هل من أحد فكر يومًا فيمن نسج له سيد درويش لحنه العبقرى «أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العزول».. وحتى لا أتسبب للأذهان في مزيد من التوهان خاصة هذه الأيام فإن الذى عشق وهوى وانتهى زمان وتمنى لحبه أن يزول كان مرسى بك محمود نقيب محاميى الإسكندرية فى العشرينيات الذى له شارع باسمه فى محرم بك، عضو مجلس الشيوخ وصاحب الصالون الأسبوعي كل خميس لأصدقاء الفن والأدب والثقافة والسياسة والطرب، وكان من المترددين الشيخ سيد درويش الذى استحوذ علي أنّات وآهات الأفوكاتو الدامعة المتوجعة ليحوِّلها بدوره إلي موال ألم لم يزل لوقتنا هذا يجيش بمعانيه وتأوهاته فى صدور المحبين المقهورين المغلوبين على أمرهم.. وتعود آلام النقيب الحبيب إلى ضغوط منزلية هائلة من جانب الزوجة أم الستة أولاد الذكور لدفعه دفعاً لطلاق زوجة السر الصغيرة الحسناء التى انكشف أمرها وبان، وكانت قد جاءته زبونة لرفع قضية على الجيران فوقع فى هواها وتزوجها لتنجب له محمود.. ولم تمكث المطلقة الحسناء طويلا فى بيت أبيها لتنتقل إلى بيت الزوج الجديد لاشين بك نصار الذي أنجبت له إسماعيل وصلاح ومصطفى لتغدو بمثابة فاتحة الخير الوفير عليه، فمن بعد ثلاثين فدانا أصبح يمتلك 400 فدان إلى جانب ألفى فدان استئجارا من وزارة الأوقاف غير العقارات والعمارات حتى أطلق عليه أهل الإسكندرية لقب أبوالذهب لقسمهم بأنه لا يعد الجنيهات بل يوزنها بالكيل.. ويرجع مرجعنا للمشتت الصغير محمود الذى مكثَ مع زوجة الأب بعد طلاق الأم فتدس له ليُعزل فى المدرسة الداخلية وهو لم يتجاوز الخامسة كى لا يتاح له الخروج من أسوارها إلا مرتين في العام.. عيد الفطر وعيد الأضحى، إذ يرسل الوالد بالباشكاتب ليأتى بالصغير فيقف عند باب الحجرة فينادى عليه مشرعاً تجاهه ظهر يده التى يلطعها الصغير صاغرًا متمتماً «كل سنة وحضرتك طيب يا بابا» فيأمر حضرته محمود أفندى الباشكاتب: «انزل اشترى للولد بنطلون جديد وجزمة وطربوش».. ويفضفض محمود مرسى لصديق العمر مهندس البترول ميشيل مرقص الذى روى له تفاصيل نصف حياته الأول، أما النصف الآخر فكان شاهداً بنفسه على أيامه ولياليه.. «وبعد ما أبوس ظهر كفه وأرفعها للجبين يقوم يضعها فى جيب الصديرى ليخرج لى بالعيدية خمسة صاغ»... فى جنازته وأنا فى السابعة اصطحبنى زوج أمى لاشين نصار لأمشى وراء نعش أبى بجوار إخوتى الستة كنوع من إثبات صحة نسبى للفقيد..».. وتتراكم السنوات ويذهب الصديق ميشيل في منتصف الليل لينقل لمحمود بالتدريج الخبر بوفاة والدته سيدة المجتمع وصديقة بيت مكرم باشا وزينب هانم الوكيل التى كانت ترتدى البروش الماسى الذى لا يقل ثمنه عن 70 ألف جنيه بلون فستان السهرة، وتنتظرها فى الجراج السيارة المرسيدس الخاصة بسائقها، وهى التى ورث محمود عنها التمثيل، فقد كانت لديها موهبة بارعة فى تقليد كل من تلاقيه ولو جلست إليه لدقائق.. وما أن يتساند محمود على ظهر المقعد حتى لا يقع من الصدمة حتى يصر على السفر على الفور لتشييع الجنازة بالإسكندرية، وفى مشوار الضباب يحاول الصديق أن يفتح له من بعيد مسألة الميراث فيغلق محمود عليه جميع الأبواب فكل حاجة كتبها زوج أمه بالسحتوت لأبنائه، حتى المرسيدس