أجرت قتاة البغدادية الفضائية يوم الخميس الخامس والعشرين من كانون الاول حوارا معمقا مع الفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى ( الحلقة الاولى ) للحديث عن مجريات سقوط الموصل..وقد اجرى الحوار الزميل القدير والمتمكن من ادارة فن الحوارات نجم الربيعي ..وأود ان أضع بين يدي المتابعين لمجريات هذا الحوار من خلال عملية تحليل مضامين ماورد في هذا الحوار من اعترافات ، بعض الملاحظات على طبيعة ماورد في هذا الحوار الساخن وفي ظرف عصيب كهذا وعلى الوجه التالي : 1. كانت الاطلالة لقائد عسكري كبير وهو برتبة قائد عمليات نينوى وفريق ركن مثل الفريق الركن مهدي الغراوي لاتليق بمقام الحوار، وظهرت شخصية الغراوي وكأنها لاعلاقة لها بالعسكرية من قريب او بعيد، لا من حيث المظهر ولا الاسلوب المرتبك الذي أدلى به ، ولا في طبيعة المظهر المدني الذي يمكن ان يكون قد يدلي به رجل شارع بسيط وكأنه جالس في مقهى وليس كقائد عسكري في حوار شبه رسمي وأمام الراي العام، ولم يحترم موقعه كقائد عسكري ، بحيث ترك المشاهد لايدري هل ان الغراوي موقوف حاليا او هو في مكان سري لايعرفه احد ، وما الذي الذي اوصله الى هذه الحالة من الظهور غير اللائق حتى وان كان مريضا ، أو كان خاسرا لمعركة كبيرة مثل معركة الموصل التي اعترف بانها لم تحدث اصلا، أي ان ( الهزيمة ) وقعت قبل الدخول في اية معركة او مواجهة مع عدو مفترض. 2. لقد حاول الفريق الركن مهدي الغراوي ان يكيل الاتهامات للفريق الاول الركن علي غيدان ويحمله بالدرجة الاولى المسؤولية عن هذا الاخفاق مع وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي ويتهمهما بانهما كانا السبب في نكسة العاشر من حزيران 2014 التي تمثلت بسقوط الموصل من دون قتال، واظهر ان غيدان هو المتآمر رقم واحد وهو من اسهم بسقوط الموصل، واكد هذا الاتهام اكثر من عشر مرات، ولم ينصف الرجل ولو لمرة واحدة، بالرغم من ان غيدان متهم فعلا ويتحمل جزءا من هذا السقوط المريع. 3. دافع قائد عمليات نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي عن القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي والوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي دفاع المستميت واراد تبرئتهما مما وقع من احداث مأساوية علهما يشفعا له في المستقبل وينقذونه من التهم التي توجه اليه ، دون ان يعرف ان الاثنين سيشملهما التحقيق ربما كما تقول اللجان التي تتهيأ لهذه المهمة ، وقد اراد الغراوي الاستشهاد بالمالكي وغيدان لمرات عديدة على انه يطلعهم باستمرار على تطورات اي قضية تجري في نينوى ، لكن الطريقة التي سرد بها وقائع الحوار اظهرت ان الغراوي مرسل من المالكي وهو فوق الجميع لايدانيه في توجيه الاوامر كائنا من كان، وهو لديه الاستعداد للتجاوز حتى على مراجعه من اجل ان يظهر للمالكي انه رجله الاوحد في الموصل والذي ليس بمقدور كائن من كان ان يتحرش به من قريب او بعيد، وقد يكون هذا سبب جفائه مع غيدان او خشية غيدان منه او صب جام غضبه عليه لان مهمته ربما تقتصر على توجيه التهم للاخرين وحرقهم امام المالكي والاسدي للايقاع يالمراجع العليا امام القائد العام والوكيل الاقدم لوزارة الداخلية كما يفهم من مسار كل تلك الاعترافات . 