تستدعي كلمة المواطن الشريف قديما صورة للموظف المصري الذي يعود منتصف اليوم لمنزله متأبطا إحدى الصحف المنتشرة في تلك الفترة بوجه عبوس حاملا هموم ومتاعب، حتى تغيرت الأحوال والمسميات وأصبح مصطلح المواطن الشريف في الوقت الحالي لا يعبر إلا عن بعض البلطجية المأجورين لفض إحدى التظاهرات والوقفات الاحتجاجية. بعد ثورة 25 يناير ظهرت فئة مناوئة للثورة حملت مسميات عديدة لكن لها هدف واحد فمنهم أبناء مبارك أو آسفين يا ريس أو الأغلبية الصامتة وغيرها، كونت تشكيلات مسلحة تنتهج العنف كوسيلة للتعامل مع الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، وصورتها وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية بأنهم أهالي المنطقة والمواطنين البسطاء الرافضين للاحتجاجات والمتضررين منها. فتحول المفهوم من المواطن "اللي ماشي جمب الحيط" والذي هدفه الأول والأخير من الحياة الستر ولقمة العيش إلى مواطن آخر يحمل سلاح أبيض بذيء اللسان. "الشرقاوي" مجرم أصبح بطل بطل قومي أم لص وقاتل؟ سؤال يدور في ذهن أي شخص يقرأ عن أدهم الشرقاوي صاحب الملحمة الشعبية الأشهر في الفلكلور الشعبي المصري يتناولها الناس على مدار سنوات عديدة وألهمت قصته العديد من الأعمال الأدبية والفنية. نسجت حول الشرقاوي الأساطير روايات أنه مجرماً، وأخرى بلطجيا، والبعض يرى أنه بطلا قوميا.. بدأت القصة منذ أن كان طالبا بالصف الرابع الابتدائي حين أخرجه والده من المدرسة بسبب سلوكه العدواني في معاملة زملائه كما ارتكب جريمة قتل وهو في سن التاسعة عشر وعندما سجن لم يتعظ بل ظل علي يرتكب الجرائم داخل محبسه حتى حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة .. هرب الشرقاوي من السجن خلال اضطرابات ثورة 1919 وكون عصابة كبيرة فبدأ في ارتكاب جرائم لحساب الآخرين مقابل المال فقتل الكثيرين بجانب السلب والنهب وقطع الطريق. وهناك من ينفي كل هذه الجرائم ويؤكد أنها ملفقة للشرقاوي لتشويه صورته وكان ذلك بتعليمات من المعتمد البريطاني لان ادهم الشرقاوي كما تقول الروايات كان مقاوما ضد الانجليز وعملائهم. العنف مقابل المال قال اللواء محمود الدكروري، أمين المركز القومي للبحوث الجنائية، إن هناك فرقا كبيرا بين المواطن الشريف والبلطجي، موضحا أن الشريف يحترم اللوائح والقوانين أما البلطجي لا يلتزم بالأخلاق ولا القانون ويحكمه قانون القوة وفرض أسلوبه بالقوة. وأشار الدكروري إلى أنه في الآونة الأخيرة ظهرت البلطجية علي الساحة السياسية لاستخدامهم في أعمال العنف مقابل المال وهذا كل مايهمه لأنه لا يعرف أيدلوجية ولا هدف بل وكل ما يهمه الكسب المادي فقط كما طالب الدكروري بتغليظ العقوبة على البلطجية للحد من انتشار مثل هؤلاء الأشخاص. دور شرطي بزي مدني من جانبها قالت الدكتورة عزة كريم أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إنه منذ أيام النظام السابق للمخلوع حسني مبارك استخدمت البلطجية في مواجهة كل المعارضين في كثير من المواقف وتم تدريبهم من قبل مسئولين في جهاز أمن الدولة لكي يواجهوا هذه التظاهرات والآراء المناقضة للدولة. وأضافت أن ذلك اتضح جليا خلال أيام الانتخابات البرلمانية أو غيرها فكانت حشود البلطجية تقوم بدور مع الدولة ضد أي معارض. واستطردت قائلة: في ناس مسئولة من أجهزة الأمن قالت لي أن من هؤلاء البلطجية تابعين لهم وعادوا إلى المشهد من جديد بعدما عادت مفاهيم وأساليب النظام المخلوع في الوقت الحالي. "المواجهة العسكرية أو الأمنية المباشرة