روايتي لم تكن لتجد رواجاً إذا صدرت في السودان الرواية أعجبت آل بيت الإمام المهدي نفسه التطرف الديني لا يؤمن بشكل الدولة الحديثة ويرفض شرعية المجتمع الدولي الفقر والفساد والجهل والحكم القمعي يساعد على تمدد التطرف الإنسان العربي ليس حراً..والتاريخ يأسرني أمتع كتاب في سنواتي الإعدادية "تاريخ ألمانيا الهتلرية"! "شوق الدرويش" الأيقونة التي أدخلت صاحبها إلى عالم المنافسة والجوائز، فقبل انتهاء العام الماضي بأيام حصل المؤلف السوداني حمور زيادة على جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأمريكية، وبعد بداية العام الجديد بأيام احتفل زيادة بدخول روايته "شوق الدرويش" إلى القائمة الطويلة لجائزة "البوكر" العربية. الرواية وصفتها الكاتبة سلوى بكر: بأنها عمل كبير ومهم وستكون علامة بارزة في تاريخ الأدب السوداني، المبهر فيها هو الطرائق التعبيرية وطرائق السرد التي استخدمها الكاتب حمور زيادة، حيث بدى كأنه كاتب مكرس، ممسك بتقنياته السردية بامتياز. الرواية تستحق، هكذا أشاد بها النقاد والقراء، يصحبنا بها المؤلف في رحلة طويلة وعجيبة، قادنا فيها "حمَّور" إلى فترةٍ تاريخيةٍ ربما لا نعلم عنها شيئًا في تاريخ السودان "الشقيق"، حيث "ثورة المهدي" (1844 م) الذي يتحدث وأتباعه وكأنه ولي من أولياء الله، يعد الناس بنشر العدل في العالم، لكن الواقع شئ آخر. هكذا يعلن حمور في روايته أنه حكّاء بامتياز، يحمل على ظهره إرث سوداني ملئ بالحكايات التي ورثها عن جدته، ليؤكد أن العرب يملكون "الواقعية السحرية" بكل زخمها وليس فقط كتّاب أمريكا اللاتينية. الرواية عن الإيمان والكفر، عن الشك واليقين، التعصب والتسامح، الحب والكراهية والإنتقام، عن الدين والدنيا، والعلاقة مع الآخر بكل تجلياتها، وعن دروشة الدين ودروشة الحب. "محيط" حاور صاحب "شوق الدرويش" حمور زيادة المدون والكاتب صحفي والروائي السوداني، صدرت له بالقاهرة عدة أعمال أدبية "سيرة أم درمانية" مجموعة قصصية، "الكونج" رواية، "النوم عند قدمي الجبل". أكد في حواره أن الجوائز هي طوق النجاة للكاتب في بدايته، لافتاً إلى أنه لم يقصد الكتابة عن الثورة المهدية بسبب داعش، لكن أزمات منطقتنا لا تزال تشبه مشكلات القرن التاسع عشر، وأن "الدواعش" والمتطرفون ليسوا حمقى أو خونة، لكنهم يعتقدون أنهم وصلوا للاجابة الصحيحة الوحيدة، ومن فرط الإيمان يمكنهم أن يقتلوا أو يفعلوا أي شئ..إلى نص الحوار. كيف استقبلت خبر الفوز بجائزة نجيب محفوظ..ووصول الرواية إلى القائمة الطويلة بالبوكر؟ هو شرف عظيم بالتأكيد، ودفعة للأمام، ينسب لبرنادرد شو أنه قال: حين رفض جائزة نوبل "أنها أشبه بطوق النجاة الذي يلقى للغريق بعد وصوله لشاطئ النجاة". لأن الكاتب يحتاج الجوائز في سنين بدايته لأنها تساعد أعماله أن يعرفها الناس. واستقبلت خبر البوكر، بالسعادة بلا شك. والقلق على ما سأكتب بعد ذلك. لماذا اخترت الكتابة عن الثورة المهدية في هذا التوقيت؟ لن أزعم أن التوقيت كان عن قصد. لدي ما يشبه الخطة للكتابة عن عدة حكايات سودانية، أعدل فيها أحياناً، لكن كان هذا وقت الكتابة عن الثورة المهدية بالنسبة لي. لم يكن تطرف داعش قد ظهر حين بدأت في الرواية. لكن نحن في منطقة من العالم لا تختلف فيها المشاكل رغم تغير الزمن. مازلنا نواجه ذات أزمات منطقتنا التي واجهتها في القرن التاسع عشر. لهذا بدا الواقع قريباً جدا للزمن التاريخي الذي كتبت عنه. البعض صنف روايتك باعتبارها تاريخية والبعض الآخر يراها مغرقة في المعاصرة والواقعية ..كيف ترى هذا الاختلاف؟ ليس لي رأي في الاختلاف. لكل شخص أن يقرأ العمل كما يشاء. لكن بالتأكيد أنا لم أكتب نصاً تاريخياً أو بحثاً عن المهدية. إنما هي رواية تتكئ على الحدث التاريخي. "فرط الإيمان يكاد يودى بى إلى الكفر" جاءت العبارة على لسان أحد أبطال الرواية.. هل هذا يحدث فعلا؟ بالتأكيد يحدث. يحدث كل يوم حولنا. المتطرفون ليسوا حمقى ولا مجموعة من النصابين المرتزقة. إن التعامل مع الجماعات المتطرفة على انهم مجموعات من الخونة الذين يتحركون بتعليمات الأعداء، أو أنهم مجموعة من النصابين يتاجرون بالدين، هذا أمر خاطئ. إنهم قوم استبد بهم اليقين. من فرط ما آمنوا أنهم عرفوا الحق لم يعد لديهم تردد، يمكنهم أن يفعلوا أي شيء، فقد وصلوا للاجابة الصحيحة الوحيدة. لهذا يمكن أن يقتلوا، أو ينتحروا، أو يرتكبوا أي شيء من شدة الإيمان. تكتب بلغة أقرب إلى الصوفية..لماذا اخترت الكتابة هكذا؟ لغة الرواية يجب أن تناسب موضوعها، وكان هذا زمن التصوف في السودان. حتى ثورة الإمام المهدي لها منطلقات صوفية. وحالة العشق والحب تناسبها اللغة الصوفية. تصور معي..هل إذا صدرت الرواية في السودان كنت ستتحول إلى عدو للوطن خاصة أن الرواية وُجهت بسخط واسع في السودان وبالتحديد وسط طائفة الأنصار؟ لا أظن الرواية وجهت بسخط واسع داخل السودان، ولا أنها وجهت بسخط من كل طائفة الأنصار. هناك كثير من الأنصار قرأوا الرواية وابدوا اعجابهم بها أدبياً حتى مع اختلافهم مع بعض ما جاء فيها. من هؤلاء بعض آل بيت الامام المهدي نفسه. وفي السودان كان هناك تقدير وفرح واسع لحصول كاتب سوداني على جائزة نجيب محفوظ. جنباً بجنب مع السخط على الرواية وكاتبها والجائزة. لكن لو كانت الرواية صدرت داخل السودان فالمؤكد أنها ما كانت لتجد هذا الرواج. هل ترى أن التطرف الديني يساهم في انتشار الفوضى؟ بلا شك. بل هو يستفيد من الفوضى ويسعى إليها. التطرف الديني لا يؤمن بشكل الدولة الحديثة، ويعتبر المجتمعات قائمة على قواعد وقيم حداثية وغربية بعيدة عن الإسلام، ويرفض العلاقات الدولية والمجتمع الدولي وشرعيته. فبالنسبة له هناك معسكر إيمان ومعسكر كفر. للوصول لهذه الحالة فان الفوضى والصراع هو ما يريد وهو ما يمكنه من الاستمرار. طبعا مع حالة الفقر والفساد والجهل والحكم القمعي الذي تعيش فيه مجتمعاتنا يصبح من الطبيعي أن يتمدد التطرف، وأن ينجح في فرض حلمه بالفوضى. هل الانسان العربي في حالة عبودية ..كما تشير بالرواية؟ الانسان الحديث عموماً عبد لأشياء كثيرة. لكن المؤكد أن الانسان العربي ليس حراً. كيف بدأت علاقتك بالأدب؟ تربيت على الحكاية والحكايات. على يد جدتي لأمي رحمها الله. ثم كنت محظوظاً أني حين رفعت رأسي وجدت مكتبة وأسرة محبة للقراءة. فتسلقت مكتبة أبي صعوداً من حكايات جدتي. فقرأت نجيب محفوظ وأنا دون العاشرة. طبعاً لم أفهمه، لكني عرفته. ثم واصلت القراءة وأسرني الأدب والتاريخ. ثم وجدتني أكتب. منذ زمن بعيد. ربما منذ تعلمت القراءة والكتابة. جوائز الرواية العربية هل تراها مفيدة للأدب؟ بالتأكيد. هي تحفز كثيرين على الكتابة. وتلقي الضوء على أسماء وأعمال كثيرة. لاحظي الجدل النقدي والاهتمام الاعلامي الذي يصحاب الجوائز واعلاناتها. هذا أمر مفيد للأدب بالتأكيد. هل ترى أن الأدب السوداني مظلوم؟ لم يأخذ فرصته ولا ما يستحقه. الغياب الاعلامي قاتل للأدب. وبقاء الأدب السوداني داخل حدود السودان أقعده كثيراً. لك اهتمام كبير بالتاريخ والكتب الصفراء كما تقول..لماذا؟ هل أبرر لماذا أحب التأريخ؟ لا أعرف. لقد قرأته منذ الصغر وشدني. ربما لأن التاريخ حكايات. كان أمتع كتاب احرص عليه وأنا في المدرسة الاعدادية هو "تاريخ ألمانيا الهتلرية". أربع مجلدات ثقيلة وضخمة، وكتاب قصة الحضارة لوول ديورنت الذي ظللت احاول قراءته كاملاً وأنا طفل لسنوات. أما كتب التراث والكتب الدينية ففيها متعة الاطلاع على عالم آخر. وفيها لغة أحبها وتأسرني. ما جديدك المنتظر؟ بدأت في رواية جديدة عقب صدور "شوق الدرويش"، ولكني بطئ في الكتابة، ولا أرضى بسهولة. ** "لقد عشت حيواتٍ كثيرة يا حوّاء، أكثر مما أتحمله، ربما ما عشت طويلاً، لكني عشت كثيرًا، وما وجدت حياةً أحلى من التي كانت أنتِ .. فقط لو كنتِ أحببتني! لكني لا ألومكِ .. لقد تعلمت في حياةٍ عشتها أن الحب كالقدر، لا تملك من أمره شيئًا .. أنا آتٍ يا حوَّاء .. آتٍ .. أخيرًا ربما عرفت الآن ما كنت لا أعرفه، ربما أبرر لنفسي تعبي وتعطشي للنهاية، لكني لا أهتم .. لقد تعبت هي ساعاتٌ ويعلقوني على مشانقهم، بيني وبين لقياكِ حبل مشنقة. لا تحزني، فإنما هو لقاءٌ لا فراق بعده. إنما هو لقاءٌ يسكن بعده الشوق . ." هكذا يُنهي "الدرويش" رحلته، وهنا أخيرًا يسكن شوقه.