كانت من الأصل باسمه.. وبعد إجراءات الدفن جلس محمود الدقة يوقع إقرارا على نفسه أمام أشقائه الأثرياء بأنه لا يدين أحدًا منهم بمليم واحد.. بعدها تم حصوله على مبلغ 5 آلاف من أفواه السباع كانت بمثابة زيت السراج لإنارة طريق الشوك الذى اعتمد فيه على نفسه وجهده الشخصى ليتفوق طوال الوقت.. وكان بدافع التحدى قد قرر الحصول على البكالوريا «الثانوية العامة» من المنزل ونجح بتفوق ليغدو الأول على القطر، وفى آداب الإسكندرية قسم الفلسفة التي يعشقها وينكب على قراءتها من أمهات الكتب حتى غير المترجمة قام ببطولة مسرحية أوديب لسوفوكليس ترجمة د. طه حسين أول رئيس لجامعة الإسكندرية الذى استحضر للفرقة الجامعية جورج أبيض للإخراج، وحلمى رفله للماكياج، وجميع المناظر والديكورات من الأوبرا، ونجحت المسرحية التى شاركت فيها إلى جوار محمود مرسى الجوقة التى أصبحت فيما بعد كوكبة علماء ومفكرى مصر، حيث كان منهم الدكتور مصطفى صفوان أستاذ علم النفس بباريس، والدكتور أحمد أبوزيد عميد آداب الإسكندرية ورائد علم الأنثربولوجيا فى الشرق الأوسط، والكاتب الكبير إدوارد الخراط، والدكتور محمد زكى العشماوى أستاذ الأدب العربى ورئيس جامعة الإسكندرية الذى قام مع محمود مرسى بترجمة كتاب «إعداد الممثل» للمخرج الروسى الشهير «استانسلافسكى» الذى أصبح مقررًا على جميع طلبة المعاهد المسرحية فى مصر، والدكتور محمد مصطفى بدوى أستاذ كرسى فى جامعة اكسفورد، والدكتور عبدالحميد صبره أول باحث فى تاريخ العلوم عند العرب، والدكتور حسن عثمان أستاذ التاريخ الحديث.. ويصعد الدكتور طه حسين للمسرح للمرة الأولى ليُشيد بالإجادة مادحًا محمود مرسى فى شخصية أوديب Vous etes class، ويتخرج محمود ليُعين مدرسًا ابتدائياً فى مدرسة العروة الوثقى براتب 8 جنيهات ولا يتقبل حضرة الناظر تأخر الأستاذ الجديد عن طابور رفع العلم، ولا طريقة تلقينه الدرس التى تعتمد على حرية التعبير والنقاش مع العيال.. ولا يجد صاحبنا إلا أن يلم حاله ومحتاله ليسافر في مغامرة غير محسوبة على نفقته الخاصة ليكمل تعليمه فى الإخراج السينمائى فى معهد «الإيديك» بباريس، متزودًا براتب مذيع فى محطة القسم العربى، حيث يعصف به المدير الفرنسى بسبب قرار تأميم قناة السويس فى 1956.. ومن الشارع بلا ملجأ للعمل فى لندن بإذاعة الB.B.C حتى وقوع العدوان الثلاثى ليعود مع زملائه إلى القاهرة ليكتب عنه أنيس منصور زميل الفلسفات: «محمود مرسى فى حالة انتقال، تماماً كما ينزل الإنسان من الطائرة ويقف على الأرض ولكن صوت المحركات لايزال يزن في أذنيه، وكما يهبط من سفينة إلى الشاطئ ويشعر بالاهتزاز رغم أنه واقف على أرض ثابتة، وهو محتاج إلى بعض الوقت لينتقل إلى أجوائنا المصرية ويبعد عن ألوان باريس وجمال باريس والناس والحياة فى باريس.. ومحمود صاحب الشخصية التي تلفت نظرك وتلفت أذنك أيضاً والذين يتعاملون معه يدركون أنه إنسان جاد وحريص على الإجادة والإتقان، وأنه مثالى، ولذلك فهو معذب لأنه لا يرضى بما هو أقل من الكمال والكمال مستحيل».. يعود محمود ليلتقى علي سلم الإذاعة بالوزير فتحى رضوان صديق والده الذى يتوسط له للعمل مخرجًا بالبرنامج الثانى، فيقدم العديد من المسرحيات