل بأي حال من الأحوال. وفي واقع الأمر، فإن عدداً من اللقاحات المرشحة لعلاج الإيبولا يجري تسريع وتيرة مرورها بتجارب أجريت لاستخلاص اللقاح من عدة سلالات من الكائنات الحية الدقيقة قبل إعداد نسخ مبسطة منها للتعامل مع الإصابة الحالية. والتحدي الآخر هو ضمان أن للقاحات صلاحية ممتدة المفعول على أن يتسنى نقلها بيسر في المناطق الحارة. وتحفظ اللقاحات التجريبية في الوقت الراهن عند درجة حرارة بين 70 و80 درجة مئوية تحت الصفر، فيما تقول شركة "جونسون آند جونسون"، إن لقاحها لعلاج الإيبولا يمكن تخزينه عند درجة الحرارة العادية للمبردات ولعدة أسابيع. غير أن إنتاج كميات كافية يبدو ممكناً. وهناك أمل في أنه في حالة ظهور الإيبولا وانطلاقها من أدغال أفريقيا في المرة القادمة فسيتسنى رصدها مبكراً وربما يلزم تطعيم عشرات الآلاف من الأشخاص وليس مئات الملايين ممن يحتاجون لقاحات إذا تفشت جائحة عالمية للأنفلونزا مثلاً. في نهاية المطاف، فإن الشركات لا تزال في حاجة إلى الضوء الأخضر من الجهات الرقابية وإلا وقعت هذه الشركات في المحظور إذا ما أخفقت تجارب تجرى على نطاق واسع في إظهار برهان واضح بان هذه الحقن آمنة وفعالة في آن واحد بالنسبة للبشر. إلا أن الباحثين والجهات المعنية بصناعة الدواء يقولون إن الجهات الرقابية أوضحت أنه يمكن الموافقة على مخزون لقاحات الإيبولا من حيث بيانات الفاعلية بناء على تجارب أجريت على القردة أو الرئيسيات الأخرى بخلاف الإنسان. ذلك علاوة على براهين تؤكد سلامة اللقاح واستجابة جهاز المناعة له لدى البشر، الأمر الذي يعكس خططاً واستعدادات للطوارئ لإنتاج لقاحات مخصصة لمواجهة هجمات الإرهاب الحيوي. ولا يعني القول بالاستعانة بلقاحات الغد أن أحد العلاجات الحالية المستقاة من سلالة بكتيرية واحدة سواء من شركة "جلاكسو سميثكلاين" أو "ميرك" أو "جونسون آند جونسون" ربما لا يكون لها أي دور في محاصرة جيوب العدوى المتخلفة عن الوباء الحالي وربما في القضاء عليها نهائياً. وقال هيل: "أشعر بقدر كبير من التفاؤل بأنه لا يزال للتطعيم دور في القضاء على هذه الاصابة، وأنني في غاية التفاؤل إننا سنتعلم في الإصابة التالية ما هي أساليب التطعيم التي من المرجح ان تكون أفضل وأن نكون على أهبة الاستعداد لمجابهتها مبكراً".