في خضم هذه الأزمة التي اجتاحت كبرى الشركات والمؤسسات المالية حول العالم باتت الشركات والحكومات تسعى لجمع كميات هائلة من رؤوس الأموال الجديدة في محاولة لدعم مراكزها المالية وهو ما أدى بدوره إلى انتعاش صناعة المصارف الاستثمارية وفى هذا الصدد كشفت دراسة أعدها المحللون في "مورجان ستانلي"، أن إجمالي إيرادات أكبر 12 مصرفا استثماريا حول العالم بلغ 136 مليار دولار قبل خصم المصاريف، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري. ومن جانبها كشفت ال" فايننشال تايمز" في تقرير حديث لها أنه عند النظر خلف الأرقام المعلنة التي تخطف الأنظار، يظهر أن المصارف الاستثمارية قد جنت الكثير من الفوائد من مزيج من الظروف المواتية في السوق، التي من غير المتوقع أن تدوم طويلا. فإذا ما كان 2008، عاما أصيبت فيه الصناعة بشبه شلل مع تكبد المؤسسات المالية لخسائر فادحة وعمليات شطب غير مسبوقة لأصولها، لاسيما على صعيد السندات المقومة بالرهونات العقارية، فإن عمليات الزيادة المكثفة لرأس المال خلقت فرصا للمصرفيين لجني الأموال. ومع انحسار المنافسة في السوق في أعقاب انهيار مصارف مثل "بير ستيرنز" و"ليمان براذرز"، فإن ذلك مكنها من طلب زيادة في الرسوم التي تفرضها نظير خدماتها، إذ ارتفعت رسوم إدارة حقوق إصدارات الشركات في بريطانيا، على سبيل المثال، إلى 3.5 % من 1.8 % في 2008. ومن المؤكد أن أداء بعض الشركات جاء أفضل من غيرها. إذ خرج كل من "جولدمان ساكس" و"جي بي مورجان تشيس" و"كرديت سويس" و"دويتشه بنك" و"بار كاب" فائزين وسط الإخفاق الناجم عن أزمة الائتمان. ومع خضوع العديد من المنافسين الآخرين في وول ستريت للرقابة الحكومية الصارمة، فانه من المتوقع بالنسبة لجولدمان، الذي حقق أرباحا تقارب 22 مليار دولار في النصف الأول من 2009 أن يعزز موقعه مع عودة السيولة النقدية وانطلاق نشاط الاندماجات والاستحواذات. والشركة التي لقبت من قبل مجلة رولينج ستون "بمصاص الدماء الذي يلف وجه الإنسانية"، وضعت جانبا 11.4 مليار دولار لتدفعها لموظفيها عن الأشهر الستة الأولى من العام وإذا استمر أداء الشركة على هذا النحو في النصف الثاني، فان الشركة ستدفع في المتوسط 770 ألف دولار لكل موظف من موظفيها البالغ عددهم 29400 موظف. ومع مرور الوقت تبدو خطوة استحواذ بار كاب على عمليات ليمان براذرز في الولاياتالمتحدةالأمريكية مدروسة بصورة جيدة، بإضفائها مزيدا من القدرة في الأسهم النقدية وفي الوقت ذاته البناء على الأنشطة القوية لبار كاب المتعلقة ب"التدفق" والتي تشمل بيع وشراء سندات الدين القابلة للتسييل والعملات والسلع للعملاء. ويستعد مورجان ستانلي، احد أكثر المؤسسات تضررا من الأزمة، هو الآخر للاستفادة من إعادة افتتاح سوق الأسهم الأمريكية وهو مجال قوي تقليدي للشركة. وعلى الرغم من خيبة الأمل التي أصابت المستثمرين بعد تكبد خسائر بلغت 159 مليون دولار عن الربع الثاني، إلا أن إجمالي الإيرادات قبل خصم المصروفات ارتفع 60% في الربع الثاني. ومن جهة أخرى، تراجعت أعمال يو بي اس المصرفية الاستثمارية بصورة كبيرة خلف منافسيه العالميين، بيمنا يصارع البنك للتعافي من موجة الارتدادات الرئيسية وشطب موجودات بأكثر من 50 مليار دولار. وكان يو بي اس الوحيد بين اكبر 12 مصرفا الذي سجل إيرادات سلبية من وحدته الخاصة بالعائدات الثابتة والعملات وتداول السلع، بحسب أبحاث مورجان ستانلي. ويرى المحللون إن صورة الصناعة على المدى الطويل أكثر غموضا، مع عودة ظروف السوق إلى طبيعتها أكثر فأكثر، وجفاف التمويل الحكومي الرخيص، وقد تم تشديد الفرو قات بين الطلب والعرض مما يعني أن الشركات لن يعود بمقدورها الاعتماد كثيرا على الرسوم التي ستجنيها من إعادة الهيكلة المالية. كما من المتوقع ان يكون للتعديلات التشريعية اثر بالغ وبالذات في ما يتعلق بتكلفة رأس المال ومتطلبات السيولة، وثمة خطر آخر يتمثل في تراجع اقتصادي جديد، أو ركود طويل الأمد مما سيحد من قدرة الشركات على الحصول على استثمارات مربحة للغاية في مجال رسوم الاندماجات والاستحواذات وإدارة الأسهم.