ونحن على أعتاب رمضان ما أشد احتياجنا إلى تزكية أنفسنا، وتهذيبها والاطلاع على الرقائق التي تساهم في تليين قلوبنا وتذوق حلاوة الإيمان، والاستعداد لهذا الشهر الكريم. "محيط" يتوقف عند بعض وصايا المتصوف ابن عربي التي جاءت في كتابه "الوصايا من الفتوحات المكية". يقول ابن عربي في وصاياه: عم برحمتك وشفقتك جميع الحيوان والمخلوقين, إذا أنفقت فلا ترد سائلا ولو بكلمة طيبة, وألقه طلق الوجه مسرورا به، فإنك إنما تلقي الله, إن لله حقا علي كل مؤمن في معاملة كل أحد من خلق الله علي الإطلاق من كل صنف, من ملك وجان وإنسان وحيوان ونبات ومعدن وجماد ومؤمن وغير مؤمن. افعل الخير ولا تبال فيمن تفعله تكن أنت أهلا له, ولتأت كل صفة محمودة من حيث ما هي مكارم الأخلاق تتحلي بها, وكن محلا لها لشرفها عند الله وثناء الحق عليها, فاطلب الفضائل لأعيانها واجعل الناس تبعا لا تقف مع ذمهم ولا مدحهم, لا تكن لعانا ولا سبابا ولا سخابا, إياك أن تسأل الناس تكثرا وعندك ما يغنيك في حال سؤالك فان المسألة خموش في وجهك يوم القيامة, التؤدة في عمل كل شيء.. إلا في عمل الآخرة. إياك وصحبة من تفارقه ولا تصحب إلا من لا يفارقك.. وهو عملك وإياك والحرص علي المال إياك وما يعتذر منه. خف ثلاثة.. خف الله وخف نفسك وخف من لا يخاف الله, عامل كل شخص من حيث هو لا من حيث ما أنت عليه, كن نعم الجليس للملك القرين الموكل بك ولا تعص الله بنعمه, إذا فعلت فعلا فحسنه فإن الله كتب الإحسان علي كل شيء, وعليك بالتواضع وعدم الفخر علي أحد, لكل شيء إذا فارقته عوض. وليس لله إن فارقت من عوض. إذا عصيتَ الله تعالى بموضع فلا تبرَحْ من ذلك الموضع حتى تعمل فيه طاعةً، وتُقيم فيه عبادةً؛ فكما يشهد عليك إنِ استُشهد يشهَدُ لك، وحينئذ تنتزح عنه. وكذلك ثوبك إن عصيت الله فيه فكن كما ذكرتُه لك: اعبُدِ اللهَ فيه. وكذلك ما يفارقك منك من قصّ شارب، وحلق عانة، وقصّ أظفارٍ، وتسريح شعر، وتنقية وسخ... لا يفارقك شيء من ذلك من بدنك إلا وأنت على طهارةٍ وذكرِ الله عز وجل فإنه يُسأل عنك: كيف تركك؟. وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله: أن تدعوَ الله في أن يتوب عليك عن أمره تعالى؛ حتى تكون مؤدّياً واجباً في امتثالك أمر الله، وهو قوله: {وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، يعني هنا بالعبادة: الدعاء. أي: من يستكبر عن الذلة والمسكنة فإن الدعاء سماه عبادة، والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} ، أي: أذلاء. فإذا فعلوا ما أُمروا به جازاهم الله بدخول الجنة أعزاء. حسِّنِ الظنَّ بربِّك على كل حال، و لا تسئِ الظنَّ به؛ فإنك لا تدري: هل أنت على آخر أنفاسك في كل نفس يخرج منك، فتموت، فتلقى الله على حسن ظن به لا على سوء ظن؛ فإنك لا تدري: لعل الله يقبضك في ذلك النفس الخارج عنك!. ويوصي ابن عربي قائلاً: عليك يا أخي بعيادة المرضى؛ لِما فيها من الاعتبار والذكرى؛ فإن الله خلق الإنسان من ضَعْفٍ، فينبّهك النظر إليه في عيادتك على أصلك؛ لتفتقر إلى الله في قوة يقويك بها على طاعته، ولأن الله عند عبده إذا مرض! ألا ترى إلى المريض ما له استغاثة إلا بالله، ولا ذكرى إلا لله؟! فلا يزال الحق بلسانه منطوقاً به، وفي قلبه التجاء إليه، فالمريض لا يزال مع الله أيّ مريض كان ولو تطبّب وتناوَلَ الأسبابَ المعتادة لوجود الشفاء عندَها، ومع ذلك فلا يغفل عن الله، وذلك لحضور الله عنده. و الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، يدعى بسلطان العارفين وهو أحد أقطاب الصوفية.