العالمية التى تميزت بالموازنة الدقيقة بين المسموع والمرئى، فأنت من خلال الميكروفون ترى المشهد المسرحى كاملا أمام ناظريك، حيث يريك محمود فى إخراجه المسموع ويسمعك المرئى.. ويخرج للتليفزيون أكثر من مسلسل وسهرة منها «القطة» لإحسان عبدالقدوس، و«الحب الكبير» الذى يدور حول مفهوم الولاء للوطن لترسل له رئاسة الجمهورية خطاب شكر.. ومن خلف الكاميرا كمخرج لأمامها كممثل يدخل ميدان التمثيل عملاقا من أول دور وطوال 40 عاماً لم يمثل سوى 25 فيلمًا اختارها بعناية بالغة لتغدو بدورها أهم أفلام تاريخ السينما المصرية.. يدافع فيها عن الحرية.. من حرية المرأة فى «الباب المفتوح» عام 62 إلى حرية الوطن المحتل فى «ثمن الحرية» عام 64، إلى حرية الوطن الذى يعانى من الاحتلال الإسرائيلى في «أغنية على الممر» عام 72 و«أبناء الصمت» فى 74، إلى حرية الإنسان كما يجسدها الإسلام فى «فجر الإسلام» عام 71. إلى حرية الفنان في التعبير عن التناقض فى التكوين النفسى للإنسان فى «الليلة الأخيرة» سنة 63 و«الخائنة» عام70 و«زوجتى والكلب» عام 71 و«الشحات» 73، وطوال ربع القرن الأخير من عام 1975 لم يمثل محمود مرسى إلا فيلمان مصريان «حد السيف» 1986 ثم «الجسر» 1998 وقد جاءته جائزة الدولة التقديرية فى الفنون في موعدها عام 2000 مع نهاية القرن العشرين حتى لا يكون القرن قد مضى دون تقدير الدولة لفن التمثيل وصاحب لقب «أستاذية الشمولية» فيه.. شمولية القدوة والمثل الأعلى وروح الفن والإتقان الخلاق والتفرد المبهر والعطاء بلا حدود والأصالة الضاربة فى الجذور.. أستاذ الشمول الذى دخل ميدان التمثيل على كبر في سن كانت تعتبر بالنسبة لغيره لعبًا في الوقت الضائع حين فاته أوان دور الفتى الأول، لكنه دخل عملاقاً من أول دور، ليولد على يديه لون جديد من التمثيل ذى القيمة الفنية العالية، فلم يلجأ للتمثيل المسرحى ليكون أداؤه صاخبًا رناناً حادًا زاعقاً فخماً، ولم يأت لنا من باب التمثيل السينمائى المسطح الذى كان سائدًا، وإنما جاء من يوتوبيا الفن الخالص، حيث التمثيل علم قبل أن يكون فناً.. علم استقراء النفوس والغوص في شبكة المشاعر الدقيقة، وتشريح الشخصيات نفسياً واجتماعياً وبيئياً، ودراستها من جميع الوجوه، ووضعها فى بوتقة كل التجارب، وكيفية أن يضع الممثل نفسه في قلب الشخصية المؤداة ويرتدى جلدها، ليذوب في عروقها ومسامها حتى لينتفى من أذهاننا تماماً أننا أمام ممثل يمثل أو أن محمود مرسى ليس عتريس فى «شىء من الخوف» ولا عبدالهادى فى مسلسل «زينب والعرش»، ولا الأب المعلم في مسلسل «العائلة» ولا المؤلف فى «بنات أفكارى» ولا النصاب في «الثعلب فات» ولا السيد عبدالجواد فى «بين القصرين» التليفزيونية.. ولا ولا ولا ولا أبوالعلا البشرى الإنسان فوق الإنسانية أو دوكيشوت الشرق والعصر، ولا المناضل المهزوم فى «السمان والخريف» ولا المواطن المكافح فى «حد السيف» ولا الإنسان فوق العادة فى «الرجل والحصان»... ولأنه كان يعرف أنه ليس فردًا فى كورال المنشدين وإنما قائد الأوركسترا فى أحيان، وعازف منفرد في أحيان أخرى، لم تكن مصادفة أن يؤدى محمود مرسى دور الأستاذ عباس محمود العقاد في المسلسل الذى صوّرَ حياة ذلك العملاق