مع فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشعب "البرلمان" في تونس، يوم 22 أغسطس الجاري أغلق أمس الخميس، اجتاح عدد من الأحزاب السياسية موجة من الانشقاقات والاستقالات وخاصة في قواعدها بمحافظات البلاد. وأرجع عدد من المستقيلين انسلاخهم عن أحزابهم إلى "تسلط الأحزاب وعدم الإنصات إلى مطالبهم ومقترحاتهم فيما يتعلق بالقوائم الانتخابية"، وفق تصريحات لهؤلاء في وسائل إعلام محلية. فحزب نداء تونس (معارض) ، أحد أكبر الأحزاب السياسية المنتظر أن تنافس بشدة في الانتخابات، حسب مراقبين، شهد عاصفة كبرى من الاستقالات بدأت بالحقوقي والقيادي بالحزب، عبد العزيز المزوغي، ثم الكاتبة، ألفة يوسف، وراجت بعد ذلك استقالات جماعية في فروع الحزب بأنحاء البلاد، احتجاجا على عدم الاستماع إلى القواعد أو الاكتراث بآرائهم بشأن القوائم الانتخابية بمحافظات البلاد. ومنذ أشهر، يشهد نداء تونس صراعات داخلية بين الشقين الدستوري (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل)، واليساري داخل الحزب، تطورت شيئا فشيئا لتتبلور اليوم في معركة انتخابية استباقية لحيازة مواقع سياسية. وعن هذه الصراعات والاستقالات، قالت القيادية بالحزب، بشرى بالحاج حميدة، في تصريح لوكالة "الأناضول" إنها "حالة طبيعية جدا في فترة انتخابية كالتي تعيشها تونس الآن؛ فكل مناضل يعتبر أن من حقه أن يحصل على شرعية في حزبه، وهذا أمر طبيعي وموجود في كل الأحزاب في تونس وحتى الصغيرة منها ولا تقتصر على نداء تونس". ومضت قائلة: الفارق بين نداء تونس والأحزاب الأخرى "هو أنه في نداء تونس توضع كل النقاشات وتطرح على مرأى كل التونسيين وهي ظاهرة صحية كما أنها ممارسة لنوع جديد من الشفافية والديمقراطية". وأضافت بالحاج حميدة أن "الاستقالات التي عرفها نداء تونس ليست كثيفة مقارنة بالانخراطات التي تسجل داخل الحزب وعدد المنتمين إليه، والمستقيلون هم من بعض المناضلين والمنخرطين غير المعروفين لدى الرأي العام التونسي". وتابعت "عندما يطلع التونسيون على برنامجنا الانتخابي سيتفهمون أن حزب نداء تونس هو الوحيد القادر على أن يرجع الدولة لمكانتها؛ فالدولة اليوم مهددة في هيبتها ووجودها". واعتبرت بالحاج حميدة أن "الاستقالة موقف غير سليم"، داعية كل من كان منخرطا في نداء تونس إلى أن "يتراجع عن قراره ويلتحق بحزبه لخدمته". وعما إذا كانت الاستقالات داخل الحزب تعكس صراعا على السلطة، قالت بلحاج حميدة "لا يمكن الحديث عن تهافت على السلطة كما يروج له، فالسلطة هي مطمح وحق شرعي لكل سياسي على أن لا يصبح ذلك هو الهدف الوحيد؛ فأي سياسي يرغب بطبعه في الوصول إلى المواطنين وخدمتهم عبر المناصب". معركة القوائم الانتخابية وصلت أيضا إلى الحزب الجمهوري (الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا)، وهو من القوى السياسية التي عارضت الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، قبل ثورة يناير/ كانون ثاني 2011. فقد شهد الحزب مؤخرا، تشتت ولحقته عاصفة من الاستقالات، لاسيما بعد استقالة النائب عن الحزب بالمجلس التأسيسي، رابح الخرايفي عن محافظة جندوبة (شمال غربي تونس). الخرايفي قال إنه لجأ للاستقالة بعد "محاولة لإقصائه من المكتب السياسي للحزب"، وتابع الخرايفي أن "عددا من الأحزاب ومنها حزبه السابق الحزب الجمهوري لم يمارسوا الديمقراطية رغم ما كانوا يروجوا له"، مضيفا "كان من المفترض أن تنتقل الديمقراطية إلى أعماق الجهات (الأنحاء) وتظهر في الاستماع إلى أبناء الجهة المنتمين للحزب لكن هذا لم يحدث". وأضاف الخرايفي في تصريحات لوكالة "الأناضول" أن "الاستقالات ظاهرة تعكس أزمة داخل هذه الاحزاب ويمكن أن تكون بالأساس أزمة مؤسسات أو ازمة ديمقراطية صلب هذه الاحزاب." كما اعتبر كذلك أن "هذه الاستقالات قد تبعث برسائل سيئة للناخبين كما يمكن أن تجرهُم نحو العزوف عن الذهاب إلى صندوق الاقتراع وبالتالي تصبح نسبة المشاركة في الانتخابات ضئيلة جدا". وفسر الخرايفي ظاهرة الاستقالات في