جلست ريما أحمد، وهي امرأة مسنة من منطقة الرقة السورية، على قارعة الطريق عند نقطة المصنع على الحدود اللبنانيةالشرقية مع سوريا، تغالب دموعها التي بدأت تنهمر من عينيها، فبعد انتظار 3 أيام على هذه الحدود على أمل السماح لها بدخول الأراضي اللبنانية، لم يبق لها سبيل إلا العودة إلى بلادها برفقة احد اقربائها. "العودة أفضل من الانتظار"، هكذا لخصت أحمد معاناتها بكل واقعية لوكالة "الأناضول" الإخبارية. مشهد يتكرر كل يوم مع مئات من السوريين الذين يننتظرون في نفس المكان وللغاية ذاتها، وذلك عقب بدء لبنان منذ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري إجراءات جديدة للحد من دخول النازحين السوريين الى أراضيه، بعد أن تجاوز عددهم المليون ونصف المليون، وانعكاس ذلك سلبا على الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلاد. إجراءات لبنانية وعند نقطة المصنع الحدودية، يطبق الأمن العام اللبناني الإجراءات المطلوبة منه والتي اقرتها الحكومة ل"تقليص" عدد السوريين المتوجهين الى لبنان، إجراءات أدت غرضها، ولكنها تسببت بتحول المنطقة الفاصلة بين لبنانوسوريا الى محطة ينتظر فيها السوريون أياما وأيام مصريين على الحصول على أذن بدخول الأراضي اللبنانية. العشرات منهم يفترشون الأرض في ظل أجواء مناخية باردة، فموسم الشتاء بات على الابواب. رجال وشيوخ ونساء وأطفال يبيتون ليال عديدة بين نقطتي الحدود السورية واللبنانية، بانتظر السماح لهم الدخول إلى لبنان "هربا" مما يعانونه في بلادهم منذ حوالي الأربع سنوات. التذمر سيد الموقف، والغالبية العظمى من هؤلاء السوريين يعتبرون أن الإجراءات الجديدة التي فرضتها الحكومة اللبنانية على دخولهم أراضيها، "ظلم" لهم، في حين تعتبر السلطات اللبنانية أنه من واجب هؤلاء السوريين تفهم القرار اللبناني الذي يهدف الى تخفيف عبء النزوح عليه ويحدد الفئات من السوريين التي يمكن الاستمرار باستقبالها. وكان رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام طالب هذا الأسبوع الاتحاد الأوروبي بإطلاق برامج لنقل "أعداد كبيرة" اللاجئين السوريين من لبنان الى بلدان أخرى. واقع جديد هناء الهبراني، أتت من العاصمة السورية دمشق، مع والدتها اللبنانية لزيارة أقارب لهما في بيروت، الا انها اصطدمت بواقع جديد، فالسلطات اللبنانية سمحت بدخول والدتها إلا أنها رفضت إعطاءها هي تصريح دخول. وأوضحت الهبراني ل"الأناضول" أنها لم تأت بصفة لاجئة إلى لبنان بل كزائرة لأقاربها، متسائلة بغضب "ماذا فعل السوريون للبنانيين ليعاملوهم بهذه الطريقة؟". وبعد ساعات من الانتظار على المعبر الحدودي اللبناني، نفذ صبرها وقالت "أريد أن أستعيد جواز سفري وأعود إلى سوريا، التي هي أحلى من كل البلاد". إلا أن حديث الهبراني هذا، ساهم في حصولها على أذن دخول لبنان، حيث أن أحد عناصر الأمن العام اللبناني سمعها وهي تتحدث لكاميرا "الأناضول"، فما كان منه إلا أن طلب منها أوراقها واكتشف انها لم تقدم ما يثبت أن والدتها لبنانية. وبادر العنصر بإنجاز ما هو مطلوب لإعطائها إذن دخول واوضح قائلا: "إنه لأن والدتها لبنانية، يحق لها الدخول إلى لبنان بدون أي عرقلة"، وما هي إلا دقائق حتى حصلت الهبراني على إذن الدخول وعبرت الى داخل الأراضي اللبنانية مع والدتها. فرص العمل والمأساة أما سليمان صالح، فهذه المرة الثانية خلال شهر التي يأتي بها من منطقة الحسكة السورية ويحاول الدخول الى لبنان للبحث عن فرصة عمل، وبعد انتظار يومين في نقطة المصنع الحدودية، لا يبدو انه سيسمح له بالعبور. وانتتقد صالح طريقة تعامل السلطات اللبنانية مع السوريين وعدم السماح لهم بالدخول الى البلاد، موضحا ان هدفه هو "العمل"، مثل عشرات الالاف من العمال السوريين المتواجدين في لبنان حتى من قبل اندلاع الحرب في سوريا، وأعداد مماثلة من اللاجئيين السوريين المنتشرين في جميع المناطق اللبنانية حيث اصبحوا ينافسون اللبنانيين على أعمال كثيرة وعلى لقمة عيشهم. والمأساة لا تقف عند هذا الحد. ويوضح صالح قائلا ان الأمن العام السوري يعطيهم قسائم الخروج من سوريا بعد أخذ ثمنها "ونحن نعلق هنا في الجو البارد ولا يسمح لنا بدخول الأراضي اللبنانية". مطالب بالرأفة سوري آخر، من محافظة