عاطف الغمري الآن.. وقد بدأ مجلس نقابة الصحفيين الجديد مباشرة أعماله, إثر انتخابات شهدت إقبالا بلغت نسبة الذين أدلوا بأصواتهم فيه70%, وهي نسبة عالية, عكست الإحساس هذه المرة بالأزمة التي وصل إليها حال الصحافة; ففي اعتقادي أن استعادة دور النقابة الفاعل, من أجل إغلاق الباب أمام أي تدخلات, من أي جهات خارج المهنة في أخص شئونها, والحيلولة دون تعطيل دور النقابة, إنما يتصدر أولويات عمل المجلس الجديد, بعد أن وصلت الأمور إلي المحاكم, وحتي تكون النقابة هي الممسك بزمام أحوال الصحافة, والجهة الكفيلة بتسيير أمور أعضائها. إن استعادة هذا الدور, وإن كان قضية تخص المهنة وأصحابها, فإنه في الوقت نفسه قضية تخص أيضا الرأي العام, فالصحافة تصدر لتخاطب الناس, وليجدوا فيها وفي اللحظة نفسها ما يشغلهم ويقلقهم من هموم ومطالب وأماني, ويجدونها تنشر ما كانوا يقولونه علنا مع آخرين, أو يسرون به همسا مع أنفسهم, وهي حين تستعيد هذا الدور فهو من أجل المهنة والناس. إن تحديات مرحلة الأزمة تحتاج مجلس نقابة متعاونا, يتجرد أعضاؤه جميعهم من أي حسابات, سوي العمل علي استعادة هذا الدور. فالتحديات متعددة, وبلغت في الفترة الأخيرة حالة من التعقيد والتشابك, في علاقة الصحافة بالدولة, وعلاقة الصحفيين ببعضهم, وبالمهنة, من ذلك: النقابة تواجه تحديا ليس بيسير, يتمثل في محاولات للنيل منها, كما يظهر أحيانا في ضيق البعض من حرية الصحافة بمقاييسها المعروفة والمستقرة عالميا ومهنيا, وأحيانا أخري في حملات تشويه للمؤسسات الصحفية القومية ومكانتها, وأحيانا ثالثة في إطلاق شائعات أو بالونات اختبار عن اتجاهات لبيع هذه المؤسسات وخصخصتها, بينما هذه المؤسسات تخطت حدود كونها مؤسسات للصحافة والنشر, إلي اعتبارها كيانات قوميا تحسب علي أنها جزء من التاريخ الوطني, شريك في صنع أحداث التطور السياسي والاجتماعي في مصر, مشاركة فيه, وشاهدا عليه, وكانت أقدمها, علي سبيل المثال, الأهرام, التي تسبقت في الظهور زمنيا صحيفة نيويورك تايمز العريقة, والتي صدر العدد الأول منها في أغسطس1876. تطبيق ميثاق الشرف الصحفي سيكون من أهم عناصر استعادة النقابة دورها الفعال والأصيل, بدءا من مساءلة أعضاء النقابة داخل بيتهم الصحفي, وأن تبادر النقابة بفعالية وفي الحال, إلي تطبيق ميثاق الشرف الصحفي, علي كل من يتجاوز آداب المهنة, بتشويه سمعة الغير, وابتزازهم, أو التشهير بهم, بأخبار غير حقيقية, ليس لها من سند أو دليل, وأن يحال من يرتكب هذه الأفعال في بعض القضايا إلي مجلس تأديب في يده فرض جزاءات رادعة. ولعلي كنت مطلعا علي واقعة من هذا النوع حين نشرت صحيفة مستقلة قصة مطبوخة جلبت لها معلومات من هنا ومن هناك, لا رابط بينها, وليس لها أي أساس, وربطت هذا بذاك لتخرج منها بقصة فيها تشهير نشرتها بجرأة بالغة دون أن تتقصي أو تتحقق من أصل الحكاية. هنا تصبح التجاوزات الأخلاقية مرضا من أمراض المهنة, لابد أن تبرأ منه, وهذا لا يعني حجب حق الصحفي في النقد, ولا مد حدود ميثاق الشرف الصحفي إلي نقد يستند إلي التحليل الموضوعي, أو المعلومات المؤكدة لسياسات أو قرارات لمسئولين علي مختلف مستويات الجهاز التنفيذي, والإداري, حماية لأصحاب المصلحة فيما هم فاعلوه, أي المواطنين. هذا هو جوهر مهنة الصحافة, في النقد والرأي الموضوعي, كشافات ضوء علي ما قد يسيء إلي مصالح الناس, إما من أشياء تقبع في أركان معتمة لا شفافية فيها, أو من قرارات تنفيذية تخالف ما هو مخطط ومقرر في الأصل, أو إذا اعتور التنفيذ خطأ لم يتداركه أحد, إلا حين تنبه إليه الصحافة بوعي ومسئولية. والصحافة منذ نشأتها في مصر في القرن التاسع عشر, كانت أداة تنوير وكشف للحقائق, ولعبت علي هذا الأساس دورا مشهودا في تطوير المجتمع, وإعلاء القيم السوية فيه, وانتعاشته وازدهاره سياسيا, وفكريا, وثقافيا, وأدبيا, وفنيا, حتي بين الأقل تعليما, وعززت فيه أقوي مشاعر المبالاة والانتماء, حتي لقد تضاعفت أعداد الصحف والمجلات التي تتابع صدورها, مع تنوع توجهاتها, منذ ما بعد ثورة1919 وحتي عام1952. لقد أدت أوضاع الصحافة في السنوات الأخيرة, وظهور العديد من الصحف المستقلة إلي جانب الحزبية, وهي ظاهرة جيدة من شأنها إنعاش الحياة الصحفية وتجديد حيويتها أدت إلي إفراز أجيال من الصحفيين الجدد الذين حرموا فرص التدريب, والتدرج المهني الذي يكسبهم الخبرة, وتنوع المهارات, والنضج مهنيا, وذلك بسبب دفع الصحف الجديدة بهم إلي خوض مستويات العمل الصحفي المختلفة دون التدرج بهذه المراحل, وربما كان ذلك من بعض أسباب انفلات البعض إلي ما أصبح يعرف الآن بالتجاوزات المهنية, وإن كنت لا أعفي الصحف القومية كذلك من تراجع التدريب, ونقل الخبرة من المخضرمين إلي الأجيال الجديدة. وليس أقل أهمية من كل ما سبق الاحتياج الملح لصدور قانون حرية تداول المعلومات, وآلية تنفيذه, فهو البرهان علي الشفافية, فعدم صدوره يقيم سورا عاليا بين الدولة والرأي العام, ويدفع بعض الصحف إلي الاعتماد علي التخمين والتكهنات, وعلي مصادر مجهولة تصدق أحيانا, وتكذب أحيانا أخري. الموقف أمام مجلس النقابة يحتاج إلي المصارحة التامة, والاعتراف الذاتي بجميع أسباب الأزمة الراهنة, والانطلاق بقوة نحو إيجاد حل لظاهرة حبس الصحفيين التي يجمع جميع الصحفيين علي إنهائها. وكل هذا يبدأ من استعادة النقابة دورها, وأن تمسك في يدها, وبقوة, زمام قضايا المهنة, طرفا أصيلا فاعلا, معترفا له من الجميع بأن هذا دوره وحقه. عن صحيفة الاهرام المصرية 28/11/2007