وكأن العقاد حيًا وأذيع منذ أكثر من ربع قرن لكن أثره لايزال باقيًا فى وجدان من شاهدوه وهو المسلسل الذى لم يعرض للأسف سوى مرة واحدة بلا سبب نستطيع هضمه.. ومن هنا سنظل نجلس إلى صدق محمود مرسى العملاق الذى لا يقاس بأحد ولا يقاس به أحد لأنه خارج صندوق المنافسة، لأنه بشموليته فن قائم بذاته.. لأنه الحجر الكريم النادر في جبين تاج التمثيل العربى منذ كان وإلى ما لا نهاية.. لأنه كوكتيل لإنسان صعب المراس، حاد المزاج، نقى السريرة، نظيف اليد، عميق الثقافة، واسع الأفق، باتر كسيف، رقيق كجناح فراشة، حنون كنسيم الصباح، وديع كقطة، خجول كعذراء، واضح كضوء الشمس، مشع كنجم قطبى، مستثنى كموهبة، فنان لتوصيل رسالة، زاهد مستغنٍ، منصت بعينين فيروزتين خلفهما منصة للكشف الذرى... نجلس إليه نتابعه بشغف فى جميع أدواره حتى إذا ما قام بأدوار الشر فهو بداخلها لا يتلذذ بمشاهد القسوة كما يفعل بعضهم لينقل إلى المتفرج عدوى التلذذ بالقسوة، ومن ثم تعمى بصيرته عما يجب رفضه ومقاومته من السلوكيات الشريرة، إنما هو يعبر بتمثيله المدروس المتميز عن القسوة، يعبر عن الشر دون أن «يبروزه» بسحر الفن، إنه الذى يعرف جيدًا كيف يشحنك ضد الشرير، وكيف يجعلك تكرهه وترفضه وتلفظه من حياتك.. كذلك يعرف كيف يستقطبك لصالح الإنسان الخير.. كيف يقنعك بأن الجميل لا ينسى وأن الجمال المزيف يذوى ويضحمل.. ولأن الصداقة كانت لدي محمود مرسى تعنى أن قرابة الفكر والروح قد تكون في بعض الأحيان أقوي وأوثق من قرابة الدم عندما يكون ماء.. ومن هنا جاء في سطور نعيه بعد وفاته أنه كان صديقاً لفلان وفلان وفلانة.. دستة من الأصدقاء ذهبت أفتش عن ذكرياته لدى بعضهم ممن أتاح لى الحظ لقاءهم فوجدته لم يزل حيًا يعيش بينهم بأقواله وأفعاله وعطائه وثقافاته وعطفه وحنانه.. الزوجان محمد سعيد سلامة وزوجته عائشة نوفل، والمهندس ميشيل مرقص والكاتب إدوارد الخراط وتلامذة قدامى تخرجوا على يديه وبعض من رواد مصطبة محمود مرسي في النايت آند داى بفندق سميراميس القديم.. و..الفنانة العملاقة سميحة أيوب والدة الدكتور علاء محمود مرسى ابنه الوحيد وكانت زوجته الوحيدة: «محمود كان عازفا زاهدًا في كل حاجة ومالوش أطماع ولا يحب الاستعراض.. قال لي يوم منحه جائزة الدولة التقديرية أنا حاسس إن فيه ناس كثير أحق منى بها.. كان نوعاً فريدًا.. كان طفلا خجولا ومعتدا بنفسه ومدركاً مساحة إمكانياته الهائلة، وقدرنا نحافظ على مستوى الصداقة رغم انفصالنا.. أول لقاء لنا في البرنامج الثانى وذهبت للإذاعة وإذا بشخص يقف ويقول لى الست سميحة اتفضلى.. وتكررت اللقاءات ولاحظت أننا نتحاشى أن تلتقى أعيننا فقد كان الخجل حائلا بيننا.. في مرة قال لي أنا معجب بك فرددت عليه بسرعة وأنا كمان فقال لي أحترم صراحتك وتزوجنا بعدها بثلاثة أشهر وكان الخبر بمثابة الإعصار لمعجباته.. رافقته في بعثته إلي إيطاليا، حيث أنجبت علاء وكان محمود يذهب إلى محاضراته وأنا أنزل إلى السوق أشترى اللحم والخضار وبعد الغداء نتجول فى شوارع إيطاليا الساحرة وعدنا للقاهرة وبدأ محمود يشكو من انشغالى أنا الزوجة التى تعود للمنزل شبه جثة هامدة.. الحياة من غير محمود دمها ثقيل ومالهاش معنى وصحيح