اللون الأحمر، كما يعرفه خبراء لغة الألوان، هو لون يدل على الحياة والطاقة والدفء، لكنه في لائحة السجون المصرية له دلالات مختلفة، حيث يمثل لونا رسميا لزي المحكوم عليهم بالإعدام. بينما يغزو اللون الأحمر في 14 فبراير/شباط من كل عام محال الهدايا في مصر، احتفالا بعيد الحب، وتكتسي به الهدايا التي يتبادلها العشاق والمحبون، الذين يعتبرونه طوال العام رمزا لتدفق المشاعر والعاطفة، تشهد مصر هذه الأيام أخبارا يتصدرها نفس اللون، ولكن كرمز للموت. وركز جانب من التغطية الإعلامية للأحكام التي أصدرها، أمس السبت، القاضي سعيد صبري، رئيس محكمة جنايات المنيا (وسط)، بتأييد أحكام الإعدام على 183 شخصا بينهم محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، على ارتداء بديع "البدلة الحمراء"، بعد صدور هذا الحكم، وفقا للائحة السجون المصرية، التي تميز المحكوم عليهم بالإعدام بهذا اللون. واللون الأحمر، كما يعرفه خبراء لغة الألوان، هو لون يدل على الحياة والطاقة والدفء، لأنه لون الدماء التي تجري في الشرايين، لكنه في لائحة السجون المصرية له دلالات مختلفة. وتميز لائحة السجون المصرية كل فئة من المساجين بلون مختلف، فتميز السجين الاحتياطي بالأبيض، ومن يصدره ضده حكم باللون الأزرق، بينما يرتدي الصادر بحقه حكم بالإعدام اللون الأحمر. ولا يملك محمد فريد، أستاذ علم النفس السيكولوجي بجامعة الزقازيق، تفسيرا نفسيا للعلاقة بين دلالات الألوان واختيارات مصلحة السجون، لكنه قال في الوقت ذاته: "تملك أن تجعل لأي لون دلالة سلبية حتى لو كان الشائع عنه غير ذلك". وأضاف: "أنا أحب الأخضر، لكن ماذا لو أصبح هو اللون الذي يرتديه المحكوم عليه للإعدام، وتعرضت كثيرا لرؤية أشخاص يرتدونه، بينما هم على مشارف تنفيذ حكم الإعدام، ستتغير حينها دلالات هذا اللون في ذهني وأنفر منه". تاريخيا، لم يعرف متى بدأ تمييز المحكوم عليهم بالإعدام بهذا اللون، وما هي الظروف السياسية التي أحاطت بالحقبة التي صدر فيها هذا القرار، وهي أسئلة قد يساعد الإجابة عليها في معرفة دلالات اللون الأحمر في هذه المناسبة وما الذي كان يقصده صاحب فكرة اختيار اللون الأحمر، بحسب فريد. من جانبهم، يتبنى القانونيون تفسيرا واحدا لارتداء هذا اللون، وهو أنه لتمييز المحكوم عليهم بالإعدام عن باقي المتهمين، وهو أسلوب لا تنفرد به مصر وحدها، لكنه موجود في كل دول العالم، بحسب نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق (دلتا النيل). لكن حلمي لا يعرف لماذا تتفرد مصر باختيار اللون الأحمر بعينه لتمييز المحكوم عليهم بالإعدام. وأضاف في تصريحات خاصة للأناضول: "المشرع أعطي المحكوم عليه بالإعدام معاملة قانونية خاصة، فأوجب على النيابة الطعن على الحكم الصادر بحقهم أمام محكمة النقض، والسجون أيضا تعطيه معاملة خاصة بتمييزه بلون معين". حاولت الأناضول استقصاء سر اللون الأحمر في زي المحكوم عليهم بالإعدام في مصر، فأفادنا مسؤول أمني رفيع المستوى بمصلحة السجون، أن "ارتداء مسجون الإعدام لملابس باللون الأحمر ترجع إلى خطورة وضع المسجون، والذي وصل إلى آخر مرحلة في العقوبة وهي الإعدام، وهو ما يجعلنا نضعه تحت حراسة مشددة، وتكون جميع تحركاته مرصودة ويكون مميزا بها". وتابع المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن اختيار اللون الأحمر لا يقتصر على مسجون الإعدام في مصر فحسب، ولكن استخدام اللون الأحمر كلون مثير للانتباه يستخدم بغرض تمييز مسجون الإعدام نظام تتبعه كثير من دول العالم من بينها الولاياتالمتحدة التي اختارت اللون البرتقالي للمحكوم عليه بالإعدام. ونقلت وسائل إعلام مصرية محلية، أمس، عن مصادر قضائية لم تسمها، أن "بديع" لن يرتدي الزي الأحمر خلال جلسته المقررة الإثنين المقبل، في قضية "أحداث مكتب الإرشاد"، حيث أن الحكم الصادر ضده من "جنايات المنيا"، غيابي، ولا ينص القانون على ارتداء المحكوم عليه بالإعدام غيابيا، الزي الأحمر، على أن يرتديه عقب النطق بالحكم في قضية "أحداث مسجد الاستقامة" المحال فيها أوراقه إلى مفتي الجمهورية حضوريًا. تاريخيا، في مصر القديمة كان اللون الأحمر، مرتبطا بالحياة والصحة والنصر، حتى أن المصريين كانوا يقومون بتلوين أنفسهم باللون الأحمر خلال الاحتفالات، وخلال الثورة الفرنسية أصبح اللون الأحمر رمزا للحرية، وارتدى العديد منهم قبعة حمراء أو قبعة للحرية على غرار القبعات التي كان يرتديها العبيد المحررون في روما القديمة. ووفقا لبعض المراجع التاريخية، فإنه في الفترة التي عرفت ب"عصر الإرهاب" في فرنسا، من 1792 و1793 التي حكم فيها ماكسميليان روبسبير، وأسرف خلالها في أحكام الإعدام، كانت النساء ترتدين قبعات حمراء حول المقصلة للاحتفال عند تنفيذ كل حكم إعدام وكانت تسمى الغاضبات من المقصلة، كما يقال أن المقصلة نفسها كانت مصنوعة من الخشب الأحمر أو تطلى باللون الأحمر. وشعبيا، اكتسب اللون الأحمر في مصر بسبب ارتباطه بالإعدام دلالات سلبية حتى صار ارتداء الرجال لبدلة حمراء مصدرا للسخرية، كما يقول المثل الشعبي : "هوريك (سأظهر لك) العين الحمراء"، وهي جملة عادة تتردد كلهجة "تهديد". وألقت كثير من أفلام السينما المصرية الضوء على المشاعر السلبية التي يعيشها المحكوم عليه بالإعدام بعد ارتدائه اللون الأحمر، حيث ينتابه هاجس تنفيذ حكم الإعدام عليه أكثر من مره في اليوم الواحد.