4. ومما يثبت هذه الاتهامات ان الغراوي اراد ابلاغ حتى ممثل المرجعية الدينية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الغراوي بما يريد ابلاغه من اتهامات للاخرين وإن إيصالها الى المرجعية العليا يعني تجاوز لكل الخطوط الحمر التي يفترض ان تجري عبر السياقات العسكرية وليس عبر مرجعية دينية لاعلاقة لها مباشرة بتطورات مايجري من تصارع قوى داخل القيادات العسكرية ، حتى ليبدو ان التوافق بين كل تلك القيادات شبه مستحيل. 5. حاول الغراوي ان يوجه الاتهامات لمحافظ نينوى اثيل النجيفي ويتهمه بالخيانة ، وكأنه يريد ان يقول ان المحافظ هو السبب الرئيس لسقوط نينوى وليس القائد العسكري للميدان، ويحاول نسج خيوط من علاقة مشبوهة لاثيل النجيفي مع اطراف معارضة لتأكيد انه مشارك في عملية سقوط نينوى واتهامه بالخيانة، تكفي لاتهام الرجل بالخيانة وهو ما يتفق مع امال المالكي في ان يرفع عن كاهله احداث النكسة الاليمة التي جرت ويسعى الغراوي في كل احاديثه تبرئة المالكي من اسباب هذه النكسة، لكن الزميل نجم الربيعي وهو المتمكن من حواره قال له اذا كانت المرجعية العليا والرجل الاول في الحكومة والقيادات العليا تعرف بسقوط الموصل قبل وقوع الحدث فهذا يعني ( الطامة الكبرى ) ان كان كل هؤلاء يدرون ان الموصل ستسقط ولا احد يتحرك لانقاذ المحافظة من محنة السقوط بيد داعش. 6. كانت صيغة ( الأنا ) التي كررها عشرات المرات هي الطاغية على حديث الغراوي وتكرارها بهذا الحجم يضعف موقفه وهو يريد ان يقول انه ( الأنا ) وهو ( بطل الميدان الوحيد ) الذي لاينازعه احد من القادة والامرين على البطولة واذا به يخسر معركة لم يدخل في حربها ولو لساعة واحدة، ويحمل غيدان لوحده وربما يشرك وزير الدفاع السابق في هذه التهمة ويسعى في كل الحوار الذي امتد في حلقته الاولى لساعة كاملة على انه وانه وهو الذي لم يخسر معركة، واذا به يظهر والماء يجري من تحت يديه كما يقال في المثل العراقي. 7. سعى الغراوي لتحميل آمري الوحدات من الموصل وافراد الجيش من ابناء نينوى سقوط محافظتهم وهو الذي شهد بانه ابلغ عنهم اكثر من مرة انه يجب ابدالهم وانهم سيئون وليسوا بحجم المسؤولية، مايعني انه يعترف بأن وجود قادة وامرين من مكون اخر لاينسجم ورغبته في ان يبني جيشا تغلب عليه طائفة بعينها ، ساعيا الى اقول انه لو كان هؤلاء من ابناء طائفته لما انهزموا امام داعش من وجهة نظره ، في وقت يعترف بأن كل اهالي الموصل وشعبها كان يكره الجيش ويحقد عليه بسبب ممارساته ضدهم، دون ان يعترف انه كان ربما أحد الاسباب في خلق هذه العداوة غير المبررة. 8. حتى توزيع القطعات التي تحدث عنها الغراوي من حيث عدد الالوية وتوزيعها ضمن ساحة عملياته ، حتى وان كانت من خارج صلاحياته او لنقل خارجة عن ارادته كان عليه ان لايقبل ان يكون قائد عمليات لالوية مشتتة وموزعة بطريقة عشوائية لايحكم السيطرة عليها، وكان عليه ان لايقبل ان يتولى قيادة عمليات لفرق عسكرية موزعة في الشتات وهي محسوبة عليه، وهو مستمر في توجيه الاتهامات لعلي غيدان بانه سبب كل هذا التشتت في توزيع القوات، لكنه انصف قنبر مرة واحدة عندما اشار الى انه كان قد تعامل بايجابية مع احد مقترحاته لنقل احد الالوية او بعض الافواج التي كانت في مواقع بعيدة عن ساحة عملياته، وهو ( الحسنة ) الوحيدة التي ذكرها لقنبر طيلة الحوار ولم ينصف ايا من القيادات العسكرية التي تليه في الرتبة والمسؤولية ولا الجهات القيادية الأعلى منه، وكان يتجاوز مراجعه باستمرار ويجد فيه المالكي انه من يمكن ان يعتمد عليه، اي انه يبلغ المالكي بكل صغيرة وكبيرة وعلى مدار اليوم، وكانه مراسل عند المالكي وليس قائدا عسكريا ذو منصب قيادي عليه ان يلتزم بالسياقات العسكرية المتعارف عليها في الميدان والضبط العسكري. 