كانت لقاءاتنا قليلة، لكن كان حسه فى الدنيا.. لم يقل لى يومًا كلمة جارحة انفصلنا بهدوء ومات بهدوء.. غادر الحياة دون أن يزعج أحد وكان قد طلب ألا تكون هناك جنازة وأن نعلن الخبر بعد دفنه.. وقد كان».. ورغم أنه كان قليل الكلام فقد اجتمع لدينا من كلام محمود مرسى الكثير، إلا أننا لن نسرد إلا القليل علي لسانه: «أنا لا أجيد الكلام بالنسبة للإذاعة الناس بتسمعنى في الأعمال التى أقوم بها وبالنسبة للتليفزيون الناس بتشوفنى في أعمالى يبقى عايزين أتكلم ليه؟!... لو كان الجانى الذى اعتدى على نجيب محفوظ قد قرأ «أولاد حارتنا» لما طاوعته يده الآثمة على أن تمتد إلى عنق هرم مصر الرابع لتنال منه ومن مصر كلها.... تمنيت تجسيد شخصية الليث بن سعد لأنه خير مثال للإسلامى المستنير، ونحن فى أمس الحاجة لمثل تلك الشخصيات التى تحمل مبادئ الإسلام وأفكاره الحقيقية في وسط حفنة من العقول الظلامية التى تريد النيل من شبابنا.... قدمت شخصية السيد عبدالجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ فى التليفزيون بمنظور جديد يختلف عن أداء العزيز يحيى شاهين الكلاسيكى الذى قدمه فى أفلام حسن الإمام.... حكاية ضيف شرف ليوم واحد فى منتهى السذاجة ولا يقبل بها فنان محترم على الإطلاق ليعمل باليومية مثل النجار والسباك.... انفصال والدى عن أمى أثر في نفسى على المدى الطويل بالغ الأثر ذلك أن درجات من الشك والإحساس بعدم الأمان والقلق ظلت ملازمة لى طوال حياتى... التمثيل بالنسبة لى في جميع المراحل كان أقرب إلي الكرة التى أحاول التخلص منها فأقذفها بقوة، وعلى طول يدي وإلى آخر المدى لكنها ترتطم بالجدار لتعود لي أكثر قوة... زكى رستم أحسن ممثل جاء فى هذا البلد على الإطلاق... فى فيلم (شىء من الخوف) قالوا عن عتريس إنه رمز للتسلط والاستبداد وأنه يجسد شخصية عبدالناصر كديكتاتور وأتى الإنصاف من ناصر شخصياً عندما سمح بعرض الفيلم بعد مشاهدته قائلا: إذا كان هناك فيلم يستطيع أن يهز نظاما فلا أهمية لهذا النظام ولا ضرورة له».... ابنى الوحيد أحمد هو كل ما خرجت به من الدنيا وهو منذ طفولته يميل للعلم وإلى كل ما هو جديد. أعتبره صديقا وأخاً أكثر من كونه ابناً وعندما نلتقى يبوح كل واحد بأسراره للآخر، فلا توجد بيننا حواجز تمنع التواصل، الاختلاف الوحيد نظرة كل منا للمرأة فتجاربي جعلتنى أفكر ألف مرة قبل السماح لها بدخول حياتى، أما أحمد فيرى أنها الحياة التى لا يمكن الحياة بدونها... لا يوجد خط يجمع أعمالى وهى أفضل طريقة أقدم بها نفسى للجمهور... لا أكره المرأة ولكن لأننى أفهمها أتعامل معها بحذر.. الممثل العظيم هو الذى يستطيع اقتحام الدور والخروج منه دون خوف... أحيانا أذهب إلى الاستوديو بمزاج متعكر دون تصورات محددة عن الطريقة التي سأنفذ بها مشاهدى، عندئذ يأتى دور زملائى في تنشيط طاقتى، فمثلا عندما كنت أمثل دور عبدالهادى في مسلسل «زينب والعرش» كان حسن يوسف ذلك الإنسان الجميل هو ملهمى فى كثير من الأحيان بتعبيراته وعينيه المعبرتين عن براءة ونقاء الشخصية التى يؤديها مما أعطانى مفاتيح العديد من المواقف... أقاطع الصحافة توفيرًا لطاقتى الذهنية والبدنية... لا أستعيد ذكرياتى كثيرًا فإلى