تؤدي إلى اعتراضات ورفض من الشعب وبالتالي فإن دخول البلطجي غير المحسوب على النظام بشكل معلن يقوم بهذا الدور لأنه تابع للنظام" تؤكد كريم، أن هؤلاء المأجورين يقومون بدور شرطي ولكن بزي مدني فهم مدربين على العنف وهو ما يؤدي إلى إصابات وردود أفعال قد تسئ للمتظاهرين. دلالة لا تمثل الحقيقة أستاذ علم الاجتماع أوضحت أن لفظ "المواطنين الشرفاء" ما هو إلا سخرية أو "تريقة" بعدما صورهم النظام بأنهم مواطنين معترضين على التظاهرات ومن هنا ظهر اللفظ فهو سخرية أكثر من كونه تعبيرا عن واقع، وتابعت أن هؤلاء يتم اختيارهم من المسجلين وأطفال الشوارع أو المتسولين كمعاونين للنظام الشرطي العسكري على حد قولها. وأشارت الدكتورة عزه كريم إلى أن الناس تعلم حقيقة هؤلاء البلطجية وأنهم يد الشرطة المدنية، وأن كثرة تواجدهم هو إساءة للنظام لأنهم يستخدمون أساليب دنيئة في التعامل مع الجمهور مثلما حدث في ميدان التحرير من تحرشات واعتداءات على الفتيات خلال احتفال تنصيب الرئيس الجديد، مؤكدة أن هؤلاء ليسوا من السياسيين أصحاب الرأي بل هم أشخاص مدربين على كيفية القيام بمثل هذا الفعل فقاموا باعتداءاتهم بسرعة وتنظيم جماعي لأنهم لديهم الاستعداد للإجرام. وعن دلالة اللفظ وكونه إساءة للمواطنين الشريف بالمعنى الحقيقي، قالت إن هناك مصطلحات يفرضها المجتمع قد لا تعبر عن حقيقة المعنى لكن لها دلالة معينة مثل كلمة "بيئة" فهي تعني البيئة والجو المحيط لكن عن الأشخاص تعبر عن المستوى المتدني والأسلوب البذيء في التعامل وبالتالي هي لا تمثل الحقيقة لكن متعارف عليها في النواحي الاجتماعية وكذلك لفظ المواطنين الشرفاء وستستمر الحال هكذا حتى يتغير المفهوم. مواطنون.. "الشريف" حقه ضايع أكد صلاح فتحي 55 عام أن في الآونة الأخيرة أختلط الحابل بالنابل ولم نستطع نعرف من الشريف ومن البلطجي، حيث أن في المظاهرات يتم الاعتداء عليهم من قبل بلطجية بالأسلحة ويذاع أنهم أهالي شرفاء ونحن لم نفهم شيء. أضافت سمية 32 عاما أن التربية السليمة هي من تتحكم في الشخصية فكل بيت مسئول على من فيه فالشريف من أصله والبلطجي من البيئة الغير سوية التي نشأ فيها. ومن جانبه أكد محمود 45 عاما أن الحكومة والسلطة مسئولة إلى حد كبير عن انتشار البلطجة في الشارع المصري لانتشار البطالة وسلبيات كثيرة تؤدي إلى ذلك. وبطريقة ساخرة عبرت أمنية عبد الحميد 42 سنة "المواطن الشريف هو اللي ضايع حقه في هذه الأيام"، أما البلطجي هو "اللي بيقدر يحصل على كل حاجه بالقوة". ويقول علاء جمال إبراهيم 21 سنه إن الحكم والتفرقة بيم المواطن الشريف والبلطجي يكون من خلال التعامل المباشر مع الشخص ومتابعة مواقفه ووجهة نظره، مؤكدا أن المجتمع نفسه بهيئاته ومؤسساته هم من يدفعون الناس للعنف والبلطجة بسبب النظام، معتبرا أنه بمواجهة الفساد في المؤسسات وتطهيرها من المستفيدين وكذلك توعية المواطنين وتربية الأطفال من الصغر على السلوكيات السوية وما هو السلوك الخاطئ وأيضا تفعيل القوانين الرادعة لكل من يفتعلون المشاكل والعنف. اقرأ فى هذا الملف " من هم المواطنون الشرفاء؟" * مهند ل «لمحيط»: أقول للموطنين الشرفاء لو رفعت عنكم الحماية سيسحقكم المواطنون * «البلطجي» كلمة شريفة تحولت إلى معني «مندس» * «الشرفاء».. بلطجية وباعة جائلون أم ذراع للسلطة * «المندس» يدين الإخوان.. ويكشف هوسهم للسلطة * «المندس» يكشف حقيقة لغز حمادة المسحول والبلطجية بعد 30يونيو * سياسيون يكشفون حقيقة" المواطنين الشرفاء" ** بداية الملف