أثارت مساعي الرئيس البوركيني بليز كومباوري لمراجعة المادة 37 من دستور البلاد، بغية الحصول على تأشيرة العبور نحو ولاية رئاسية إضافية، استنكار حزب "الوحدة من أجل التقدم والتغيير" المعارض، والذي ندّد، السبت الماضي، بمشروع قانون كان نواب "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم" (الحزب الحاكم وحلفائه)، قد تقدّموا به، قصد تحوير هذه المادة التي تحدّ، منذ التعديل الدستوري الأخير (سنة 2000)، فترات النيابات الرئاسية إلى فترتين فحسب. ووفقا لما جاء على وكالة "الأناضول" للأنباء فإنه وللبقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في العام 2015، يطمح الرئيس البوركيني إلى مراجعة المادة 37 من الدستور مستغلاً في ذلك جميع الأوراق المتاحة له. ففضلاً عن تمتّعه بقدر كبير من الاحترام في دول غرب ووسط إفريقيا لانخراطه السابق في عديد الوساطات، يمتلك الرئيس البوركيني "بليز كومباوري" أدوات ووسائل أخرى يحاول توظيفها للبقاء في الحكم لولاية إضافية بحسب "مروان بن يحمد" مدير مجلة "جون أفريك". وفي تصريح "للاناضول"، يعلق بن يحمد: " يبلغ بليز كومباوري 63 سنة، وفي عالم السياسية الإفريقية، يعتبر صغير السن نسبياً". وأضاف "بن يحمد": هذا إلى جانب حقيقة أنّه تطور كثيراً على مر الأعوام، خصوصاً في ميداني السياسة والاقتصاد. هو ذكي وعملي وتجمعه بجيرانه وبالقوى الخارجية علاقات وطيدة". ورغم عودة "زيفيرين ديابري" إلى بوركينا فاسو (يترأس منذ 1 مارس/آذار 2010 الحزب المعارض: الوحدة من أجل التقدم والتغيير) بعد سنين طويلة من عمله في المهجر في المجال الدبلوماسي، فإن عدم قدرة المعارضة على إقامة تحالفات بسبب غياب الإمكانيات، يقف عائقاً أمام الجميع. ومن جهة أخرى، ورغم انشقاق المئات من مناضلي وإطارات حزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم، الحزب الحاكم في بوركينا فاسو، في 4 يناير/كانون الثاني 2014، فإن الملتحقين الجدد بصفوف المعارضة البوركينية لا يتمتعون بقدر كبير من المصداقية، بحسب "مروان بن يحمد". وحول ذلك، يوضح "بن يحمد":" نفس هؤلاء المعارضين كانوا لأسابيع قليلة مضت موافقين على المراجعة (مراجعة الفصل 37). لقد رحلوا، بعد أن سحب منهم الرئيس في المؤتمر الأخير للحزب امتيازاتهم ووظائفهم. طموحاتهم الديمقراطية هي إذاً مستجدّة، أمّا المعارضة القديمة فهي إلى حد الآن منقسمة وليس بحوزتها الكثير من الموارد". وتمكنت بوركينافاسو رغم معدّل نموّ لا يتعدّى المتوسّط، من الوقوف بثبات أمام عديد الأزمات الطارئة خلال العشرية الأخيرة، بينها الأزمة المالية العالمية، إضافة إلى تدفق أكثر من 43 ألف لاجئ مالي (أرقام المفوضية العليا للاجئين)، والأزمة الإقليمية الإيفوارية، وانخفاض أسعار القطن في السوق العالمية، في وقت تصنّف فيه بوركينا فاسو في المرتبة الأولى على مستوى مصدّري هذا المنتوج في إفريقيا، وغيره.. فسيفساء من العوامل والأسباب والنتائج من شأنها أن ترفع من شعبية "كومباوري" وتساعده في تحقيق تطلعاته نحو ولاية رئاسية جديدة، بحسب "مروان بن يحمد". وعلّق مدير المجلة على ذلك قائلاً: " كومباوري يمتلك في رصيده حصيلةً اقتصاديةً جيدةً في بلد يخلو من الثروات الطبيعية". وأضاف "بن يحمد": لم يقع حل المعادلة بعد لأن الوضع ليس ضده بالضرورة، فكومباوري مايزال يسيطر على الجيش وعلى المناطق الداخلية للبلاد حيث يعيش الناس بمنأى عن الصراعات السياسية". غير أنه