عن اقتصاديات واستهلاك الوقود بقطاع النقل د. حامد مبارك ترتبط اقتصاديات الوقود واستهلاكه بثلاث قضايا أساسية تشمل:(1) معالجة ظواهر التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكون.(2) ترشيد استخدامات الوقود حفاظا علي البيئة.(3) تسعير الوقود ضبطا للاستخدام وتخفيفا للازدحام المروري خاصة بالمدن الكبري. وترتبط هذه القضايا الثلاث في مجملها بحتمية تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وبالذات من قطاع النقل بوسائله المختلفة. وتقتصر هذه المقالة علي أهم المداخل المقترحة للتعامل مع قضية تسعير الوقود. إن الهدف من التسعير في المقام الأول هو ضبط استهلاك واستخدام السيارات والمركبات وليس لتوفير المزيد من الحصيلة للموازنة العامة للدولة. من هنا فقد عالج العديد من الدول هذه القضية علاجا علميا وسياسيا واجتماعيا, ويمكن في هذا الإطار أن نسترشد بالتحليل والتقويم المنهجي التالي: أولا: من الثابت أن زيادة أسعار الوقود لوسائل النقل ينتج عنها تخفيض للكيلو متر المقطوع من حركة السيارات والمركبات, وبالتالي تقليل استهلاك الوقود وتخفيض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون. وتشير الدراسات بدول مماثلة إلي أن رفع سعر البنزين من جنيه واحد إلي ثلاثة جنيهات مثلا أي بزيادة قدرها200% سوف يقابلها تخفيض في استهلاك البنزين يقارب40% من الاستهلاك الشخصي/ الفردي. ثانيا: من الثابت كذلك أنه بارتفاع أسعار الوقود يتحول المشتري إلي السيارة ذات الكفاءة العالية في اقتصاديات التشغيل واستهلاك الوقود, بل وإلي تلك التي تستخدم الطاقة الجديدة( كهرباء وغاز). ثالثا: كما أنه يغيب عن الواقع حاليا قيام مستخدمي السيارات بحساب تكلفة التشغيل وإدخال العنصر الأساسي وهو الوقود ضمن بنود هذه التكلفة, وذلك إما عند شراء سيارة جديدة, أو بقصد متابعة الإنفاق السنوي ضمن موازنة تقديرية للأسرة. وهنا تجدر الإشارة إلي أنه في أغلب الأحوال وعند اختيارهم سيارة جديدة فلا يدخل في حسبانهم السيارة الأفضل من حيث استهلاك صفيحة الوقود في الكيلو متر. فالغالبية العظمي يقوم اختيارها علي أساس الشكل ودرجة الرفاهية والمستوي الاجتماعي, وإن كان البعض يهتم بحساب تكلفة التشغيل واستهلاك الوقود فإنما يتم ذلك بقصد معرفة عمر الموتور وكفاءة أدائه. ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو.. ماذا يفعل المواطن عندما يتلقي خبر زيادة سعر الوقود؟ لا شك في أنه سوف يضطر إلي تخفيض استخدامه للسيارة بعد حساب زيادة مصروفاته اليومية والشهرية وترشيد رحلاته في ضوء العائد الاقتصادي والنفعي مثل رحلة عمله اليومية. أو أن يبدأ استخدم وسائل النقل العام والتاكسي, أو يجري استبدالا لسيارته بسيارة ذات أداء وكفاءة أعلي في استهلاك الوقود. إلا أنه ومع الزيادات المستمرة لأسعار الوقود ومن خلال الدروس المستفادة في هذا المجال ولضمان نجاح سياسات الدولة في التعامل مع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ارتباطا بالقضايا الثلاث المشار إليها آنفا فإنه يصبح من الضروري بالتزامن مع زيادة الأسعار تأمين مجموعة من الضمانات لعل أهمها: (1) أن يستمر النمو الاقتصادي ضمانا لاستمرار ارتفاع دخل المواطن, ومن ثم فإن التأثير السلبي للزيادة في سعر الوقود سوف ينخفض مع الوقت. (2) أن يتحول منتجو/ مستوردو السيارات إلي تلك الأنواع ذات الكفاءة العالية في استهلاك الوقود, علي أن توفر الدولة المزيد من الحوافز لهؤلاء لاستيراد أو إنتاج الجيل القادم من السيارات صديقة البيئة التي تعمل بالكهرباء أو بالغاز الطبيعي. (3) أن تعمل الدولة علي توفير أنواع من الوقود عالية الكفاءة وأقل في درجات التلوث, حيث تترجم هذه الاستخدامات للوقود إلي تحسين مباشر في الاستهلاك. (4) أن يستغل جزء من حصيلة الزيادة في أسعار الوقود لرفع كفاءة النقل العام وتحسين الأحوال المرورية وتخفيض الازدحام المروري بالمدن الكبري. يتطلب الأمر كذلك إجراء حصر ميداني يقوم بتنفيذه جهاز الإحصاء الوطني أو القطاع المدني وحماية المستهلك علي عينة من ملاك السيارات والمركبات وذلك بهدف رصد تكلفة الوقود والتشغيل يوميا علي مدي فترة زمنية ممتدة( شهر مثلا), وبناء علي نتائج هذا الحصر تنظم الدولة حملة إعلامية مواكبة تستهدف تهيئة الرأي العام لجعل تكلفة الوقود ضمن موازنة الأسرة, ومن ثم يمكن للحكومة الإعلان والإعلام بموعد رفع أسعار الوقود كإجراء ضروري بل وحتمي. وأخيرا.. فإنه برغم دور الدولة والمواطن في معالجة القضايا الثلاث لتفعيل كفاءة اقتصاديات استهلاك الوقود, ومن ثم إجراءات وسياسات تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من وسائل النقل, فإن الدولة سوف تجد نفسها في مواجهة الشر الذي لابد منه ألا وهو رفع أسعار الوقود, وقد آن الأوان لأن يقوم المواطن بحساب تكلفة التشغيل للسيارات آخذا في الاعتبار أسعار الوقود والطاقة. عن صحيفة الاهرام المصرية 8/3/2008