جانب السعادة كانت هناك لحظات كثيرة حزينة وأليمة.... معظم الموضوعات سيئة وعندما قررت أن أختار أحسن السىء وجدت أن جميعه سىء جدا».. ويشعر النجم الكبير بالإعياء رغم التزامه بأوامر الأطباء والانقطاع عن شراهة التدخين بمجرد أن قال له الطبيب إذا لم تترك السجائر فليس لك عندى سوى أهلا وسهلا وشرفتنا.. وكان يعانى من أزمات متفاوتة فى الكلى، وقبل يومين من استئناف التصوير في مسلسل «وهج الصيف» طلب من ابنه علاء الحضور فذهب تصحبه زوجته أمل فوزى الكاتبة الصحفية بمجلة «صباح الخير» ليطول رنين الجرس ويسمعان صوت الخطوات البطيئة الزاحفة التي تقطعها هبدة الوقوع فيفتح الابن بمفتاحه لينقل والده لمستشفى الزراعيين، وهناك تنطفئ الشمس ويخبو الوهج... قطاع الأخبار (1) في عُرفنا داخل المؤسسة أن يقوم سائق الرئيس أو النائب أو المدير العام فى فترات استراحته بالجراج بجلبنا نحن مجرد القيادات من بيوتنا فى سياراتهم نوعًا من التوفير وسد الحنك، ويكون من بختنا تأخر السيادات فى العمل أو عودتهم مبكرا فيقوم سائقوهم بدلقنا بدورنا إلى حيث نقيم... ومن غير الطبيعى وضد شريعة الكون، وحاجة ما لها طعم، وزى الساندوتش الفاضى الجلوس على الساكت فى المقعد الجلد الخلفى الوثير المستعار دونما أسئلة حب الاستطلاع الشرهة لسائق السيادة عن سيادته وأحواله عن قرب بعيون شاهد يرى كل حاجة، ويسمع كل حاجة، ويستنبط كل حاجة عن العلاوات والجزاءات والخناقات والإجازات واللقاءات والاجتماعات والسياسات، وذلك من طريقة صعود صاحبه معه سواء أكان ثائرا أو لاعنا، أو متأملا، أو منشكحاً، أو منتفخاً من باب النفخة الكدابة المصاحبة للكرسى. - للأمانة الراجل خلوق وفى حاله وزى الساعة ولما يتأخر فى زيارة أو اجتماع يعتذر، ويسألنى عند استقباله فى المطار عن صحة الحاجة وحال الأنجال.. لكن الكنبة اللى حضرتك قاعدة عليها تشهد بتبدل حاله في الفترة الأخيرة من النقيض للنقيض، وأكيد كل العاملين عندكم ملاحظين.. إزاى يا عم إبراهيم؟! - أنا لما كنت أروح له فى الميعاد ألاقيه واقف أو بيتمشى رايح جاى قدام عمارته بشنطته قبلها بكثير، ولما أبدى الأسف يرد بزهق مش غلطتك يا إبراهيم أنا اللى حبيت أشم الهواء.. أما إذا ركبت معاه المدام فالصمت التام أو الزمجرة.. وحترجع إمتى؟.. مش عارف.. وحتتغدى معانا؟.. مش عارف.. وحتسافر بكره؟.. مش عارف.. حتاخد البالطو؟.. مش عارف.. لقيت لك حل؟.. مش عارف.. وأحط إيدى على قلبى من قسوة الارتجاج عندما ينزل كل واحد منهما ويرزع من وراه الباب.. و..أستلم أوامر سيادته من بعد الإجازة السنوية عن طريق مدير الجراج بالعنوان الجديد.. و..أروح أتلطع بالساعة والساعتين ليهل اسم النبى حارسه وضامنه بيشف ويرف ووشه طافح بالسرور وجلده الكابى غلاف بنور وشعره المقارب الصلع دبت فيه الروح ليلاقينى بترحاب وكأنه التقى بالسعد مش أنا الغلبان إبراهيم القديم.. و..يطلب منى سماع فيروز، وكللى لك وأنا بعشقك، وفى المشاوير الطوالى رق الحبيب، وأقسم بأن ودنى اللي تسمع دبّة النملة سمعته بيدندن: والغصن مال على الغصن قال يحلى الوصال... و..عرفت إنه عريس جديد.. والله النكدية علاجها البيت التانى يا عم إبراهيم.. نقلا عن " الاهرام" المصرية