يلفت في المقابل إلى ان النجاحات النسبية التي تمكّن النظام البوركيني الحاكم من تحقيقها، لم تنجح في انتشال البوركينيين من الفقر المدقع الذي يطبق على سوادهم الأعظم، حيث تصل معدلات البطالة إلى حدود 77% حسب "فاكتبوك" (موقع تابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، وهو رقم لم يقع تأكيده بصفة رسمية. ويمكن للصعوبات الاجتماعية المتزايدة أن تشكل عقبةً أمام المراجعة الدستورية في بلد غالباً ما تمهد فيه التوترات المجتمعية الطريق أمام الانقلابات على الحكم. بشأن ذلك، قال الخبير في القانون والدستور "صامويل إبراهيم غيتانغا": "مراجعة المادة 37 هي حتماً سياسية. لكننا أيضا مدركون أنّ جميع الفئات الاجتماعية معنية لأن الأمر يتعلق بجميع البوركينيين". وأضاف "غيتانغا": "نحن أمام طرفي صراع. فمن جهة، هناك الأغلبية ومن جهة ثانية، توجد المعارضة والنقابات والمجتمع المدني". وبإعلان الطرف الرئاسي نواياه بخصوص مراجعة المادة 37 كي يفسح له المجال لولاية رئاسية جديدة، تنتقد المعارضة غياب انتقال "شرعي وقانوني"، ما سيؤدي إلى "البقاء في السلطة مدى الحياة". "التآكل الذي يطرأ على السلطة يضر بمبدأ التداول. الدستور يضمن مشاركة كل مواطن في إدارة الشأن العمومي. ما يعني أن أي بوركيني يمكن له أن يطمح للوصول إلى قمة الهرم، ما يقطع مع الإدارة التوريثية للدولة. لكن نفس الرئيس يقبع على رأس البلاد منذ 27 سنةً تقريباً". وعلاوة على ذلك، تقف أمام مراجعة المادة 37 عقبات قانونية أيضاً. فبحسب الخبير الدستوري "سيني ويدراوغو" الذي قال في تصريح لصحيفة محلية أن المادة 37 غير قابلة للتعديل قانونياً، مما يفتح الطريق أمام رئاسة مدى الحياة، ويفضي -بالتالي- إلى التشكيك في "الصبغة الجمهورية للدولة"، وهو أمر غير قابل للمراجعة بموجب المادة 165 من الدستور البوركيني. وحول نفس الموضوع يقول "صامويل غيتانغا" أن تعديل المادة 37 عبر الاستفتاء لا يمكن أن يحصل إلا بعد فشل الإجراء البرلماني، لأن المادة 49 التي تنظم الاستفتاء تستبعد المادة 37 من نطاق تأثيرها. ويوضح "غيتانغا" هذه النقطة قائلاً: "يجب التوجه إلى البرلمان، وإذا ما رفض البرلمان أو لم يتمكن من اعتماد نص بالأغلبية المؤهلة، يمكنه الالتجاء إلى الاستفتاء. من هنا تأتي مصلحة الشق الرئاسي في إحداث مجلس شيوخ تضمن نصوصه المؤسسة أغلبية رئاسية" بحسب رأيه. وقد أعلن يوم 10 مارس/آذار الماضي عن فشل وساطة انطلقت، منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بقيادة الرئيس البوركيني الأسبق "جون بابتيست ويدراوغو" وبشراكة 3 قادة دينيين، كانت تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الشقّ الرئاسي والمعارضة. بعد تعديلها في مناسبات متتالية، تمّ تحديد فترة الحكم الرئاسي بدورتين لمدّة خمس سنوات. تعديل منح تأشيرة العبور ل "بليز كومباوري" للترشّح لولاية خامسة. الرئيس الحالي كان تولّى السلطة في بوركينا فاسو منذ العام 1987، ومن هذا المنطلق، ووفقا لمقتضيات آخر تعديل دستوري للمادة 37 قبل أربعة أعوام، فإنّه لن يتمكّن من الترشح للرئاسة بعد انتهاء مدّته في العام 2015، ما لم يتم تعديل جديد لهذه المادة.. نقطة ارتكاز سعت المعارضة إلى تحويلها إلى ثقل مضاد يقطع مع فرضية تعديل آخر للمادة الدستورية المذكورة، وهو ما جعل الصراع يتفجّر من جديد بين السلطة والمعارضة، ليفتح خيارات المستقبل السياسي على مصراعيها في بوركينا فاسو.