الأحزاب، قائلا إنها تعود إلى "مشكلتين أساسيتين في تونس سواء في الحياة السياسي ككل أوفي الأحزاب بشكل خاص بغض النظر عن اتجاهاتها؛ فقد أصاب الأحزاب تصدع كبير، إما بسبب ضعف في ممارسة الديمقراطية أو شخصنة الحزب السياسي". ومضى قائلا "الفكر السياسي في تونس لم يتحول إلى مؤسسة بل ظل رهن سيطرة الموالاة لأشخاص أو قيادات ما"، مضيفا "عمر الأحزاب السياسية هنا ثلاث سنوات وتونس لا تزال تعيش اليوم انفجارا حزبيا يقابله انفجار في القوائم المستقلة إضافة إلى أنه لا توجد إلى حد الآن ثقافة لإدارة الأحزاب أو تمويلها وغيرها من الأمور". موجة الغضب وحالة التمرد على المركزيات الحزبية من قبل الفروع الجهوية كشفت النقاب كذلك عن المشاكل الداخلية لكل من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (شريكا حركة النهضة في حكومة الترويكا بين عامي 2011 و2014) فضلا عن تصدع العلاقة بين القيادات الحزبية وممثليها في الجهات، وهو ما من شأنه أن يؤثر في صورة كل حزب سياسي خاصة في مثل هذه المرحلة الدقيقة التي يبدأ فيها العد التنازلي للسباق الانتخابي. وعرف الحزبان استقالات جماعية في عدد من المكاتب الجهوية والأسباب واحدة تتمثل في عدم رضاهم عن القوائم الانتخابية وعدم الأخذ بعين الاعتبار لمقترحات هذه المكاتب أو استشارتهم لدى تعيين هذه القوائم، واعتبار ذلك سياسة اسقاط فوقية تمارسها المركزيات الحزبية وهو ما لا يتماشى مع تصورات المنخرطين أو طموحاتهم، حسب مراسل الأناضول. من جهته، قال المحلل السياسي، نصر الدّين بن حديد، في حديث لوكالة الأناضول إن "الانتخابات هي السبب الأساسي للاستقالات التي تعرفها أغلب الأحزاب السياسية في تونس في هذه المرحلة، حيث يعبر المستقيلون عن رفضهم لعدم وجود أسمائهم على قائمات الترشيح للانتخابات البرلمانية". وأضاف بن حديد أن "الأحزاب لا تزال في حاجة إلى مخاض طويل حتى تحقق الاستقرار داخلها ولكي تصبح هذه الاستقالات استثناء وليس ظاهرة كما يحدث اليوم". ومضى قائلا "هذه الظاهرة مقبولة لكن حجمها وامتدادها أصبح مقلقا داخل الأحزاب؛ فلم تعد الاستقالة هي الاستثناء بل هي ظاهرة عميقة". وتابع "الوجود في البرلمان القادم مغر على المستوى السياسي وكذلك على مستوى الامتيازات، ومن ثم يصبح الهاجس الوصول إلى البرلمان ومن هنا يأتي الغضب او الرفض او الاستقالة عندما لا يتمتع السياسي بهذه التزكية وبالتالي تصبح الانتخابية لعبة ذاتية وليس اجتماعية". وأضاف "ذلك سيؤثر فيما بعد، فهذه الاستقالات ستشتت الأصوات وكما أنها ستؤثر سلبا على مستوى صورة الحزب، أما الأخطر فهو تأثيرها على المسار الديمقراطي بأكمله في البلاد عندما تصبح الانتخابات مجرد وسيلة شخصية لتحقيق مصالح ذاتية لا غير". وفي الوقت الذي تشهد فيه هذه الاحزاب صراعات داخلية وانشقاقات بالجملة خلصت أحزاب اخرى من امتحان القوائم، وأعلنت عنها لتنتقل إلى مرحلة جديدة تتمثل في الاعداد لبرنامجها الانتخابي على غرار حركة النهضة (إسلامي) وتيار المحبة (وسط). وفتحت الهيئات الفرعية التابعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، في 22 أغسطس/ آب الجاري، أبوابها لتلقي طلبات الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة، على أن يغلق باب الترشح أمس. وصادق المجلس التأسيسي التونسي، مؤخرا، على تحديد يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل لتنظيم الانتخابات التشريعيّة، ويوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني لتنظيم الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. كما قرر تنظيم الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بعد الإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى وقبل انتهاء عام 2014. وتضمّ الساحة التونسية حوالي 190 حزبا ظهرت معظمها بعد انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، التي أعقبت ثورة 14 يناير/ كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس السابق بن علي.