حماة، بدا يصول ويجول بين مدخل مركز الامن العام وعائلته التي تنتظره على الجهة الاخرى من الطريق بانتظار "بشرة ما" بعد انتظار 5 أيام في هذه النقطة الحدودية، يواجهون بردا قارسا خاصة خلال الليل بما تمكنوا من احضاره معهم من اغطية والبسة. وطالب رب هذه الاسرة المؤلفة من زوجته و 3 اولاد، والذي رفض ذكر اسمه أو الظهور على الكاميرا، الحكومة اللبنانية "الرأفة بالسوريين في ظل ما نشهده في بلادنا من ظلم وقتل وإرهاب من كل الأطراف". وتجمهر عدد من الشبان السوريين حول فريق عمل الاناضول، معرفين عن انفسهم بأنهم طلاب في الجامعات اللبنانية ويشتكون من انهم لا يحصلون على أذونات بدخول لبنان. إلا أنه تبين بعد وقت قصير لأحد عناصر الأمن العام اللبناني الذي حضر الى مكان تجمعهم وكشف على ما معهم من وثائق، من أنهم غير مسجلين هذا العام في جامعات لبنان. وأوضح العنصر الأمني أن "معهم إفادات جامعية للأعوام الدراسية السابقة وليس للعام الحالي... وبالتالي دخولهم الى لبنان صعب". مبررات لبنانية ويندرج هذا التدقيق من ضمن إجراءات جديدة بدأ الأمن العام بتطبيقها تنفيذا لقرار اتخذته الحكومة اللبنانية للحد من تدفق اللاجئيين السوريين الذي بات عددهم يفوق اكثر من ثلث سكان البلاد، ما شكل عبأ يستنزف اقتصاد لبنان وموارده الضئيلة. وأوضح مصدر أمني رفيع أن الأمن العام اللبناني "لا يقوم إلا بتطبيق قرارات الحكومة في ما يتعلق بدخول السوريين الى لبنان"، مشيرا الى أن "الحكومة لا تريد دخول نازحين سوريين جدد الى الأراضي اللبنانية". ولفت المصدر في حديث ل"الأناضول" أن الأمن العام "في إطار تطبيق هذه السياسية، يسعى لأن يكون عدد السوريين الداخلين الى لبنان أقل من عدد المغادرين الى سوريا، دون أن يظلم أحدا"، مضيفا أن عدد السوريين الذين يدخلون لبنان عبر نقطة المصنع حاليا "يصل الى حوالي 4000 يوميا مقابل 5000 تقريبا يخرجون منه". وأشار الى أن الأرقام السابقة كانت تقدر بحوالي 15000 سوري يدخلون لبنان يوميا، مقابل 19000 يغادرونه. وأوضح المصدر، أن السوريين الذين يسمح لهم بدخول لبنان دون أي سؤال أو إجراء وبشكل مباشر "هم الذين تكون أمهاتهم أو زوجاتهم لبنانيات، أو لديهم حجوزات طيران ينوون السفر من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، أو الطلاب المسجلين فعليا في الجامعات اللبنانية ولديهم ما يثبت ذلك، أو لديهم إقامات لبنانية". وأضاف أن الأمن العام يعطي أذونات دخول للسوريين الى لبنان، لغير أصحاب الحالات السابقة "بعد التأكد من الشخص أنه سيدخل ويعود خلال أيام، إضافة للحالات الإنسانية الخاصة"، مشددا على أن كل سوري يتبين في حركته دخولا الى لبنان أو خروجا منه انه اتى بطريقة غير شرعية في إحدى المرات، أو يحمل أوراقا مزورة "لا يسمح له بالدخول مجددا الى الأراضي اللبنانية... وهناك الكثير منهم". ويذكر أن وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أبلغ مفوّض الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس في أواسط شهر أيلول/سبتمبر الماضي أن لبنان، بدءاً من أول تشرين الأول الجاري لن يستقبل أي نازح سوري جديد، إلا في "الحالات الإنسانية الحرجة". واستغرب المصدر الأمني بقاء السوريين الذين لا يسمح لهم بدخول لبنان في نقطة المصنع لعدة أيام "مع العلم أنهم لم يحصلوا على أذونات بالدخول"، معتبرا أن "هذا مؤشر أنهم لا ينوون العودة من لبنان في حال سمح لهم بالدخول". وأوضح أنه "من غير الممكن التمييز بين النازح السوري والمواطن السوري الذي يريد دخول لبنان بصفة عادية"، مشيرا الى أن "معيار هذا الأمر لم توضحه الحكومة اللبنانية". ويذكر أن أعداد النازحين السوريين بحسب إحصاءات مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللآجئين، فاق المليون ومئتي ألف نازح، ورجّحت المفوضية أن يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون في نهاية العام الحالي. وهو ما دفع بوزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية رشيد درباس الى دق ناقوس الخطر مرارا، والتحذير من تداعيات هذه الأزمة ما لم يسارع لبنان الى إقامة مخيمات لهؤلاء في مناطق آمنة على الحدود من جهة لبنان، وأو من الجهة السورية بحماية أمنية من الأممالمتحدة.