أوقفوا تصدير الفوسفات.. اليوم وليس غداً سعد هجرس أشياء تنتمي إلي اللامعقول تحدث في هذا البلد.. فنحن نبحث عن دعم رغيف الخبز للملايين من المصريين. ونفتش في الدفاتر القديمة والجديدة لتدبير أبواب لتمويل القوت الضروري للشعب ونشكو من العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة. بينما نهدر كنوزاً بكل ما في الكلمة من معني أو نسيء استخدامها أو تذهب عائداتها بالملايين إلي جيوب من لا يستحقونها. وعلي سبيل المثال من يصدق أننا مازلنا نبيع "الطفلة" بسعر خمسة وعشرين قرشاً "أكرر 25 قرشاً" للطن. علماً بأن هذه "الطفلة" تستخدم في صناعة الاسمنت. وكان هذا السعر التافه هو المعمول به منذ عام 1962 عندما كان سعر طن الاسمنت أربعمائة قرش "أي أربعة جنيهات". والآن قفز سعر طن الأسمنت إلي أكثر من 500 جنيه ومازالت مصانع الأسمنت "التي سيطر عليها الأجانب" تحصل علي الطفلة بربع جنيه للطن! هذا المثال الاستفزازي ليس سوي "غيض من فيض" إذا ما قورن بإحدي الخامات التي تشكل جزءاً من ثروة مصر المعدنية المهملة والتي إذا ما أجدنا استثمارها لتغير الحال وتوقفت حكوماتنا عن الشكوي من الفقر وضيق ذات اليد. وأقصد بذلك خام الفوسفات والرمال السوداء في مصر. ولا نضيف جديداً إذا قلنا إن خام الفوسفات تقوم عليه صناعات كبيرة من أهمها حمض الفوسفوريك والأسمدة الفوسفاتية المركبة بأنواعها. علماً بأن الطلب العالمي علي الأسمدة الفوسفاتية يتنامي بمعدل نمو 5% سنوياً في المتوسط. ومن المتوقع أن يستمر تزايد الفجوة عالمياً عاماً بعد عام وأن يصل العجز من الأسمدة الفوسفاتية إلي حوالي 18.8 مليون طن عام .2020 أما الزراعة في مصر فتحتاج 1.6 مليون طن سنوياً يوفرها الإنتاج المحلي حاليا حيث يصل إلي 8.1 مليون طن. وستصل احتياجات الأسمدة الفوسفاتية المتوقعة حتي عام 2017 إلي حوالي 3.5 مليون طن يلزم لإنتاجها توافر حوالي 2.6 مليون طن من الخام سنوياً. أما عن إجمالي احتياجات الشركات القائمة والجديدة من خام الفوسفات فيبلغ حوالي 2.1 مليون طن. كما يبلغ احتياج الشركات المتقدمة في حالة الموافقة علي جميع المشروعات حوالي 3.7 مليون طن بإجمالي 5.8 مليون طن. ومع ذلك.. فليس هذا هو المهم.. المهم حقاً هو أن خام الفوسفات الرسوبي علي الصعيد العالمي يحتوي علي نسبة من اليورانيوم تتراوح ما بين 50 و200 جرام للطن. ويمكن استخلاص اليورانيوم من حامض الفوسفوريك الذي يتم إنتاجه بالطريقة الرطبة. وقد بينت الدراسات وجود نسبة من أملاح اليورانيوم في الفوسفات المصري شأنه شأن كل الفوسفات ذي الأصل الرسوبي العضوي في العالم. وهي بضع عشرات من الأجزاء في المليون. كذلك اتضح وجود تركيز غير عادي للعناصر الأرضية النادرة في فوسفات الصحراء الغربية وذلك بالمقارنة مع رواسب وادي النيل ورواسب البحر الأحمر. واتضح مثلاً أن نسبة اليورانيوم في خام الفوسفات السباعية غرب أسوان تماثل نسبته في خام فوسفات ولاية فلوريدا الأمريكية والذي يجري استخلاص اليورانيوم منه منذ الخمسينيات وهي 60 جراماً للطن. كما سبق لهيئة المواد النووية الحصول علي عينات من حمض الفوسفوريك المنتج من شركة أبوزعبل بطاقة 70 ألف طن في السنة وأجرت عليه دراسات معملية بينت إمكانية استخلاص اليورانيوم من الحامض بدون مشاكل فنية بالطريقة المتبعة في شركة "برابون" بلجيكا وثلاثة مصانع بولاية فلوريدا الأمريكية. وأجريت دراسة جدوي اقتصادية وفنية وهندسية علي الحامض بشركة "كوبي لا فالين" بالتعاون مع شركة "برابون" وذلك في أغسطس عام 1989 واتضح من الدراسة أهمية مضاعفة إنتاج حامض الفوسفوريك إلي ما يعادل 120 ألف طن خامس أكسيد الفوسفور سنوياً والتي تمثل الطاقة الحدية المقبولة اقتصادياً حتي يمكن أن تحقق عائداً تجارياً. وفي هذه الحالة يرتفع الإنتاج المتوقع إلي حوالي 35 طناً في السنة من أكسيد اليورانيوم. والآن.. لكي نري الكمية الاقتصادية لخام الفوسفات الذي يوجد فيه هذا اليورانيوم يجب أن نعرف أن 10 جرامات من اليورانيوم يزيد ثمنها علي 50 ألف دولار. فبكم نبيع طن الفوسفات حالياً؟! من واقع الأرقام الرسمية لصادرات خام الفوسفات خلال الفترة 1/7/2006 حتي 30/6/2007 نكتشف أن شركة النصر للتعدين قامت بتصدير 20 ألف طن بتاريخ 12/7/2006 و20 ألف طن أخري في 2/10/2006 و15 ألف طن في 30/4/2007 و15 ألف طن في 20/5/2007 و6 آلاف طن في 6/6/2007 إلي باكستان بأسعار تتراوح بين 34 دولاراً ولا تزيد علي 40 دولاراً للطن كما قامت بتصدير كميات أكبر إلي الهند بأسعار تتراوح بين 28.9 دولار للطن إلي 35 دولاراً. ونفس الشيء الصادرات إلي أندونيسيا وبنجلاديش ونيوزيلاندا واستراليا وماليزيا والنمسا وبلجيكا بنفس هذه الأسعار التافهة. هل هذا معقول؟ هل يصدق أحد أننا نهدر هذه الثروة القومية النادرة بهذه الصورة ونصدرها للخارج بتراب الفلوس بينما هي منجم حقيقي لثروة هائلة يمكن أن تعود بخيراتها علي شعبنا وأن تفتح بيوت ملايين الشباب الذين لا يجدون فرصة عمل اللهم إلا الوقوف في طوابير العيش والجلوس علي المقاهي حالياً؟ لذلك.. نطالب بإيقاف تصدير خام الفوسفات اليوم قبل الغد.. وأن تعكف هيئات مصرية وطنية علي وضع استراتيجيات جادة لاستثماره بصورة اقتصادية رشيدة. فهل نفعل؟! عن صحيفة الجمهورية المصرية 3/4/2008