البعد السياسي والإنساني في الكأس الإفريقية محمود مراد ثمة تحليل عميق ينبغي ان يكون لفوز مصر بكأس الأمم الإفريقية للمرة السادسة فبراير2008 بعد أن فاز في المرة السابقة. وإذا كانت الأقلام من المتخصصين في المجال الرياضي قد أفاضت حديثا عن الأسباب الفنية للفوز فان هذا القلم ينظر إلي ما جري من زوايا أخري لا تقل أهمية لعل أولها البعد الإنساني في تكوين الشخصية وهنا أبادر بالقول إنها امتداد طبيعي للمصري منذ عشرة آلاف سنة من التاريخ المكتوب وهو إنسان يبدع إلي أبعد مما هو متوقع إذا توافرت له الإمكانيات المعقولة.. أو إذا كان الأمر يتصل بسمعة وطنه.. ويتحقق هذا للمواطن الطبيعي ولكل قاعدة شواذها كما هو معروف فنجد أن من يحب أسرته يحب عمله يحب بلده بل ويحب أمته علي امتدادها.. ولعلي أعطي مثلا باللاعب محمد أبو تريكة ولا أعرفه شخصيا فإن بعض المعاني التي أشير إليها تتجسد فيه فهو لاعب محترف اكتسب شهرة وثراء غير انه في حب أسرته يقول إن أشقاءه يلعبون أفضل منه لكن الظروف لم تظهرهم وعندما اشتري لنفسه بيتا اشتري آخر لأسرته. وخلال المباراة مع السودان وبعد إحرازه هدفا وبينما كانت العدسات مسلطة عليه رفع فانلته الخارجية لتبدو الداخلية وعليها عبارة' تعاطفا مع غزة'. مما يعني إيمانه بالعروبة والأمة وسعيه حتي وهو في هذه الظروف إلي لفت الأنظار إلي المأساة التي يعانيها هذا البلد العربي.. مما يعكس الحس الإنساني له.. ولعلي أشير إلي اللاعب محمد زيدان الذي جسد معني البسالة واشتبك مع اللاعب الكاميروني سونج رغم إمكانية إصابته, خاصة ان الخشونة كانت طابع لاعبي الكاميرون لكنه لم يبال حتي كان الهدف الفيصل مع أبو تريكة. ومثل زيدان نجد المقاتلين مثل وائل جمعة والحضري وعمرو زكي وغيرهم.. وهؤلاء وهؤلاء أثبتوا خصوبة التربة البشرية المصرية من حسين حجازي ومختار التتش إلي الضيظوي والحامولي ثم رفعت الفناجيلي وصالح سليم إلي الشاذلي ومصطفي رياض وبعدهم مصطفي عبده والخطيب وهكذا.. حتي هؤلاء. وسوف يظل العطاء مستمرا إلي ما شاء الله طالما صارت الظروف مواتية والإمكانيات متاحة ومنها الرعاية علي كل مستوي.. وخلاصة القول ان للمصري امكانيات عالية تتحين فرص انطلاقها وان في مصر طاقات تجئ الثروة البشرية في مقدمتها وهي أقوي من أي تصور وأعمق فهما وادراكا بدورها الوطني والقومي عربيا وافريقيا واسلاميا وهو دور يتجذر تاريخيا ولذلك لم يكن غريبا ان' غانا' الدولة المضيفة كانت تشجع مصر في الدورة ورقص شعبها وعبر عن دعمه للفريق المصري في مواجهة فرق افريقية أقرب جغرافيا الي غانا.. لكن الشعب الصديق ترجم مكنونات ضميره إذ يعرف جيدا فضلا عن كفاءة الفريق المصري ودور مصر حاليا عمق العلاقات التاريخية وما قامت به مصر في سبيل تحرير غانا ومساندة اول رئيس لجمهوريتها الزعيم الراحل كوامي نكروما. ولعلي هنا أنقل عن الدبلوماسي المصري الدكتور طه الفرنواني بعض خفايا التاريخ ومنها ان نكروما تقديرا منه لمصر وحبا في شعبها ارسل أحد معاونيه ليرشح له فتاة مصرية ليتزوجها وكانت هي السيدة فتحية رحمها الله ولقد فرحت غانا ودول افريقية أخري بفوز مصر وكانت منها السودان وشعبه رغم هزيمة فريقه أمام الفريق المصري كما فرحت الشعوب العربية وبينها الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.. بل ان الفوز الكروي كان بندا بارزا في كلمات وزراء الاعلام العرب عند اجتماعهم بمقر الأمانة العامة الثلاثاء الماضي.. الأمر الذي يعكس أهمية الرياضة بكل أفرعها سواء في ابراز دور الدولة أو في التقريب بين الشعوب ومثلها في ذلك مثل ألوان الثقافة المختلفة بمعناها الشامل وأظن ان دور الفيلم المصري معروف منذ قرن من الزمان وكذلك دور المسرح والموسيقي والأغنية وهنا نؤكد علي' الشخصية الوطنية' وهي فطرية بمقوماتها.. وهي التي جعلت' اللاعبين' يقاتلون.. وبسببها حرص عبد الحليم حافظ علي ان ينشد بعد عدوان1967 في بداية كل حفلة سواء داخل أو خارج مصر' احلف بسماها وبترابها' قسما لتحرير الأرض العربية.. وهي التي دفعت يوسف شاهين الي تقديم فيلم' العصفور' وهو بالمناسبة كان بداية اتجاهه السياسي وفيه عبر عن مصر من خلال شخصية' بهية' وانطلقت في الفيلم اغنية' راجعين' التي التقطتها الاذاعات وشبكات التليفزيون لتكرارها عقب انتصار1973. وفي نفس الاطار تبرز العظيمة' أم كلثوم' ليست فقط بحفلاتها للمجهود الحربي انما أيضا بقرارها' الشخصي' السفر للغناء في تونس رغم توتر العلاقات بينها وبين مصر والفتور بين جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة ولما شدت أم كلثوم خرجت تونس عن بكرة ابيها من اصغر مواطن الي رئيسها تحية لمصر ولكوكب الشرق وخلال زيارتها تصادف ان تخللها يوم الجمعة فذهبت للصلاة في مسجد بالعاصمة.. فأطلق الناس اسمها عليه حتي الآن. ولعلنا أيضا نشير الي دور الفن بزيارة قامت بها فيروز منذ اسبوعين الي دمشق لتحيي حفلا فيها رغم معارضة لبنانية.. وكانت النتيجة تأكيد التلاحم بين الشعبين رغم ما في سماء السياسة من غيوم! وبغير استطراد في دور الرياضة والثقافة والفنون والاعلام بأبعاده السياسية والانسانية تعميقا للانتماء الوطني والقومي فإننا نأمل حسن استثمار اللحظة باستمرار هذه الروح وتعظيم الامكانيات وفي الرياضة تحديدا لابد من ايجاد قاعدة عريضة بانتشار الاندية في كل المدن والقري.. وان تكون هذه مسئولية المحافظين والمحليات بالتنسيق مع المجلس القومي وان تصاحب الأنشطة الرياضية وبالذات في الأندية الكبري والاتحادات أنشطة ثقافية وفنية ليست لمجرد الترفيه وانما لكي تعبر عن الهوية والانتماء والقيم الأصيلة.. حتي لا نترك الشباب وحيدا وسط عواصف قاسية تحملها الفضائيات والأوراق الصفراء وهذا نفسه كان محور الاجتماع الاستثنائي لوزراء الاعلام العرب منذ يومين.. والتنفيذ ليس صعبا.. المهم الارادة! عن صحيفة الاهرام المصرية 18/2/2008