9. ان تأخر التحاق الغراوي بمهمته كقائد لعمليات نينوى ولأشهر بعد صدور الامر الديواني من القائد العام التي كشفها الزميل نجم الربيعي يضع الكثير من علامات الاستفهام على الرجل ، واسباب عدم تنفيذه لاوامر عليا، بررها بأن غيدان كان هو من ( يماطل ) لكي لايتولى هو هذه المهمة، من خلال تبريرات قال عنها ان غيدان قد ابلغها للمالكي ما اخرت تسلمه لمهمة قيادة ساحة العمليات في نينوى. 10. ان الحوار بأكمله ربما يشكل عنصر لايميل لصالح للغراوي ، وهو ربما سيشجع حتى اللجان التحقيقية على تعقب اتهاماته لمعرفة حجمها ومدى علاقتها بالسياقات العسكرية وبالقيادة التي يفترض ان تكون مؤهلة لمهمة خطيرة ، وهو نفسه خشي منها على حياته عندما ابغ اكثر من جهة انه قد يتعرض للهزيمة تحت تبريرات بعضها قد يكون صحيحا لكن القسط الاكبر كان توزيع ( اتهامات ) و ( دفاع عن النفس ) اكثر من كونه كشفا لوقائع ماجرى. 11. ومع هذا يبقى حديث الفريق مهدي الغراوي مهما للجان التحقيقية التي ستتابع تطورات الموقف وما جرى من سرد تفاصيل غير مهمة واعطاء حجم غير طبيعي لنفسه في هذه المقابلة واذا يظهر في نهاية المطاف خالي الوفاض وقد سلم الموصل بدون قتال، ولو كان كقائد عسكري يعرف بحركة الاحداث وتطورات الميدان واهمية المعلومة وكيف يعالجها ويبلغ مراجعه عبر التسلسل العسكري الهرمي الاصولي لكان قد تجاوز هذه النكسة بأقل الخسائر، لكنه سعى الى تسجيل ( بطولات ) خارقة نسبها لنفسه دون وجه حق ربما واذا كانت لديه مثل هذه الصفحات فلماذا لم يحافظ على شرفه العسكري بأن يكون أمينا على مسؤوليته في قيادة عمليات نينوى وهو الذي كان ( الحاكم بأمر الله ) كما كان يتهم من اهالي الموصل. 12. لقد كرس الرجل اكثر الاعترافات للحديث عن مآثره في حماية الزائرين الى كربلاء، والسؤال هما هو : هل ان القيادة العسكرية تقتصر على مهمة بسيطة كهذه لها علاقة بمجريات معارك من النوع الثقيل ان يتحمل مسؤولية الحفاظ على محافظة وساحة عمليات مهمة من السقوط ليقارنها بمهمة سهلة ( حماية زائرين ) يتكفل بها بضعة شرطة او قوات جيش ليست مدربة للقيام بهذه المهمة التي لاترتبط بمهمة محاربة ( عدو ) متمترس مثل داعش يعترف هو بأنه واجهه اكثر من مرة على مناطق حدودية في نينوى، واذا بقطعاته تتهاوى بسرعة البرق امام اول تقدم لداعش قبل ان تصل الموصل. هذه ملاحظات سريعة استخدمت فيها طريقة ( تحليل المضمون ) لابرز ما ورد في هذا الحوار من ( اعترفات ) خطيرة ، تعد الأولى لقائد عسكري رفيع بعد سقوط نينوى ، يمكن تأشيرها على طبيعة الحوار الذي سرده الفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى لقناة البغدادية الفضائية ، وسعى الرجل بكل جهده من خلال هذه ( الاعترافات ) لابعاد التهمة عنه ، ولا ندري ان كانت اللجان التحقيقية قد تتوصل الى ( خيوط ) مهمة من خلال هذه الاعترافات ، للوقوف على حقيقة ماجرى من نكسة عسكرية كبيرة شهدتها الموصل، والايام المقبلة لابد وان تكشف المزيد من التفاصيل عن طبيعة ماجرى، لكن هذا الدرس البليغ يبقى قاسيا ومريرا في كل الاحوال بسبب الطبيعة الدراماتيكية التراجيدية التي رسمت طبيعة هذا المشهد المأساوي ، والذي تبقي الكثير من علامات الاستفهام تدور بشأن أسباب وقوعه ، لكن لا احد من المعنيين يريد حتى الان ان يعترف حقيقة بالكيفية التي جرى بها سقوط تلك المحافظة التي تعد الثانية من حيث الاهمية بين مدن العراق الكبرى وبدون قتال.