حب الحيوانات ورعايتهم أمر يثير سخرية البعض أحياناً ، بحجة أن الرفق بالحيوان رفاهية فارغة ، ولا نجد من هؤلاء سوى تعليقات سخيفة من نوعية "البنى آدمين أولى بالرفق" وغيرها من الكلمات التافهة. الرفق بالحيوان أمر خصه الله سبحانه وتعالى لبعض البشر ذوي القلوب الرحيمة فقط بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو المادي ، وهذا ما أكده عم محمد الذي يعد أكبر دليلاً على أن المادة ليست المقياس الحقيقي للقلوب الغنية بالحنان والحِس. محمد السيد محمد رجل ثمانيني من الإسكندرية ، على باب الله كما يقولون ، يجلس دوماً في حديقة "كاتمة الأسرار" بمنطقة "الازاريطة" على نصبة شاي أمام مستشفى السلام القديمة لعمل القهوة والشاي لزبائنه البسطاء ، بعد أن خرج على المعاش بعد أن كان يعمل "كجانيني" بالحي ، لكن اللافت للنظر هو تجمع أعداد كبيرة من القطط حوله دائماً يركضون خلفه أينما وُجد. عم محمد رجل بسيط ، لكنه عملة نادرة في هذا الزمان ، يحمل قلباً من الذهب ونفساً راضية ، يعشق القطط ولا يبخل عليهم بماله بالرغم من دخله البسيط ، حيث يحرص يومياً على تحضير وجبة مطهية ساخنة من اللحم أو هياكل الدجاج أو الأسماك الصغيرة. وبالرغم من تدمير البلدية التابعة لحي وسط الإسكندرية "لنصبة شاي" عم محمد إلا أنه يعود مرة أخرى من أجل عائلته الكبيرة التي يأنس بها ، وبعد مرات ومرات قام مؤخراً بالاختباء خلف الشجرة الضخمة التي كان يجلس أمامها إلى أن تُحل مشكلته بواسطة أهل الخير وأصدقائه من محبي القطط الذين يحاولون مساعدة عم محمد بشكل يمكنه من مزاولة مهنته بشكل قانوني. بات عم محمد وجهاً مألوفاً لدي كثيرين من محبي الحيوانات وخاصة من الشباب العاملين في مجال الرفق بالحيوان ، الذين يزورونه بين الحين والآخر لاحتساء الشاي معه وسط رفقته الكبيرة من القطط الصغيرة والكبيرة . سمر عبد المجيد محمد مُدرسة لغة فرنسية من محبي القطط ، وتسكن بالقرب من الحديقة ، أحد زوار عم محمد الدائمين ، تحرص في كل زيارة على إحضار وجبة للقطط ومتابعة عم محمد لاستخراج ترخيص من الحي يمكنه من الاستمرار ، رغم تعقد الإجراءات الخاصة بتراخيص أكشاك يستخدم فيها "الأنبوب والنار". وعن عم محمد تقول سمر عبد المجيد للهن : " هذا الرجل يعتبر القطط عائلته ، ورغم إصابته بالوعكات الصحية يضغط عل نفسه وينزل إلى عمله من أجلهم وخاصة أن هذه القطط اعتادت على وجوده وهو يعد مصدراً للأمان بالنسبة لهم وخاصة أنها عشرة سنوات طويلة منذ أن كان يعمل جانيني وعمل نصبة الشاي في نفس الحديقة التي كان يعمل بها بعد خروجه على المعاش ، لكن مع الأسف حي وسط يزيل النصبة من حين لآخر بسبب بلاغات المستشفى المتكررة بالرغم من أنه يبعد عنها تماماً". وبالرغم من حياة عم محمد "الشقيان" وعمره الكبير ودخله البسيط ، لم يلجأ يوماً لاستعطاف المارة أو اللجوء إلى التسول ، لكنه يعيش بنفس راضية وسعيد بعائلته الكبيرة من القطط ، لا يشغل باله كثيراً بماذا سيحدث غداً ، وكل ما يتمناه أن يتركه الناس يعيش في سلام مع قطته في آخر أيامه.